web analytics

المخدرات في غزة.. هل تردع أحكام الإعدام إسرائيل وعملاءها؟

بشكل غير مسبوق، تزايدت كميات المخدرات التي تدخل قطاع غزة خلال الشهور الأولى من هذا العام، حتى إن يناير (كانون الثاني) وحده شهد كميات بحجم ما أدخل طيلة العام الماضي، هناك أمر جديد أيضًا، يتمثل في صدور أحكام بالإعدام لأول مرة ضد تجار المخدرات الذين حولوا للقضاء العسكري، أيضًا للمرة الأولى.

 

وبينما تؤكد الحكومة الفلسطينية في غزة بأن هناك حملة مبرمجة تستهدف الشباب الغزي، تتهم هذه الحكومة بعدم جدوى آليات الردع المتخذة من قبلها ضد تجار المخدرات، وفي المحصلة تشكل الأنفاق الحدودية بؤرة مركزية في معركة القطاع مع آفة المخدرات.

 

القوانين من الكفالة إلى الإعدام

 

«تم ضبط المدان على الحدود الجنوبية للقطاع وبحوزته 40 كرتونة مواد مخدرة من نوع ترامادول، وبداخلها 3985 حبة بقصد الإتجار، قيامه بهذا الفعل يشكل تهديدًا للأمن القومي الفلسطيني بأبعاده الأمنية والاقتصادية»، هذا ما قرأه قاضي المحكمة العسكرية عند الحكم بالإعدام على تجار مخدرات بغزة، حدث ذلك في مارس (آذار) الحالي، وسجل الحكم كسابقة هي الأولى من نوعها.

 

 

مكان احتجاز  المخدرات (المصدر: رويترز)

 

القضاء العسكري في غزة ـ أيضًا لأول مرة ـ هو من يصدر الأحكام بحق مُدانين بتجارة وترويج المواد المخدرة، فلقد أصبح القانون المعمول به الآن، هو الصادر عن قرار المجلس التشريعي رقم (1448/غ.ع 4/1) الصادر بتاريخ 10/8/2016 ، والذي يعتبر «جرائم المخدرات تمس بالأمن القومي الفلسطيني، ولا تقل خطورة عن جرائم التخابر، لذا فهي من اختصاص القضاء العسكري».

 

لطالما اتهمت الحكومة الفلسطينية في غزة بعدم تحقيق تطبيق القانون من قبلها لعملية ردع حقيقية لتجار المخدرات، واتهمت أيضًا بأن الأحكام المخففة التي اتبعتها وزارة الداخلية لم تشكل رادعًا، فعادة ما كان يشاع أن التجار يوفرن الكفالة المالية التي تفرج بها الحكومة عن المدان قبل أية عملية تهريب، أي يكون المال جاهزًا في حال ألقي القبض على تاجر المخدرات، بالعودة إلى القانون الذي كان ساري المفعول بشأن مكافحة المخدرات، فهو قانون المخدرات المصري رقم (19) لسنة 1962، الذي ألغاه قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الصادر في العام 2009م ، ثم في العام 2013م، صدر قانون جديد يخول بموجبه القضاة بإصدار أحكام مشددة، تصل عقوبتها للإعدام والمؤبدات، وهو ما أكد عليه القانون آنف الذكر الصادر في العام 2016.

 

وردًا على الموقف من عدم فعالية وسائل القضاء على آفة المخدرات، كثيرًا ما أشارت مصادر في حكومة غزة إلى أن عدم امتلاك الوسائل الحديثة لمكافحة المخدرات يحول دون القيام بالمهام على أكمل وجه، فهناك فقدان لأجهزة الفحص المخبرية السريعة: الشريط، والأجهزة الإشعاعية، التي تفحص الحقائب على المعابر, كما تفتقر أقسام الشرطة الفلسطينية إلى علم البصمات، وإلى المعامل الخاصة بعملهم في المكافحة.

 

الأنفاق.. منع كل شيء إلا المخدرات

 

كان مشهد ضبط إدارة أمن الحدود في قطاع غزة لـ 321 فرش حشيش، قبل أيام غير معتاد كوسيلة جديدة للتهريب، فقد هربت هذه الكميات عبر صناديق السمك المصري الذي كان ينتظر الفلسطينيين شراؤه لرخص ثمنه، وسائل عدة استخدمت من العصابات الفلسطينية والمصرية لتهريب المخدرات عبر الأنفاق الحدودية كاستخدام اسطوانات غاز الطهي أو آلات الغسيل.

 

وبالرغم من نجاح الحملة المصرية التي استهدفت إغلاق الأنفاق الحدودية بمنع عبور الكثير من المنتجات الغذائية والأدوات والأجهزة التي كانت تصل القطاع قبل العام 2014، ما يزال هناك عبور لكميات أكبر من ذي قبل للمخدرات عبر هذه الأنفاق، فنسبة ما يدخل عبر الأنفاق وحدها يشكل 90% من الكميات، ينفذ عبر الأنفاق الحشيش والبانجو والحبوب والعقارات المخدرة وأهمها «الترامادول».

 

إذن لا يزال هناك العديد من الأنفاق التي يصعب على الجيش المصري اكتشافها، هذه الأنفاق قديمة وصغيرة القطر، وتوجد فوهاتها داخل منازل المواطنين على الجانبيين، كما يمكن الإشارة إلى أن تردي الأوضاع الأمنية في سيناء؛ ساهم في زيادة حركة تجار المخدرات، الذين جعلو المنطقة الحدودية أكثر بؤر العالم ترويجًا للمخدرات.

 

ولكن ما هي حكاية «الأنفاق الراجعة» أحد أخطر موارد المخدرات بشتى أنواعها للقطاع، يوصف النفق الراجع بأنه عبارة عن «تفريعة صغيرة وسرية للأنفاق التجارية، قد يزيد طولها على الكيلو متر الواحد، لها فتحة مخفية في جسم النفق، والأخرى في منزل أو بستان أو محل تجاري، بعيدًا عن نقاط المراقبة والتفتيش، توضع فيها المخدرات خفية، ويتم سحبها لاحقًا»، هذا النفق الذي يشبه السرداب السري، يلجأ إليه المهربون؛ لإدخال كميات كبيرة من المواد المخدرة إلى قطاع غزة.

 

ولم تبعد عناصر فلسطينية أمنية هربت من قطاع غزة بعد أحداث الانقسام العام 2007، عن تهمة ضخ المخدرات لغزة عبر الأنفاق، فأولئك الذي استقروا في سيناء «بدأوا في الاستفادة من وجودهم في مصر وخاصة في العريش لمد غزة بهذه المخدرات» كما يقول الكاتب فايز أبو شمالة، أما الإسرائيليون، فلهم أيضًا دور في إدخال كميات من المخدرات عبر الأنفاق الحدودية، فحسب ما يقوله مدير جهاز مكافحة المخدرات في قطاع غزة العقيد سامح السلطان: إن «إدخال وتهريب المخدرات إلى قطاع غزة من شبه جزيرة سيناء، هي عمليات ممنهجة تديرها شخصيات متنفذة وإمكانات عالية تعمل لصالح أجهزة المخابرات الإسرائيلية»، مضيفًا: «أجهزة المخابرات الإسرائيلية تتعمد تهريب المخدرات إلى قطاع غزة من خلال شبه جزيرة سيناء، بديلًا عن حدودها المباشرة مع القطاع؛ حتى لا تشوه صورتها على الصعيد الدولي».

 

أرقام مخيفة

 

قدرت الكميات التي تم ضبطها في طريقها إلى مختلف أنحاء قطاع غزة خلال الربع الأول من العام 2017 بنحو 1250 فرش حشيش، و400 ألف حبة ترامادول ، الأدهى أن ما ضبطته شرطة مكافحة المخدرات في غزة من مواد مخدرة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي فقط، كان يساوي ما تم ضبطه خلال العام الماضي 2016 كاملًا.

 

وبالرغم من الافتقار لإحصاءات رسمية، هناك أرقام غير رسمية تتحدث عن وجود 100 ألف مدمن في غزة، بينما أكدت دراسة أعدت قبل ثلاثة سنوات على وجود 200 ألف مدمن، وبنسبة الخطأ فيها 10% فقط وفق معدها، وهي أرقام ضخمة عند العلم أن عدد سكان القطاع مليونا نسمة، هذه الأرقام صدمت المجتمع الفلسطيني الذي أخذ النشطاء فيه يحذرون على شبكات التواصل الاجتماعي من خطورة تفاقم الظاهرة، فالقطاع الذي عاني من الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة الناتجة عن الانقسام الداخلي والحصار الإسرائيلي زادت نكساته بآفة المخدرات.

 

وبالرغم من تنوع أنواع المخدرات التي تدخل القطاع، إلا أن عقار «الترامادول»، الذي تشبه تركيبته تركيبة المخدرات، هو الأكثر انتشارًا، حيث يرتبط إدمان العديد من الشباب الفلسطيني ببداية العمل في الأنفاق الحدودية، ويروج له الآن كمادة تعطي شعور بعدم الإحساس بالواقع الصعب، ويلي «الترامادول»، مخدر الحشيش، ثم البانجو من حيث نسبة إدمانها، كما يصل غزة: الأفيون والمرغانا، والكوك، وهناك الحبوب بمسميات متعددة كـ«السعادة، والروتانا، واللاركا».

 

إسرائيل وعملاؤها

 

في مارس (آذار) الحالي، تمكنت الإدارة العامة لشرطة مكافحة المخدرات في قطاع غزة من مصادرة 1789 كرتونة أترمادول، و297 فرش حشيش، كانت هذه الكمية الضخمة في حوزة شخص واحد، تسلم الكمية من شخص آخر في الجانب المصري، لم يحصل على أي ثمن مقابل هذه المخدرات.

 

يؤكد مدير الإدارة العامة لشرطة مكافحة المخدرات في قطاع غزة العقيد «سامح السلطان» أن «هناك جهات معادية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة تهدف لإيصال المخدرات دون الالتفات لثمنها، من أجل نشرها بين الشبان والفتية لإيقاع بهم في وحل الإدمان».

 

لقد تعددت الطرق التي تستخدمها إسرائيل في إيصال المخدرات إلى قطاع غزة، تلك البقعة الجغرافية التي تحكم حصارها بريًا وبحريًا منذ يونيو (حزيران) من العام 2007، الطريقة الأبرز هي ضح كميات كبيرة من المخدرات عبر العملاء جندتهم المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، حيث يتواصل هؤلاء مع تجار المخدرات في المناطق المحاذية لقطاع غزة كمنطقة «سيديروت» وبئر السبع، ويتم إدخال المخدرات، إما عبر البحر، أو عبر الحدود، أو عبر الأنفاق الحدودية مع مصر.

 

ويؤكد تقرير موقع «المجد الأمني» على «وجود خطة إسرائيلية مدروسة يتم من خلالها ضخ كميات كبيرة من المخدرات عبر العملاء الهاربين، بحيث تصل للقطاع عبر المعابر والحدود شبكة من العملاء الهاربين الذي يتقاضون رواتب من قبل المخابرات الإسرائيلية مهمتهم إغراق غزة بالمخدرات وإسقاط الشباب الفلسطيني»، ويشير الموقع إلى أن «عددًا كبيرًا من المخدرات التي وصلت قطاع غزة بكميات كبيرة خلال الفترة الماضية كان مصدرها العدو الصهيوني وجهات أخرى متعاونة معه»، حسب التقرير.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...