web analytics
غير مصنف

المنظومة التسعيرية» لأسواق دَين المملكة وصكوك «أرامكو»

 

 

دائما ما أتساءل لماذا الغالبية العظمى من إصدارات الدَين الخاصة بالقطاع

الخاص تميل نحو تسعير أوراقها المالية بالفائدة المتحركة. وعند مقارنة ذلك

بأسواق الدَين المُتقدمة، نجد أن الكفة تميل نحو الفائدة الثابتة.

 

صحيح أنه لا توجد إحصائيات عن إجمالي إصدارات الدَين بالمملكة (لأن بعض

الإصدارات الخاصة Private Placement) لا يظهر ذكرها للعامة)، لكن لن أبالغ

إذا قلت إن 95 % من إصدارات الدَين (الخاص بالشركات) لدينا قائم على أدوات

دين بفائدة متحركة ( Floating-rate debt) (مع السندات) وبعائد ذي ربح متحرك

(مع الصكوك). ألا تعتقدون أن هذا يعد بمثابة خلل تسعيري بمنظومة أسواق

الدين لدى إحدى دول مجموعة العشرين؟ وهذا الخلل مستمر لسنوات طويلة لدرجة

أن الاستثناء أصبح العرف لدينا. بل امتد هذا الاستثناء نحو القروض التي

أصبحت تُسعر بفائدة متحركة. هل يا ترى يمكن أن نتلافى ذلك الخلل التسعيري

بمنظومة أسواق الدين؟ (يقول جريق هارت عندما كان مسئولاً عن قطاع الفائدة

للشركات بشمال أمريكا لدى بنك أوف أمريكا: «على الشركات أن تكون نسبة

ديونها المسعرة بفائدة ثابتة ما بين 50 إلى 80 %»).

 

قد يتساءل البعض ويقول لماذا علينا أن نولي أهمية كبرى لهذه الجزئية الفنية

الخاصة بالتسعير؟ وقبل أن أجيب، فلابد للإشارة إلى أن فهم الحكومات للتسعير

الصحيح قد يوفر على «بيت المال» مئات الملايين أو المليارات هي بحاجة ماسة

إليها لتنمية اقتصاديتها. أقول ذلك من واقع تجربتي العملية بأسواق الدين

لدى مؤسسة دولية تنموية متعددة الأطراف. لقد رأيت بعيني، وبكل أسف، العديد

من الدول بعالمنا الإسلامي وهي تفقد ملايين الدولارات بسبب وضعهم ثقة عمياء

بالبنوك الأجنبية التي ترتب إصدارات سنداتهم وفاقم تلك المسألة عدم امتلاك

تلك الحكومات للكفاءات الوطنية المتميزة التي تفهم في التسعير وأسواق الدين.

 

بالعودة للتساؤل السابق أقول بأن الجانب التسعيري (سواء للقروض أو أدوات

الدين) من أكثر الجوانب التي يتم التقليل بشأنها مع العلم أن اقتصاديات

الخليج (سواء القطاع الخاص أو العام) تفقد مئات الملايين إن لم تكن مليارات

الدولارات بسبب عدم التوفيق بالتسعير عند التفاوض مع البنوك أو المستثمرين.

والجميع شاهد كيف خسرت بعض شركاتنا ملايين الريالات بسبب اختيارهم تسعير

قروضهم بفائدة متحركة قبل أن يفاجؤوا بصعود غير متوقع لأسعار السايبور

(للمزيد حول ذلك الرجاء الاطلاع على الزاوية المعنونة بـ «بنك بملكية

سعودية يعلم الجميع أصول تسعير سنداته الدولية». بعد هذه المقدمة ندخل في

تفسير ذلك الخلل التسعيري (بأسواق الدين) بطريقة مبسطة.

 

*الدين المُسعر بفائدة ثابتة أو متحركة*

 

إذا تم تسعير أدوات الدين بفائدة ثابتة فهذا يعني أن المستثمر يعرف حجم

الفوائد التي سيستلمها خلال فترة معينة. تميل الجهات المصدرة نحو الفائدة

الثابتة من أجل إغلاق (lock in) نسبة العائد الثابت خلال الأوقات التي تكون

فيها أسعار الفائدة منخفضة (وبذلك توفر الملايين في حالة ارتفاع أسعار

الفائدة بعد إغلاق إصدارها). ولكن أحد أهم العوامل التي تسهل عملية التسعير

هذه هي وجود مؤشر قياسي ( Benchmark) يسترشد به. وهذا المؤشر كان مفقوداًَ

بأسواق الدين السعودية (لسنوات طويلة) قبل أن يعاود الظهور مؤخرا (مع

إصدارات ساما في 2015). أما أدوات الدين المسعرة بفائدة متحركة فإنه يعاد

تسعيرها (كل 3 أو 6 أشهر) بحسب بمؤشر القياس المستخدم. فعالميا يتم استخدام

الليبور (وفي السعودية نستخدم السايبور). ولذلك يسهل على البنوك تسعير قروض

الأفراد والشركات وأدوات الدين باستخدام مؤشر القياس السايبور (بسبب توفر

بياناته اليومية). والسايبور هو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية.

 

*منحنى العائد مع الدين المُسعر بفائدة ثابتة*

 

يجب علينا، من أجل تطوير أسواق الدين بالمملكة، إيجاد منحنى عائد (Yield

Curve ) للسندات والصكوك السيادية. منحنى عائد يحوي آجال متفرقة (3

أشهر-سنة- 5 سنوات الخ). لذلك عندما أصدرت السعودية سنداتها الدولية، قام

مكتب إدارة الدين (بوزارة المالية) بالاسترشاد بعوائد سندات الخزانة

الأمريكية (الذي كانت تحوي على آجال 5 و10 و 30 سنة). هذا المؤشر «الحي»

الذي يستعان به مع الديون المقومة بالدولار غير متوفر بالسعودية بطريقة

يمكن أن نصفها بالمرنة. الأمر الذي يعوق الشركات (التي تنوي استخدام

الفائدة الثابتة) من استخدام مؤشر قياس لديونها المقومة بالريال. وبسبب ذلك

تدفع الشركات لتسعير أدوات الدين والقروض بالفائدة المتحركة ولتعرض أرباحها

المالية للتآكل في حالة حدوث تقلبات سريعة وغير متوقعة عبر ارتفاع معدلات

السايبور. ولذلك أنا على يقين أن القطاع الخاص كان سيوفر أرباحاً أكثر (كانت

ستذهب لخدمة الدين) في حالة تم التسعير بالفائدة الثابتة.

 

*الحلقة المفقودة: مؤشر القياس السعودي*

 

من أجل تبيين أهمية إيجاد مؤشر محلي قياسي تستعين به الجهات الشبه الحكومية

والشركات ( الجهات المصدرة) عند إصدار أدوات دين، لنأخذ هذا المثال البسيط

الذي يوضح الحلقة المفقودة في المنظومة التسعيرية لأسواق الدين بالمملكة.

لو افترضنا قيام ساما (البنك المركزي) بإصدار سندات ذات أجل 5 سنوات

(بفائدة ثابتة) وتم تسعيرها ( spread) بـ50 نقطة أساس فوق سندات الخزانة

الأمريكية ذات الأجل المماثل (أي 100 نقطة أساس). وهنا تكون نسبة الفائدة

السنوية لتلك السندات هي 1.50 %. لاحظ أن السندات مقومة بالريال والمؤشر

القياسي الذي استخدمته حكومة المملكة هو عوائد سندات الخزينة الأمريكية.

وذلك بسبب ربط الريال بالدولار. بعدها بيوم تقرر إحدى الشركات إصدار سندات

ذات أجل 5 سنوات (بفائدة ثابتة). فهنا سنقول (بعد أن نأخذ في عين الاعتبار

التصنيف الائتماني للشركة) أن تسعير سنداتها المقومة بالريال سيكون 90 نقطة

أساس فوق سندات حكومة المملكة ذات الأجل المماثل. وبذلك تكون نسبة الفائدة

السنوية لتلك السندات هي 2.40 %.

 

*دور «تداول»*

 

ومن أجل إيجاد مؤشر قياس لأدوات الدين المقومة بالريال، علينا في البداية

إدراج السندات السيادية للمملكة (بكافة آجالها) التي بدأت ساما في إصدارها

منذ يوليو 2015 (وذلك للمرة الأولى منذ 2007). وتم آخر إصدار للسندات

السيادية بالمملكة (التي كانت بفائدة ثابتة ومتحركة) قبل 5 أشهر (سبتمبر

2016). ويكمن التحدي الجوهري للسوق المالية في إيجاد حل لتشجيع تداول أدوات

الدين بالسوق الثانوية. فمن دون تداولات نشطة و»حية» فلن يكون هناك مؤشر

قياس يعتد به ولن تحصل أسواق الدين على منحنى العائد الذي يسترشد به مع

التسعير. نحن نريد إيجاد سوق دين متكاملة ومستدامة ومن دون إدراج أدوات

الدين السيادية وضمان تداول نشط عليها فلن نستطيع إيجاد مؤشر قياس مستدام

(وليس متقطعاً كما هو جاري الآن). لذلك على قيادات تداول وساما ومكتب إدارة

الدين التباحث حول كيفية تطوير أسواق الدين الثانوية التي دخلت مرحلة

«الوفاة الإكلينيكية» على حد وصف صحيفة «الاقتصادية» وذلك بعد أن غابت

الصفقات عن سوق الصكوك والسندات السعودية المتداولة محليا، منذ قرابة 11

شهرا متتالية.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...