web analytics
غير مصنف

الولايات المتحدة تقع في الفخاخ التي وضعتها بنفسها في الشرق الأوسط

وجدت الولايات المتحدة نفسها محاطة بسلسلة من العلاقات الثلاثية التي تصب في نهاية المطاف لصالح روسيا. ومنذ فترة طويلة، كانت واشنطن تستفيد من التناقض الواضح بين دعمها الهائل لإسرائيل من جهة، والعلاقة المميزة التي تربطها ببلدان العالم العربي من جهة أخرى. في الواقع، يميل القادة العرب على غرار السادات المصري إلى اتباع سياسة المواءمة بين الولايات المتحدة الأمريكية و "إسرائيل"، وقد تجلى ذلك في عصر السلام الأمريكي والهيمنة الخيّرة المخادعة.

 

وجدت الولايات المتحدة نفسها محاطة بسلسلة من العلاقات الثلاثية التي تصب في نهاية المطاف لصالح روسيا. ومنذ فترة طويلة، كانت واشنطن تستفيد من التناقض الواضح بين دعمها الهائل لإسرائيل من جهة، والعلاقة المميزة التي تربطها ببلدان العالم العربي من جهة أخرى. في الواقع، يميل القادة العرب على غرار السادات المصري إلى اتباع سياسة المواءمة بين الولايات المتحدة الأمريكية و "إسرائيل"، وقد تجلى ذلك في عصر السلام الأمريكي والهيمنة الخيّرة المخادعة.

في المقابل، ساهم غزو جورج بوش للعراق وعزوف أوباما عن التدخل في مستنقع الصراع السوري في تراجع هذه القوة الأولى المهيمنة في العالم، ووقوعها في سلسلة من العلاقات الثلاثية محصلتها صفر. فضلا عن ذلك، ساهم تهور دونالد ترامب السياسي، الذي لا يطاق، في تفاقم  هذا الوضع، الذي يخدم مباشرة مصالح روسيا في المنطقة.

 الولايات المتحدة الأمريكية- تركيا- سوريا

في الحقيقة، يبدو مستبعدا ذلك اليوم الذي سوف يعتز فيه البنتاغون بتركيا كركيزة جنوبية في حلف الناتو، إذ أن واشنطن لم تغفر أبدا رفض أنقرة المساهمة في غزو العراق سنة 2003. ونتيجة لذلك، رفض الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، دعوات نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، المستمرة لإقامة مناطق آمنة التي تعتبر بالنسبة لتركيا أولوية أمنية.

من ناحية أخرى، بدأ أوباما التعاون عسكريا مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، في عهد ترامب، في سياق الاستعداد لمعركة الرقة. وقد أرادت روسيا الاستفادة من هذا التوتر بين واشنطن وأنقرة من خلال ضمّ تركيا للاتفاق مع إيران بشأن وقف إطلاق النار في سوريا، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2016. علاوة على ذلك، تواصل موسكو التعاون في شمال سوريا مع القوات الكردية نفسها التي تساعد الولايات المتحدة في شرقي سوريا.

الولايات المتحدة- العراق- سوريا

اختارت الولايات المتحدة حكومة إقليم كردستان، التي اتخذت من أربيل مقرا لها، كشريك متقدم في التحالف الذي كوّنته منذ أغسطس/ آب 2014 لمكافحة تنظيم الدولة. فضلا عن ذلك، قامت الولايات المتحدة بتطوير عملية التعاون قديمة العهد مع الجيش العراقي من أجل توسيع وحدات مكافحة الإرهاب والميليشيات الشيعية، التي يطلق عليها اسم "قوات الحشد الشعبي"، وتربطها بالحرس الثوري الإيراني علاقات وثيقة.

في الواقع، أصبح موقف الولايات المتحدة محرجا أكثر عندما أعلنت حكومة إقليم كردستان عن رغبتها في إجراء استفتاء حول استقلال كردستان من العراق خلال شهر أيلول/ سبتمبر القادم. ويقترن التوتر المتصاعد بين بغداد وأربيل باستمرار صراع شركاء واشنطن الأكراد أي بين ميليشيات حكومة إقليم كردستان وحزب العمال الكردستاني.

وبسبب تحالف روسيا مع إيران لدعم نظام الأسد، تستطيع روسيا في الوقت المناسب الاستفادة من القوات التي تسيطر عليها إيران في العراق. وفي الوقت الراهن، تشارك روسيا في المناورات التي تحدث في كلا الجانبين من الحدود السورية العراقية لإرساء الاستمرارية العسكرية بين القوات الموالية للأسد والميليشيات الشيعية.

الولايات المتحدة الأمريكية – "إسرائيل" – سوريا

ساهمت واشنطن على نطاق واسع في دعم الرؤية الإسرائيلية التي تعتبر أن الأسد هو "أهون الشريّن" في سوريا، وذلك من خلال حرمان المعارضة السورية المسلحة من الحصول على العتاد الذي سيُمكنها من قلب موازين القوى. من جهة أخرى، استخدمت الولايات المتحدة الهاجس الإسرائيلي من البرنامج الكيميائي السوري كوسيلة ضغط للتوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن تفكيك برنامجها النووي خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2013، فضلا عن الردّ بسرعة لحملة القصف الجوي بغاز السارين التي شنتها روسيا خلال شهر أبريل /نيسان 2017.

في الوقت الراهن، تدرس واشنطن إمكانية التضحية بالجماعات المعارضة في سوريا المتمركزة في الجنوب الغربي. وتعود أسباب ذلك إلى أن "إسرائيل" ترغب في أن يستعيد نظام الأسد السيطرة على سفح الجولان من أجل تجنب انتشار قوات حزب الله والجماعات الجهادية في تلك المنطقة.

منذ بداية حملتها في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015، تعاونت روسيا مع إسرائيل، التي تُعتبر حتى اللحظة الراهنة من أكبر المتلقين للمساعدات الأمريكية في العالم. وبحكم مجريات الوضع الأمني في سوريا، سوف تلعب موسكو دور "الكفيل" أو "الضامن" خلال الترتيبات الأمنية المحتملة بين نظام الأسد و"إسرائيل".

الولايات المتحدة الأمريكية- مصر – ليبيا

منذ فترة طويلة، رفعت واشنطن جميع القيود المفروضة على التعاون العسكري مع مصر خاصة بعد الانقلاب، الذي قام به الجنرال السيسي خلال شهر تموز/ يوليو من سنة 2013. وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الرجل، الذي كان جنرالا في الجيش وأصبح رئيسا، لاقى ترحيبا حارا من قبل ترامب والبيت الأبيض خلال الزيارة التي أدّاها خلال شهر نيسان/ أبريل 2017.

 في الوقت الحالي، يبدو أن نظام السيسي لا يزال غير قادر على وقف التهديد الإرهابي الذي يمتد خارج سيناء، ويصل إلى دلتا النيل. ومن جهة أخرى، تدعم مصر المشير خليفة حفتر في ليبيا، الذي يتحدى من طبرق "حكومة الوحدة الوطنية"، المعترف بها من قبل واشنطن في طرابلس. حتى إن حفتر لم يتوانى عن ضرب ميليشيات مصراتة وحلفائها، الذين يعتبرون حلفاء الولايات المتحدة المميزين في الحرب ضد تنظيم الدولة في ليبيا.

في الأثناء، استفادت روسيا من كل أزمة جدت بين واشنطن والقاهرة لتضع موطئ قدم جديد في مصر، وخاصة في قطاع الدفاع. أما فيما يخص الأزمة الليبية، أعربت موسكو عن أنها اختارت بوضوح دعم المشير خليفة حفتر في الأزمة الليبية، وذلك نظرا للفشل الذريع الذي سجلته الولايات المتحدة والأمم المتحدة في عملية حل الأزمة في هذه البلاد، على غرار سوريا.

الولايات المتحدة – المملكة العربية السعودية- قطر

كان ترامب غير قادر على إعادة إحياء العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي شهدت تراجعا في عهد أوباما. في المقابل، أنشأ أوباما العديد من الشراكات متعددة الأوجه مع قطر. في واقع الأمر، شجّع البيت الأبيض الحملة التي تقودها الرياض وأبوظبي ضد الدوحة، والتي جاءت بعد الزيارة التي أداها ترامب إلى السعودية. في حين أن قطر قدّمت للولايات المتحدة الأمريكية "قاعدة العديد الجوية" التي تلعب دورا إستراتيجيا في الحرب ضد تنظيم الدولة، والتي يتمركز فيها الآلاف من القوات الأمريكية.

وفي خضم تدهور العلاقات الدبلوماسية بين بلدان الخليج وقطر، تركت واشنطن الكويت تلعب دور الوسيط لحل الخلاف بين هذه الدول بدلا من الأخذ بزمام المبادرة للتهدئة من الأزمة التي تعصف بممالك النفط. ولا يمكن أن تحلم روسيا ببيئة أفضل تمكنها من دفع مصالحها في الخليج، إذ أن دعم تركيا لقطر خلال هذه الأزمة يمكن أن تستخدمه موسكو كورقة رابحة في اللعبة التي تخوضها في المنطقة. فضلا عن ذلك، تساور إيران شكوك إزاء وجود صلة بين هذه الأزمة غير المسبوقة والتفجيرات الأخيرة لتنظيم الدولة في طهران.

 ومن هذا المنطلق، في جميع هذه العلاقات الثلاثية الخمسة لا يمكن لواشنطن إرضاء طرف دون التخلي عن آخر، فأي موقف إيجابي أو سلبي تتخذه سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الحالية. وعلى الرغم من ميول ترامب لفك الارتباط بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، إلا أنه انخرط  بنشاط في مسارح المعارك المميزة لمنطقة الشرق الأوسط. والجدير بالذكر أن كل هذه العلاقات الثلاثية محصلتها صفر وتتجاوز مصالح الولايات المتحدة، علاوة على أنها تقوض توازن المنطقة التي تعاني من اضطرابات عميقة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...