web analytics

انتصار جديد للكويتيات

كان للمرأة الكويتية دور فاعل في مجتمع ما قبل النفط، وحظيت بنصيب أوفر من التعليم عن غيرها من نساء الخليج. كما حظيت المرأة الكويتية بنصيب وافر من العمل العام، وشغلت العديد من المناصب القيادية، كوكيلة وزارة ومديرة جامعة وسفيرة وغيرها من المناصب التي تتطلب اتخاذ القرار. ومع ذلك ظلت الكويتية محرومة من المشاركة السياسية. فالكويت هي أول دول خليجية يوجد بها برلمان منتخب، ولكن المرأة محرومة من حق التصويت والترشح، وكانت مشاركتها تقتصر على متابعة الجلسات البرلمانية فقط، على الرغم من أن الحكومة أبدت رغبتها في منحها حقوقها السياسية. ولكن الظروف المجتمعية في الكويت وقفت حائلاً دون إعطاء المرأة ذلك الحق.

 

 

القبائل والإسلاميين

 

عارض تحالف من أعضاء البرلمان، مكوَّن من ممثلي القبائل والإسلاميين، مشروع قانون يجيز منح المرأة الكويتية هذا الحق. ولم ترض الكويتية بهذا التهميش. فقد ناضلت لإعطاء المرأة حقوقها السياسية مجموعة كبيرة من النساء الناشطات، وخصوصاً العاملات في جمعيات النفع العام، من أجل إقرار الحق الدستوري. فهذه القضية واحدة من القضايا الشائكة التي عانى منها مجتمع الكويت.

 

بدأت محاولات في مجلس الأمة عام 1971، عندما تقدم النائب خالد المرزوق يوم 11 ديسمبر (كانون الأول) 1971 بمشروع قانون يمنح المرأة الكويتية المتعلمة حق الانتخاب، إلا أن مشروعه لم يحظ بتأييد سوى (12) عضواً فقط. وفي 15 فبراير (شباط) 1975 تقدم كل من العضو جاسم القطامي وراشد الفرحان بمشروع قانون يعطي النساء جميعاً حقوقهن كاملة، استناداً إلى المادة (29) من الدستور، والتي تنص على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وفي الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين. ولكن هذا المشروع أيضاً لم يحظ بتأييد كافٍ. وعاود الأعضاء الكرة في السنوات اللاحقة دون أي تقدم يذكر. وقد أكدت مسيرة المطالبة بالحقوق السياسية للمرأة أن إقرارها من قبل مجلس الأمة يحتاج إلى سنوات، وتالياً لم يكن هناك من أمل سوى صدور مرسوم أميري.

 

فالتيار الرافض لتمكين المرأة سياسياً، هو تيار عريض ومتنفذ شعبياً وبرلمانياً، يساعده جو اجتماعي عام له من العادات والتقاليد الراسخة ما يعزز رفض مشاركة المرأة في العمل السياسي. وقد اصطدم قرار مجلس الوزراء إحالة مشروع قانون يمنح المرأة حق التمثيل في المجلس البلدي ترشحاً وانتخاباً وتعييناً إلى اللجنة القانونية بالمجلس بعقبات، ولا يبدو أنه سيخرج للنور لأن التيار الإسلامي والقبلي قوي، كما أن التيار النسوي ضعيف.

 

في الوقت ذاته اعتبر البعض أن القرار مرتبط بالتغيرات الإقليمية والعالمية، بينما رأى فيه آخرون أنه حقنة مسكنة وترضية للمرأة حتى تسكت عن الباقي. مستذكرين كيف رفض مجلس الأمة (البرلمان الكويتي) في ديسمبر (كانون الأول) 1999 مرتين أمراً أميرياً أصدره صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح في 4 مايو (أيار) 1999 بمنح المرأة حقوقها السياسية ترشحاً وانتخاباً في البرلمان. ويبدو أن الرافضين لإقرار حقوق المرأة، تيار شعبي قوي يمثله الإسلاميون والقبائليون. بينما انضم للقرار مجموعة من الناشطات في الجمعيات النسوية والتيار الليبرالي، وبعض الإسلاميين الذين لا يمثلون ثقلاً مرجحاً. ففي مايو (أيار) 1999 صرح نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عبدالعزيز دخيل الدخيل، بأن سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء سعد العبدالله الصباح، أبلغ المجلس في مستهل اجتماعه برغبة أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد، بمنح المرأة الكويتية كامل حقوقها في الانتخاب والترشح للمجالس النيابية، وذلك تقديراً من سموه لدور المرأة الحيوي في بناء المجتمع والارتقاء بقدراته، وما قدمته من تضحيات جسام تجاه التحديات كافة التي واجهتها دولة الكويت. وكلف مجلس الوزراء لجنة الشؤون القانونية إعداد الأداة القانونية اللازمة لتنفيذ الرغبة الأميرية بما يسمح للمرأة بممارسة حقوقها كاملة بعد استكمال إجراءات التسجيل في قيد الناخبين، التي تتم في شهر فبراير (شباط) 2000 وفق الشروط التي يحددها قانون الانتخاب بعد إدخال التعديلات عليه.

 

 

الدعم الرسمي

 

أعرب الشيخ صباح الأحمد عن اعتقاده بأن أعضاء مجلس الأمة لن ينكر واحدهم على المرأة ممارسة حقها السياسي عندما يعرض عليهم المرسوم بشأن حقوق المرأة في الترشح والانتخاب، عملاً بنص المادة (71) من الدستور، وأن قبول المرسوم أو رفضه يكون بأغلبية الثلثين. وقد استعرض مجلس الوزراء في جلسته في مايو (أيار) المرسوم بتعديل المادة الأولى من قانون الانتخاب، وتم حذف شرط الذكورية في شروط الانتخاب، الأمر الذي يسهل عبور المرأة إلى التمكين السياسي. وقد أشاع منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية جواً من الفرح والأمل بين صفوف النساء في الخليج، وخصوصاً أنها المرة الأولى في دول مجلس التعاون التي يصدر فيها قانون يسمح للمرأة بالترشح والانتخاب في المجالس النيابية.

 

لكن المرسوم الأميري لم يجد طريقه إلى حيز التنفيذ، وتمت عرقلته من قبل الإسلاميين في مجلس الأمة. فقد فشلت الحكومة في الحصول على موافقة مجلس الأمة، وتم رفض المرسوم بأغلبية صوتين فقط. لقد أثار رفض المرسوم الأميري جدلاً كبيراً بين الكويتيات. فقد اختارت بعض القيادات النسائية نقل معركتهن إلى الشارع، وإلى أعلى محكمة في الكويت، والتي يقابل مبناها مبنى البرلمان، فقامت خمس نساء كويتيات في 4 مايو (أيار) 2000 برفع قضية على الحكومة طالبن فيها بالسماح لهن بالتصويت والتقدم لشغل المناصب السياسية. أما الحكومة فقالت: إن قضية التصويت تتجاوز سلطة المحاكم، وإن القضية هي جزء من السلطات السياسية العليا للدولة التي لا يمكن أن تمسها المحاكم. كما انضم الرأي العام العربي إلى جانب حق المرأة الكويتية في التمكين السياسي، ومنهم بعض رجال الدين.

 

كان إصرار الحكومة على توسيع المشاركة الشعبية، وإشراك المرأة في صنع القرار السياسي مستمراً. ففي 18 مايو (أيار) 2004 قرر مجلس الوزراء الكويتي الموافقة على مشروع يسمح للمرأة بالانتخاب والترشح لمجلس الأمة (البرلمان). وقد تم رفع هذا المشروع لأمير الكويت تمهيداً لإحالته إلى مجلس الأمة. ورفض الشيخ صباح الأحمد، رئيس الوزراء، ربط الحقوق السياسية للمرأة بقضية الدوائر الانتخابية، وقال: إن موضوع حقوق المرأة ليس له علاقة بالدوائر. وأكدت مصادر حكومية أن الحكومة تخشى أن تصبح الكويت آخر دولة في المحيط الإقليمي تتولى فيها المرأة منصباً سياسياً، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الخليج والعالم من حولها. وحسب قول المراقبين، فإن الحكومة تعمدت الموافقة على القانون في تلك الظروف التي تشهد مناوشات بينها وبين الرافضين للقانون (الإسلاميين) وتالياً فإنها قادرة على ممارسة تكتيك معين لإيصال القانون إلى بر الموافقة البرلمانية. وفي أغسطس (آب) 2004 توعد عدد من النواب والجماعات الإسلامية بالعمل على إسقاط مشروع القانون الذي أقرته الحكومة لمنح المرأة حقوقها التشريعية. فقد كشفت المحاولات المتعددة لمنح المرأة الكويتية حق التصويت عن عديد من المفارقات والتناقضات في المجتمع والسياسة الكويتيين. فمن جهة تؤكد تلك المحاولات أن الحكومة بدءاً من الأمير، ومجلس الوزراء أكثر تقدماً من المعارضة السياسية داخل البرلمان، وعن بعض أطياف المجتمع الكويتي نفسه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...