web analytics
غير مصنف

“تربي” يكشف أسرار زوار الليل في مقابر الإمام الشافعي

يرتجف جسدك أثناء مرورك من أمام المقابر، فماذا لو كنت تعيش بداخلها مع أموات.
المكان يتسع للرقود في باطنه وعلي ظهره، لتستيقظ على منظر الشواهد الصماء، وتنام خائفاً من اللصوص الذين يطرقون الأبواب ليلاً، فلا تسمع سوي صمت الموتي وصراخ أقاربهم، ولا تستنشق غير رائحة العظام بعد تحللها.
ورغم لهو الأطفال وسط هذا المشهد المهيب تعلو وجوههم ابتسامة تخفي وراءها هموما عميقة أكبر من أعمارهم، وحكمت عليهم الظروف بالموت قبل أن يحيوا، فلم تسعهم الأحياء الراقية والشعبية أو حتي العشوائيات، فزحفوا نحو الأموات لينعموا براحة البال. أثقلت رؤوسنا بالتساؤلات، كي نكشف ونلقي الضوء على حياة أناس يعيشون وسط هذه المقابر بل يسعون لكسب قوت يومهم من المهنة التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم وهي مهنة “التُربي”.

يخيم الهدوء على المكان ورائحة الموت تحيط بنا من كل اتجاه فمنذ أن وطأت أقدامنا مقابر الإمام الشافعي التي تحتضن داخل أرضها آلاف من الأموات، انتابنا شعور غريب بالحزن لما تبعثه من عظة، حيث اللافتات المكتوبة والتي تشير إلى أن هذا مصير كل إنسان، وكان أبرزها حكمة وضعت فوق أحد المقابر، لفتت انتباهنا، إذ تقول كلماتها ” يازائري قبري لا تتعجب من أمري بالأمس كنت مثلك وغدا تصير مثلي.

كان لبوابة أخبار اليوم هذا اللقاء الشيق والمثير مع الحاج سيد “التُربي” كما ينادونه وهو رجل في اوائل العقد الخامس من العمر يتمتع بوجه بشوش وقناعة غير مسبوقة، حيث توارث هذه المهنة عن آبائه وأجداده ليروي لنا أسرار وحياة المقابر التي اعتادها وأسرته المكونة من 6 أبناء بمراحل التعليم المختلفة، ويكشف حقيقة ما يثار ويتردد من اتهامات بالاتجار بجثث الموتى، ووجود عفاريت وسماع أصوات غير طبيعية. بدأ حديثه قائلا: اسمي سيد مصطفى الدمرداش وعمري 50 عاماً، توارثت مهنة “التربي” من آبائي وأجدادي، وعندما كان عمري 15 عاماً كنت أعمل مع أبي رحمه الله بدفن الموتى، حيث ارتجفت أناملي وتملكني الخوف والرعب كلما تقع عيناي على رفات الموتى وبعد جلسة مع والدي نجح من خلالها ببث الطمأنينة بداخلي وأقنعني بأن هذا مصير كل إنسان مما طال به العمر، وتعلمت كيفية دفن الموتى ومشاهدة رفاتهم يوميا، وأقوم بجمع هذه الرفات عند دفن متوفي جديد فالمشهد يصعب تحمله ويبعث للعظة. أما عن وجود عفاريت فلا عفريت غير الإنسان وأن ما يقال أن هناك أصوات أو حركات غريبة فهذا كلام غير صحيح بالمرة، فإنني وأسرتي وأمي العجوز نعيش داخل هذه المقابر منذ أكثر من 50 عاماً ولم نرى أو نسمع عن مثل هذه الحكايات المفبركة التي يعلنها بعض أصحاب المهنة. وعن عدد ما قام بدفنهم قال: لقد قمت بدفن آلاف من الموتى، ولا يصح أن أفشي عن أسرار وعلامات سواء كانت طيبة أو سيئة، فمهنة “التُربي” يشترط أن من يقوم بها أن يتحلى بالأمانة والصدق، وإنني مستاء لما يتردد من أن هناك سرقة لجثث أو بعض الأعضاء، فهذا مستحيل وإن كان البعض يفعل ذلك، ليس معناه أن الجميع يقوم بالاتجار في جثث الموتى، هناك رب وهذه أمانته وتوجب علينا أن نعيدها ونحافظ عليها دون المساس بها أو حتى إيذائها. وبسؤاله عن ما يتقاضاه وحصوله على أموال تجعله من الأثرياء، تنفس الحاج سيد الصعداء قائلا: ياباشا احنا ناس غلابة ولو كان هذا صحيحاً فما الذي يجبرني وأسرتي على العيش داخل هذه الغرفة بالمقابر، حيث تأتي جنازات كثيرة أقوم والعمال بدفنها داخل مقابر تسمى هنا بمقابر الصدقة، وأهل المتوفى أناس لا تبدو عليهم علامات الثراء ولايقومون بدفع أية مبالغ، إلا في حالات بسيطة يترك البعض إكرامية لا تتجاوز الـ 150 جنيها. ونحن نعيش على أموال مواسم زيارة أهالي المتوفي في الأعياد والتي لا تتعدي الـ 400 جنيها وأحيانا نتحصل عليها سنوياً بعد الاتفاق مع أصحاب المقابر، وأقوم بتوزيع المبلغ على العمال المساعدين معي. وعن أغرب الحالات أو المواقف التي صادفها بحياته قال: أثناء مروري ببعض المقابر عثرت على أحجبة وأعمال موجودة فوق أسطح المقابر أو مخفية بجوار الأبواب الحديدية، وأقوم بفتحها وأجدها ملفوفة داخل قطعة من القماش الصغيرة وبداخلها قطعة من دهن الخراف ومكتوب عليها طلاسم وكلمات باللون الأحمر غير أنها مغروس بها عدد من إبر الحياكة أو الدبابيس، فأقوم بفكها ووضعها داخل ماء ساخن لفك هذا العمل وإيقاف إيذاء من كان مقصود بها، وأن من يفعل ذلك بناء على تعليمات من قام بعمل السحر له وتركها بأماكن مهجورة، يث يصعب العثور عليها، لكن الله سبحانه وتعالى ورأفة بمن يلحق به الأذى جعلني سبباً لإنقاذه وإفساد هذا العمل. واستطرد حديثه قائلا: بعد سؤاله هل ينوي توريث هذه المهنة لأبنائه، الذين بينهم توأم، علت وجهه ابتسامة رقيقة معرباً بها عن رفضه لتوريثهم هذه المهنة، متمنياً لهم حياة كريمة والاشتغال بمهنة تليق بهم ويكفي أنهم يعيشون بين الأموات منذ نعومة أظافرهم. وأضاف عم سيد أن مقابر الإمام الشافعي مليئة بجثث المشاهير والفنانين، وأن الفنانة فيفي عبده تمتلك قبر خاص بعائلتها، وقامت بشراء قبرين آخرين وهبتهما كنوع من الصدقة الجارية لدفن الفقراء وممن لا يمتلكون قبور. وفي نهاية اللقاء يناشد الحاج سيد المسئولين بتركيب أعمدة إنارة داخل بمنطقة المقابر بسيدي عقبة الجديدة، حيث أنها تفتقر للإنارة وأحيانا ما يكون هناك أعمال دفن وسط الظلمة الحالكة معتمدين على كشافات، وإنارة بدائية جدا. حيث أن تركيب هذه الأعمدة سيساعد في إتمام عمليات الدفن الليلية، وسيمنع ويكشف نابشي القبور ولصوص الأبواب الحديدية، والذين يستغلون الظلمة وانتهاك حرمة الموتى. كما توجه أيضا بالشكر والعرفان لرجال مباحث قسم شرطة الخليفة لما يقوموا به من إرسال دوريات ليلية للقبض على لصوص الأبواب الحديدية والتي انتشرت في الآونة الأخيرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...