web analytics
غير مصنف

على عكس كل ما يقال.. هل تبحث روسيا الآن عن بديل للأسد؟

الدعم الروسي لنظام الأسد الذي استمر على امتداد ست سنوات من عمر الانتفاضة السورية، يطرح عدَّة أسئلة لم يوجد لها جوابٌ واضح حتى الآن. ما الذي تريده روسيا من سوريا والشرق الأوسط؟ ولماذا تصر على دعم نظام يخوض حربًا لا يبدو أنها ستنتهي ضد شعبه؟ وهل هذه التدخلات تدعم الأسد فعلًا؟ أم أنها لمصالح روسيّة بحتة؟

 

الدعم الروسي لنظام الأسد الذي استمر على امتداد ست سنوات من عمر الانتفاضة السورية، يطرح عدَّة أسئلة لم يوجد لها جوابٌ واضح حتى الآن. ما الذي تريده روسيا من سوريا والشرق الأوسط؟ ولماذا تصر على دعم نظام يخوض حربًا لا يبدو أنها ستنتهي ضد شعبه؟ وهل هذه التدخلات تدعم الأسد فعلًا؟ أم أنها لمصالح روسيّة بحتة؟

جذور تدخل موسكو في الملف السوري

بدأت روسيا بالتدخل في الشأن السوري منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 عبر استخدامها حق النقض (الفيتو)، على مشروع دولي بشأن فرض عقوبات على نظام الأسد، إذا ما استمر في استخدام العنف ضد المدنيين من الشعب السوري.

وحق النقض الفيتو، هو حق تمتلكه خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهم (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة)، يتيح لها رفض أي قرار يقدمه مجلس الأمن حتى دون إبداء الأسباب، ويكفي اعتراض أي من هذه الدول الخمس من أصل 15 دولة في المجلس ليُجهض القرار نهائيًا حتى وإن كان مقبولًا لدى الدول الـ14 الأخرى.

وتلى هذا الفيتو – الذي كان الأول من نوعه من قِبَلِ روسيا في الشأن السوري – استخدام هذا الحق ثماني مرات متتالية، وأغلب هذه المرات كانت بدعم الفيتو الصيني أيضًا.

لم يكن الفيتو هو الشيء الوحيد الذي فعلته روسيا لدعم نظام الأسد، بل كان لها دور حاسم في العديد من القرارات الدولية ضد نظام الأسد، حيث كانت اليد المرفوعة لتحمي الأسد في كل مرة حتى عندما اتُهم باستخدام الأسلحة  الكيميائية.

استمرت موسكو بدعم الأسد سياسيًا ولوجستيًا قبل تدخلها عسكريًا بشكل واضح في الأراضي السورية فضلًا عن توريدها شحنات كبيرة جدًا من الأسلحة الروسية ونٌظم الدفاع الجوي للنظام السوري حتى 2015، حيث إنها بتاريخ 300 سبتمبر (أيلول) 2015  فاجأت المجتمع الدولي بإرسال طائراتها الحربية لقصف مواقع تابعة للمعارضة في سوريا بذريعة أنها تحارب ما تسميه بالإرهاب، وقد جرى ذلك بمعزل عن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي كان يخوض في المنطقة  منذ ما يزيد عن العام حربًا لوقف تمدد «تنظيم الدولة الإسلامية – داعش»، ضاربًا بعرض الحائط كل الجهود المبذولة لوقف الاقتتال الداخلي في سوريا.

كيف تميز التدخل الروسي عن أقرانه؟

أتى تدخل الروس العسكري مختلفًا عن باقي التدخلات، فقد جاء بعد التدهور والانهيار غير المسبوق في صفوف جيش نظام الأسد والمليشيات المساندة له وخسارته لما يزيد من 700% من التراب السوري، وبعد أكثر من عام على فشل الاتحاد  الدولي والولايات المتحدة في القضاء على داعش.

لماذا أتى التدخل الروسي في هذا الوقت بالذات؟

بعد تدهور وضع الجيش السوري وانهياره بشكل ملحوظ، وصل (قاسم سليماني) – قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني – إلى روسيا للنظر في التطورات الخطيرة التي طرأت على الساحة السورية، وبعد عدّة جولات مكّوكية –  أغلبها سريّة – نجح سليماني في إقناع الروس بخطته، بالقدرة على التّصدي للمحاولات الهادفة للإطاحة بالأسد.

وهذا ما أكدته صحيفة كيان الإيرانية، حيث قالت: إن سليماني هو مهندس التدخل الروسي في سوريا، وإنه مهندس اتفاق  التعاون بين روسيا وسوريا والعراق وايران.

التدخل الروسي جاء تدريجيًا من مواقف جزئية لاختبار المجتمع الدولي ومن ثم الاعتراف جزئيًا ثم كليًّا بالخريطة السياسية التي ترسم ملامحها موسكو.

في البداية كان الاعتراف بالتحضير لوجود عسكري دائم على الأراضي السورية، ومن ثم القول بأنه تنفيذ عقود عسكرية  سابقة  كان قد وقّعها نظام الأسد مع موسكو.

نظام الأسد بات صوريًّا وموسكو تتسلم زمام الأمور

مع تدخل الكثير من الدول في صلب الشأن السوري ومن أبرز هذه الدول هي روسيا، أصبح واقع استقلالية البلاد مجرد اسم على الخريطة، وحسبما قالت مجلّة فورين بوليسي :«أن سوريا مع سيطرة الروس والإيرانيين على دمشق ودعم  واشنطن للمعارضة المسلحة، لم تعد موجودة وأن تفكيكها أصبح واقعًا ملموسًا مع غياب من يستطيع توحيدها».

وأوضحت المجلة في تقرير لها من دمشق: إنه وبعد ستّ سنوات من الحرب أصبح بقاء النظام مؤكدًا، ولكنه أصبح نظامًا صوريًا لا يملك أي استراتيجية لإعادة توحيد البلاد التي مزقتها الحرب.

ويوضح هذا التقرير مع ما يترافق من تصريحات روسيّة أن النظام لم يعد يمتلك القدرة على القرار أو التحكم بمصيره، وأن روسيا هي من تمتلك القرار على جميع الأصعدة، سواء كان على صعيد المجتمع الدولي أو كان داخل الساحة السورية.

لم يقتصر ضعف موقف النظام السوري على الأمور السياسية والعسكرية، بل كان هناك ضعف عام حتى في مجابهة مخالفات للروس أو من الأشخاص التابعين لهم والموجودين في سوريا، حيث نشرت مجلة فورين بوليسي مقالًا للصحافي  الإسرائيلي، الذي يحمل الجنسية البريطانية ( جوناثان سباير) من مركز هرتسيليا الإسرائيلي، يتحدث فيه عن سوريا، ويقول إنها خاضعة لسيطرة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، فيما تقوم الولايات المتحدة بتسليح حلفائها، حيث لم يعد هناك أحد يسيطر على الوضع.

 

 

صورة توضح وجود القوات الروسية ضمن الأراضي السورية

وأضاف سباير أن: «في آخر ليلة قضيتها في دمشق، قرر مسؤولون شبان من وزارة الإعلام، التي دعمت وفدًا أشارك فيه، الخروج وتناول الشراب، وكان ذلك في نهاية شهر أبريل (نيسان)، وكانت الحانات والمطاعم مزدحمة في المساء، وكان النسيم عليلًا، ودخل صحافي روسي ثمل يرافقه جندي يرتدي الزي العسكري الروسي حانة أمام الفندق في المدينة القديمة، حيث كان زملائي يجلسون، وجرى تبادل بعض الكلمات، وبعدها نشبت مشادة كلامية».

ويضيف الكاتب في مقاله: أن «الصحافي الروسي أخرج في لحظة ما من النقاش مسدسًا، وصوبه على رأس أحد أعضاء الوفد، ومن ثم دخل الفندق، وهدد موظفًا فيه، وحدث هذا كله والجندي المرافق له يراقبه صامتًا»، ويعلق سباير على ذلك قائلًا: «إن الطريقة التي انتهت بها المشادة تشير إلى ما يسيطر على البلاد في مناطق النظام، فعندما اتصل أعضاء الوفد بالأجهزة الأمنية للإبلاغ عن الحادث، فإنهم سألوا عن هوية المهاجمين، فقيل إنهم روس، فكان الرد أنهم لا يستطيعون عمل شيء».

الموقف الروسي يخدم مصالح موسكو فقط وليس الأسد كما يبدو

ليس خفيًّا لأيّ متابعٍ للشأن السوري أن مواقف روسيا تدعم نظام الأسد بشكل كامل وتخدم مصالحه في البقاء على رأس السلطة، ولكن التصرفات الروسية المترافقة مع بعض التصريحات من مسؤوليها في الآونة الأخيرة جاءت لتثبت عكس ذلك.

وحسبما نشر موقع روسيا اليوم في تقرير له تطرق فيه إلى ما تناولته صحيفة دي برس النمساوية عن مسألة ما بعد التفوق العسكري الروسي الإيراني ومستقبل العملية السياسية بعد الاتفاق بين موسكو وأنقرة، يشير (مارتن كيلين) كاتب  صحيفة دي برس: إلى أن روسيا لا يمكنها البقاء في حرب أهلية سورية لمدة طويلة، خاصّة بعدما تسبب التدخل العسكري الروسي فيه من شروخات في العلاقات مع بعض الدول الإقليمية، والذي أدى إلى أن إعادة بناء الدولة السورية بات غاية في الصعوبة، كما جاء على لسان كاتب المقال.

وأضاف إنه بات من الطبيعي أن يبدأ البحث عن تبديل تدريجي لحكم بشار الأسد من خلال اتفاق يضمن المصالح الروسية من جهة، ويسعى إلى تخفيف حدّة التوتّر مع الدول المتحفظة على الدور الروسي في سوريا من جهة أخرى،

وعلى الصعيد نفسه فقد قال (لافروف) – وزير الخارجية الروسي – في مؤتمر صحافي له مع نظيره الأمريكي (جون كيري)  والمبعوث الأممي إلى سوريا (دي ميستورا): «ناقشنا وقف إطلاق النار في سوريا بشكل عام، لكننا لم نتوصل لاتفاق بهذا الشأن، ولم نتفق على مصير الأسد وروسيا ترى أن ذلك الأمر يحدده السوريّون وحدهم».

هذه التصريحات جاءت بعد اتهامات عدة وجهتها إيران عبر القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني (محمد علي  جعفري) قال فيها: «إن الرفيق الشمالي الذي جاء أخيرًا إلى سوريا للدعم العسكري بحث مصالحه فقط، وقد لا يهمه بقاء الأسد كما نفعل نحن، ولكن على أية حال إنه موجود هنا الآن وربما مجبر على البقاء حرجًا أو لأسباب أخرى».

ومن الواضح أن اختلاف الرؤى بين روسيا وإيران قد يجبر روسيا على التفكير من خارج الصندوق والالتفاف على الحليف الإيراني للحفاظ على ما أنجزته من مكاسب حتى الآن، حيث إن إيران باتت عبئًا ثقيلًا على روسيا في علاقاتها مع الخارج، وأن طهران بموقفها هذا لا تتوقف عند دعم الأسد، بل ربما تحمل عملية دينية توسعية منهجية بالأساس، وهذا الأمر يقحم موسكو في قضايا لن تزيدها إلا تدهورًا سياسيًا.

وكما وضح في الساحة السورية، فإن روسيا حققت أغلب ما تصبو إليه، وكان من أهم أهدافها ضمان أمن قاعدتها الجوية في حميميم – في محافظة اللاذقيّة – وبقاء حلفائها، وإثبات كفاءة أسلحتها، ليصبّ هذا فيما يشبه الحرب الباردة المستمرة منذ زمن بينها وبين الولايات المتحدة.

التصريحات الروسية تؤكد عدم شرعية النظام السوري وأنه كان سيسقط لولا تدخلهم

تغيرت لهجة روسيا على لسان مسؤوليها لتصبح تصريحات إدانة وتهديدات للنظام السّوري تجعل بعضها منه مثارًا للسخرية أمام معارضيه.

حيث أثارت تصريحات روسية على لسان وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) موجات سخرية من المعارضة السورية  وفي المقابل شريحة كبرى منهم اعتبرتها إنصافًا للثورة على لسان عدوّها، حيث قال لافروف في جملة تصريحاته إن العاصمة دمشق كانت ستسقط أثناء أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين لولا هذا التدخل الروسي.

ولكن هذا التصريح في المقابل أثار موجة غاضبة من أنصار الميليشيات الشيعية وإيران  وحزب الله، حيث كانت بالنسبة لهم بمثابة انتقاص لجهودهم وعدم اعترافهم بأن دمشق لم تسقط بفضل حمايتهم لها، بل وزادوا على ذلك عبر لسان إعلامييهم بتصريحات لا تخلو من الغرابة حيث قال الإعلامي (حسين مرتضى) – مدير مكتب قناة العالم الإيرانية في سوريا – في تغريدة له على تويتر يرد فيها على تصريحات لافروف: «أنه لولا الجيش السوري وحزب الله ومحور المقاومة وصمود  سوريا لكانت أوكرانيا احتلّت موسكو بأيام».

وفي تصريح آخر (لقسطنطين كوراتشيف) – رئيس مجلس العلاقات الدولية في روسيا – والذي جاء ردًا على تصريحات (نيكي هايلي) المبعوثة الأمريكية للأمم المتحدة، في مقابلة أصدرتها CNNN قال: «لا حل سياسيًّا في سوريا ببقاء الأسد على رأس السلطة»، واصفًا ذلك بأنه تخريب على حد تعبيره.

هذا التصريح جاء معاكسًا تمامًا لتصريح لافروف، ومؤكدًا أن روسيا تسعى مع أمريكا لإيجاد خطة حل سياسي في سوريا ولكن لن يكون للأسد دور في هذه الخطة، أي أنه أصبح من الضروري إيجاد انتقال للسلطة والإطاحة برأس النظام السوري.

اختفت التصريحات الروسية لفترة وجيزة عن الساحة السورية، لكن سرعان ما عادت لتثبت نوايا روسيا تجاه النظام السوري، حيث جاء في موقع (تابناك) المقرب من الحرس الثوري الإيراني والتابع للجنرال محسن رضائي: أن هناك مخططًا  أمريكيًا – روسيًا تجري دراسته من قبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الروسي لافروف، ويفيد هذا المخطط بالتخلص من رئيس النظام السوري بشّار الأسد.

وأضاف موقع (تابناك) أن تحليلاته جاءت من تصريح لافروف حيث قال الأخير: «بشار الأسد ليس حليفنا، وهذه المرّة الأولى التي يكون فيها موقف موسكو من الرئيس الأسد واضحًا بهذا الشّكل».

تدخلات عسكرية علنية للروس في الأراضي السورية

جاء التدخل العسكري الروسي بعد خمس سنوات من الثورة السّورية، والتي لم تتوقف فيها موسكو عن دعم نظام الأسد سياسيًا ودوليًا، ففي بداية عام 2015 تدخلت القوات الروسية عسكريًا وبشكل علني متجاهلة عمليات دول التحالف ضد  تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة وحتى بعدم الرجوع لمجلس الأمن لبحث هذه الخطوة.

كانت أولى تدخلاتها عبر مقاتلات ترجع إلى قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية، ولكن مع استمرار عملياتها الجوية بدأت أيضًا بالزحف الأرضي كما حصل في مناطق عدّة من سوريا.

وكانت من أول المناطق التي طالتها الغارات الجوية الروسية في ريفي (حمص وحماة) في 30 سبتمبر (أيلول) 2015، وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من نفس السنة، أطلقت البوارج الروسية المستقرة في بحر قزوين 266 صاروخًا عابرًا  للقارات على أهداف في سوريا قالت موسكو إنها أهداف تخص تنظيم الدولة الإسلامية، كما جهزت روسيا مطار الشعيرات في حمص ليكون قاعدة عسكرية ثانية لها.

وفي حلب تدخلت القوات الروسية أيضًا بغطاء جوّي ليساند النظام السوري وحزب الله في حملتهم العسكرية ضد الوجود المعارض في المنطقة بتاريخ 8 فبراير (شباط) 20166.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...