web analytics

كيف تحوَّل حلم ثورة سوريا إلى كابوس؟

 

 

ملايين، وربما مليارات الكلمات قد كتبت عن سوريا منذ اندلاع انتفاضتها، بكل لغات العالم الحيَّة؛ وكل يوم خريطة جديدة لتقسيم النفوذ العسكري بين التيارات المتصارعة على الأرض في سوريا.

 

في هذا التقرير لن نعطيك خريطةً جديدةً من تلك الخرائط، وإنما سنذهب معك في رحلة، ندخل فيها لأعماق جروح الثورة السورية. ستذهب معنا لنكتشف الجروح العميقة التي اختلف الناس شرقًا وغربًا في تسميتها: ثورة، اقتتال أهلي، وربَّما حرب بالوكالة أيضًا. وسنقابل في هذا التقرير ثوارًا ومفكرين سوريين من مختلف التيارات، شاركوا في هذه الثورة الحُلم، وكابدوها، وأرَّخوا لها؛ سنقف عن قربٍ من هؤلاء الذين «مسَّهم الحلم مرة»، ذلك الحلم الذي يرى أغلب من يتابعونه أنَّه قد تحول إلى كابوس.

 

مدارس النظام السوري، التي تخرًّج فيها العديد من الشباب الذين شاركوا في الأشهر الأولى من الثورة السورية، مدارس غالبيتها مطلية بلون الصمت والفزع: اللون البني الباهت؛ وهو نفس لون رداء الشرطة السورية السابق.

 

بعد خلع مبارك وبن علي، قرَّر أطفال درعا وطلاب مدارسها الذين لا تزيد أعمارهم على 14 عامًا، أن يبتكروا لعبةً جديدةً، ويتمردوا على هذه الجدران القاتمة. قرَّروا ببساطة أن يضفوا عليها روح طفولتهم؛ كي تليق بأن تكون مدارس للأطفال، لا معسكرات لإعداد الخاضعين للنظام.

 

كتبوا على جدران مدارسهم عبارات ضد الرئيس الحالي وطبيب العيون السابق بشار الأسد، أحدهم كتب باللون الأحمر «جاييك الدور يا دكتور». على كل حال استيقظ النظام صباح اليوم التالي، ليرى مدارسه الصارمة التي اعتاد أن يلقن الطلاب فيها تقديسه، وقد اكتظت جدرانها بعبارات السخرية منه.

 

 

كان عاطف نجيب، ابن خالة بشار الأسد، هو رئيس الأمن السياسي في درعا، وقد كانت له طريقته الخاصة جدًّا في التعامل مع سخرية الأطفال وأحلامهم المكبوتة.

 

يروي لنا الكاتب السوري الشاب سامر مختار ذكرياته مع الثورة السورية، ويقول: «ما حدث في البداية، فبراير/ شباط 2011 هو أن طلاب درعا كتبوا على جدران مدارسهم «الشعب يريد إسقاط النظام»، وكانت ردة فعل القوى الأمنية هي اعتقال الأطفال وتعذيبهم، وكأنهم معتقلون سياسيون يريدون قلب نظام الحكم في البلاد، وصل التعذيب إلى حد اقتلاع أظافرهم، ورفضت القوى الأمنية الإفراج عنهم، وعندما جاء رجال الحي من أهل الأطفال يطالبون بالإفراج عنهم، قال الأمن لهم: «لوكنتم تريدون أطفالكم، أحضروا نساءكم لنستضيفهم عندنا بدلًا منهم». وبحلول 18 مارس/ آذار 2011، كانت مدينة درعا قد انتفضت بأكملها.

 

حدث الأمر كالتالي: أهالي وأصدقاء الطلاب الذين قبض عليهم، يخرجون في مظاهرات يوم الجمعة، فيقابلون بالرصاص الحي، فيسقط شهيد جديد، وتنضم عائلة جديدة للانتفاضة، يبدو هنا الأمر مشابهًا لباقي الثورات العربية، حيث وبعيدًا عن أسبابها العميقة، كانت أسبابها المباشرة والظاهرة على السطح، تتمثل في فرط عنف أجهزة الشرطة، في جمهوريات ما بعد الاستقلال العربية. وقد قال أحد أطفال ملحمة الكتابة على الجدران في درعا، بعد مرور 5 سنوات من اندلاع الثورة: «كنت أتصور أنَّ الجيران والكبار سيرون فينا أطفالًا أغبياء ومتهورين وسُذجًا، لكن على العكس تمامًا فقد نُظر إلى كتاباتنا باعتبارها ملحمة شجاعة!».

 

كان للأمر دلالة رمزية كبيرة: لو حاول أطفال سوريا أن يرسموا أحلامهم على الجدران، سنحول أحلامهم إلى كوابيس، وسنقتلع أظافر الأيادي التي رسمت؛ لا مستقبل هنا في سوريا، سوى المستقبل الذي نقرره نحن فقط.

 

على كل حال، حين ذكرنا الكاتب الفلسطيني السوري رائد وحش بلحظات الثورة الأولى على يد أطفال درعا؛ أو «أول الحب» بتعبير الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كان يمتلك الشجاعة الكافية ليقول: «بالتأكيد تغيرت المشاعر بالكامل الآن، حيث انتقلنا من التفاؤل إلى قاع سحيق من اليأس. هُزمنا كمجتمع وكأفراد. لم يهزمنا النظام فهو مهزوم أيضًا، هزمتنا الطائفية، والرايات السوداء، والقوى الإقليمية والدولية، وهزمتنا أمراضنا».

 

 

درعا 2011، ليست هي البداية الصحيحة، ربما نحتاج أن نعود إلى ما قبل الثورة، لنقترب أكثر من جذور الانفجار، ولنفهم أكثر لماذا تعامل جهاز الأمن في درعا بهذه القسوة المفرطة مع الطلاب وكتاباتهم؛ تلك القسوة التي مهدت لانفجار درعا بأكملها.

 

في الواقع، كما يرى العديد من المُنظِّرين السياسيين، كلا النظامين السياسيين في العالم الحديث، الدكتاتوري والديمقراطي، يهدفان إلى السيطرة على الجماهير، بما يحفظ استقرار المؤسسات والأيديولوجيا الحاكمة القائمة؛ الأول يحافظ عليها عبر أساليب مرئية وخشنة متمثلة في التعذيب والقمع والإرهاب، والثاني عبر أساليب غير مرئية وناعمة، يطلق عليها في علم الاجتماع اسم «تقنيات الهيمنة»، التي تعمل بشكل لا واعٍ.

 

لكن التعذيب الحديث يختلف كليًّا عن التعذيب في نظم العصور الوسطى، فالتعذيب الحديث ليس تعذيبًا عشوائيًّا، وإنما يقوم على أسس علمية، بخطة محددة وأهداف معينة، وبكل تأكيد فإن تعذيب الأطفال في درعا، والإهانات الجنسية التي وجهت لأولياء أمورهم من وجهاء وأهالي درعا، ومن ثم قتل الأهالي حين يتظاهرون من أجل إطلاق سراح أبنائهم، كل هذا لا ينتمي بأي حال لمدرسة القمع والتعذيب الحديثة والذكية، التي تستهدف إعادة إنتاج الاستقرار للنظام الحاكم، فلماذا يا تُرى لم تتمتع منظومة القهر في درعا بالحد الأدنى المقبول من الذكاء؟ وعلينا أن نرى ذلك في ضوء كون الثورات العربية في صورتها المباشرة، قد قامت معظمها نتيجة حادثة عنف مفرط من الشرطة في التعامل مع أحد أفراد الشعب.

 

في حوار له مع موقع «جدلية» بتاريخ 4 مارس/ آذار 2013، طرح المفكر اللبناني فواز طرابلسي رأيه بخصوص جذور العنف المفرط، الذي لا يحقق الغاية منه المتمثلة في استقرار النظام، وقال إن في تلك الأنظمة التي قامت ضدها الثورات العربية، كان قد ارتفع منسوب الاستبداد والقمع، تعويضًا عن اهتراء شرعيتها الاجتماعية، وقد اهترأت تلك الشرعية، نتيجة اضطرارها للرضوخ لإملاءات صندق النقد الدولي والبنك الدولي، ثم ضرب المفكر اللبناني المثل ببشار الأسد، الذي عهد منذ تولى السلطة، إلى إعادة الهيكلة النيوليبرالية للاقتصاد، وتفكيك رأسمالية الدولة التي كانت قائمة في عهد أبيه، ومن ثم تقديمه لتنازلات أساسية في تركيب الاقتصاد السوري، بناءً على توجيهات صندوق النقد الدولي.

 

باختصار يرى فواز أن هذه الأنظمة الاستبدادية قد ازداد «منسوب قمعها»، وهو ما سنسميه في هذا التقرير: خروج القمع عن دائرة الممارسة بشكل علمي ومحسوب، مع سطوة العولمة وفرض النيوليبرالية تدريجيًّا على المنطقة، وهو ما أدى إلى تقلُّص ما تستطيع أن تقدمه تلك الأنظمة لشعوبها في المجال الاجتماعي.

 

يفضي ما يقوله فواز ببساطة، إلى معادلة يمكن أن ننسجها على النحو التالي: رضخت الدول للمنظمات الدولية الاقتصادية الكبرى، واتبعت سياسات كانت نتيجتها تفاقم الأزمات الاجتماعية، ولم يعد لديها ما تقدمه على الصعيد الاجتماعي، فأصيبت بالارتباك، واضطرت إلى إعطاء مساحة أكبر لتقنيات القهر المباشر في خطتها لفرض سيطرتها، على حساب تقنيات الهيمنة الناعمة، التي تعيد إنتاج القابلية لحب الحاكم والخوف منه، ومن ثم أدى كل ذلك إلى ارتباك في إنتاج وممارسة تلك التقنيات القمعية ذاتها، والمثال الأبرز لهذا التقرير كان ما حدث مع أطفال درعا في 2011، والذي أضر بالنظام أكثر بكثير مما أفاده.

 

وعلى كل حال ما يزال يُنظر حتى بين بعض المؤيدين لبشار الأسد، إلى عاطف نجيب الذي اقتلع أظافر أطفال درعا، باعتباره سببًا رئيسيًّا في تفجر تلك الثورة، وفي كل تلك المعاناة التي لاقاها نظام الأسد، وجدير بالذكر هنا أنه رغم ما بدا من الأسد في 2011، من عدم إنكار لما قام به ابن خالته في درعا، ورغم ما بدا من أن الأسد بصدد نية في معاقبة ابن خالته، إلا أن نجيب وبعد مرور خمس سنوات، لم يلق أي حساب أو عقاب من النظام الذي أضره بعنفه المفرط، غير المدروس.

 

 

 

 

ملايين، وربما مليارات الكلمات قد كتبت عن سوريا منذ اندلاع انتفاضتها، بكل لغات العالم الحيَّة؛ وكل يوم خريطة جديدة لتقسيم النفوذ العسكري بين التيارات المتصارعة على الأرض في سوريا.

 

في هذا التقرير لن نعطيك خريطةً جديدةً من تلك الخرائط، وإنما سنذهب معك في رحلة، ندخل فيها لأعماق جروح الثورة السورية. ستذهب معنا لنكتشف الجروح العميقة التي اختلف الناس شرقًا وغربًا في تسميتها: ثورة، اقتتال أهلي، وربَّما حرب بالوكالة أيضًا. وسنقابل في هذا التقرير ثوارًا ومفكرين سوريين من مختلف التيارات، شاركوا في هذه الثورة الحُلم، وكابدوها، وأرَّخوا لها؛ سنقف عن قربٍ من هؤلاء الذين «مسَّهم الحلم مرة»، ذلك الحلم الذي يرى أغلب من يتابعونه أنَّه قد تحول إلى كابوس.

 

مدارس النظام السوري، التي تخرًّج فيها العديد من الشباب الذين شاركوا في الأشهر الأولى من الثورة السورية، مدارس غالبيتها مطلية بلون الصمت والفزع: اللون البني الباهت؛ وهو نفس لون رداء الشرطة السورية السابق.

 

بعد خلع مبارك وبن علي، قرَّر أطفال درعا وطلاب مدارسها الذين لا تزيد أعمارهم على 14 عامًا، أن يبتكروا لعبةً جديدةً، ويتمردوا على هذه الجدران القاتمة. قرَّروا ببساطة أن يضفوا عليها روح طفولتهم؛ كي تليق بأن تكون مدارس للأطفال، لا معسكرات لإعداد الخاضعين للنظام.

 

كتبوا على جدران مدارسهم عبارات ضد الرئيس الحالي وطبيب العيون السابق بشار الأسد، أحدهم كتب باللون الأحمر «جاييك الدور يا دكتور». على كل حال استيقظ النظام صباح اليوم التالي، ليرى مدارسه الصارمة التي اعتاد أن يلقن الطلاب فيها تقديسه، وقد اكتظت جدرانها بعبارات السخرية منه.

 

 

كان عاطف نجيب، ابن خالة بشار الأسد، هو رئيس الأمن السياسي في درعا، وقد كانت له طريقته الخاصة جدًّا في التعامل مع سخرية الأطفال وأحلامهم المكبوتة.

 

يروي لنا الكاتب السوري الشاب سامر مختار ذكرياته مع الثورة السورية، ويقول: «ما حدث في البداية، فبراير/ شباط 2011 هو أن طلاب درعا كتبوا على جدران مدارسهم «الشعب يريد إسقاط النظام»، وكانت ردة فعل القوى الأمنية هي اعتقال الأطفال وتعذيبهم، وكأنهم معتقلون سياسيون يريدون قلب نظام الحكم في البلاد، وصل التعذيب إلى حد اقتلاع أظافرهم، ورفضت القوى الأمنية الإفراج عنهم، وعندما جاء رجال الحي من أهل الأطفال يطالبون بالإفراج عنهم، قال الأمن لهم: «لوكنتم تريدون أطفالكم، أحضروا نساءكم لنستضيفهم عندنا بدلًا منهم». وبحلول 18 مارس/ آذار 2011، كانت مدينة درعا قد انتفضت بأكملها.

 

حدث الأمر كالتالي: أهالي وأصدقاء الطلاب الذين قبض عليهم، يخرجون في مظاهرات يوم الجمعة، فيقابلون بالرصاص الحي، فيسقط شهيد جديد، وتنضم عائلة جديدة للانتفاضة، يبدو هنا الأمر مشابهًا لباقي الثورات العربية، حيث وبعيدًا عن أسبابها العميقة، كانت أسبابها المباشرة والظاهرة على السطح، تتمثل في فرط عنف أجهزة الشرطة، في جمهوريات ما بعد الاستقلال العربية. وقد قال أحد أطفال ملحمة الكتابة على الجدران في درعا، بعد مرور 5 سنوات من اندلاع الثورة: «كنت أتصور أنَّ الجيران والكبار سيرون فينا أطفالًا أغبياء ومتهورين وسُذجًا، لكن على العكس تمامًا فقد نُظر إلى كتاباتنا باعتبارها ملحمة شجاعة!».

 

كان للأمر دلالة رمزية كبيرة: لو حاول أطفال سوريا أن يرسموا أحلامهم على الجدران، سنحول أحلامهم إلى كوابيس، وسنقتلع أظافر الأيادي التي رسمت؛ لا مستقبل هنا في سوريا، سوى المستقبل الذي نقرره نحن فقط.

 

على كل حال، حين ذكرنا الكاتب الفلسطيني السوري رائد وحش بلحظات الثورة الأولى على يد أطفال درعا؛ أو «أول الحب» بتعبير الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كان يمتلك الشجاعة الكافية ليقول: «بالتأكيد تغيرت المشاعر بالكامل الآن، حيث انتقلنا من التفاؤل إلى قاع سحيق من اليأس. هُزمنا كمجتمع وكأفراد. لم يهزمنا النظام فهو مهزوم أيضًا، هزمتنا الطائفية، والرايات السوداء، والقوى الإقليمية والدولية، وهزمتنا أمراضنا».

 

 

درعا 2011، ليست هي البداية الصحيحة، ربما نحتاج أن نعود إلى ما قبل الثورة، لنقترب أكثر من جذور الانفجار، ولنفهم أكثر لماذا تعامل جهاز الأمن في درعا بهذه القسوة المفرطة مع الطلاب وكتاباتهم؛ تلك القسوة التي مهدت لانفجار درعا بأكملها.

 

في الواقع، كما يرى العديد من المُنظِّرين السياسيين، كلا النظامين السياسيين في العالم الحديث، الدكتاتوري والديمقراطي، يهدفان إلى السيطرة على الجماهير، بما يحفظ استقرار المؤسسات والأيديولوجيا الحاكمة القائمة؛ الأول يحافظ عليها عبر أساليب مرئية وخشنة متمثلة في التعذيب والقمع والإرهاب، والثاني عبر أساليب غير مرئية وناعمة، يطلق عليها في علم الاجتماع اسم «تقنيات الهيمنة»، التي تعمل بشكل لا واعٍ.

 

لكن التعذيب الحديث يختلف كليًّا عن التعذيب في نظم العصور الوسطى، فالتعذيب الحديث ليس تعذيبًا عشوائيًّا، وإنما يقوم على أسس علمية، بخطة محددة وأهداف معينة، وبكل تأكيد فإن تعذيب الأطفال في درعا، والإهانات الجنسية التي وجهت لأولياء أمورهم من وجهاء وأهالي درعا، ومن ثم قتل الأهالي حين يتظاهرون من أجل إطلاق سراح أبنائهم، كل هذا لا ينتمي بأي حال لمدرسة القمع والتعذيب الحديثة والذكية، التي تستهدف إعادة إنتاج الاستقرار للنظام الحاكم، فلماذا يا تُرى لم تتمتع منظومة القهر في درعا بالحد الأدنى المقبول من الذكاء؟ وعلينا أن نرى ذلك في ضوء كون الثورات العربية في صورتها المباشرة، قد قامت معظمها نتيجة حادثة عنف مفرط من الشرطة في التعامل مع أحد أفراد الشعب.

 

في حوار له مع موقع «جدلية» بتاريخ 4 مارس/ آذار 2013، طرح المفكر اللبناني فواز طرابلسي رأيه بخصوص جذور العنف المفرط، الذي لا يحقق الغاية منه المتمثلة في استقرار النظام، وقال إن في تلك الأنظمة التي قامت ضدها الثورات العربية، كان قد ارتفع منسوب الاستبداد والقمع، تعويضًا عن اهتراء شرعيتها الاجتماعية، وقد اهترأت تلك الشرعية، نتيجة اضطرارها للرضوخ لإملاءات صندق النقد الدولي والبنك الدولي، ثم ضرب المفكر اللبناني المثل ببشار الأسد، الذي عهد منذ تولى السلطة، إلى إعادة الهيكلة النيوليبرالية للاقتصاد، وتفكيك رأسمالية الدولة التي كانت قائمة في عهد أبيه، ومن ثم تقديمه لتنازلات أساسية في تركيب الاقتصاد السوري، بناءً على توجيهات صندوق النقد الدولي.

 

باختصار يرى فواز أن هذه الأنظمة الاستبدادية قد ازداد «منسوب قمعها»، وهو ما سنسميه في هذا التقرير: خروج القمع عن دائرة الممارسة بشكل علمي ومحسوب، مع سطوة العولمة وفرض النيوليبرالية تدريجيًّا على المنطقة، وهو ما أدى إلى تقلُّص ما تستطيع أن تقدمه تلك الأنظمة لشعوبها في المجال الاجتماعي.

 

يفضي ما يقوله فواز ببساطة، إلى معادلة يمكن أن ننسجها على النحو التالي: رضخت الدول للمنظمات الدولية الاقتصادية الكبرى، واتبعت سياسات كانت نتيجتها تفاقم الأزمات الاجتماعية، ولم يعد لديها ما تقدمه على الصعيد الاجتماعي، فأصيبت بالارتباك، واضطرت إلى إعطاء مساحة أكبر لتقنيات القهر المباشر في خطتها لفرض سيطرتها، على حساب تقنيات الهيمنة الناعمة، التي تعيد إنتاج القابلية لحب الحاكم والخوف منه، ومن ثم أدى كل ذلك إلى ارتباك في إنتاج وممارسة تلك التقنيات القمعية ذاتها، والمثال الأبرز لهذا التقرير كان ما حدث مع أطفال درعا في 2011، والذي أضر بالنظام أكثر بكثير مما أفاده.

 

وعلى كل حال ما يزال يُنظر حتى بين بعض المؤيدين لبشار الأسد، إلى عاطف نجيب الذي اقتلع أظافر أطفال درعا، باعتباره سببًا رئيسيًّا في تفجر تلك الثورة، وفي كل تلك المعاناة التي لاقاها نظام الأسد، وجدير بالذكر هنا أنه رغم ما بدا من الأسد في 2011، من عدم إنكار لما قام به ابن خالته في درعا، ورغم ما بدا من أن الأسد بصدد نية في معاقبة ابن خالته، إلا أن نجيب وبعد مرور خمس سنوات، لم يلق أي حساب أو عقاب من النظام الذي أضره بعنفه المفرط، غير المدروس.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...