web analytics

لقاء الإسلام السياسي.. الشِّيعي والسُّني

لعلَّ كتاب "الحكومة الإسلامية" لآية الله روح الله الخميني (ت 1989)، فاق شهرة الشَّيخ أبي الأعلى المودودي (ت 1979)، الذي كان قد أصدره بالاسم نفسه، مع أنه سبق أحاديث الخميني التي ألقاها على طلبة الحوزة الدِّينية بالنَّجف بنحو ست سنوات، وسبق صدور كتاب الخميني بعشر سنوات، ذلك إذا علمنا أنه صدر بطبعته الأُولى (1979) ببيروت، ولم يمض على عودة الخميني إلى طهران، لتسلم مقاليد السُّلطة فيها، إلا شهران (عاد الخميني في يناير/ كانون الثَّاني وطُبع الكتاب في مارس/ آذار 1979).

 

السُّؤال: هل اطّلع الخميني على كتاب المودودي، أم ما ورد فيه كان تواردَ خواطر؟ فالكتابان متشابهان -إلى حد كبير- في الهدف والطَّرح، مع الاختلاف في سُنية المودودي وشيعية الخميني، وإلا فالحاكمية واحدة، ووجوب قيام دولة إسلامية، وأن الحكم لله. وكان المودودي قد اعتبر تنفيذ الحاكمية مِن قِبل المؤمن بها والجدير بتنفيذها، غير محدد النَّسب، بينما اعتبر الخميني تنفيذها مِن قِبل الولي الفقيه، وهو بمثابة نائب الإمام المهدي المنتظر (حُددت غيبته حسب التقليد الإمامي 260هـ)، على أن طرح مصطلح الولي الفقيه بهذا الوضوح قد جاء على لسان الخميني بالنَّجف، ولو لم يكن التَّعرض لولاية الفقيه ميلاً عن موضوعنا للأطنبنا في بيان ذلك.

 

جاء في "الحكومة الإسلامية" للمودودي: "هذا الدِّين اسمه الإسلام، وما جيء به ليكون ملحقاً وذيلاً للحياة، ولو كان كذلك لكان الهدف من نزوله هو الموت والانتهاء، لأن هذا الدِّين يبحث العلاقة بين الله والإنسان، وبين الإنسان والإنسان وجميع الكائنات على وجه البسيطة". من المعلوم أن المودودي أتى على "الحاكمية" معتبراً المجتمعات الإنسانية المعاصرة جاهلية في أكثر من كتاب، منها ما أصدر قبل كتابه "الحكومة الإسلامية" بكثير.

 

بالمقابل جاء في "الحكومة الإسلامية" للخميني: "وهكذا يكون الإسلام قد عالج كل موضوع الحياة، وأعطى فيه حكمه، ولكن الأجانب وسوسوا في صدور النَّاس والمثقفين منهم خاصة إن الإسلام لا يملك شيئاً، الإسلام عبارة عن أحكام الحيض والنِّفاس، طلبة العلوم الدِّينية لا يتجاوزون في تخصصهم هذه المواضيع". فالاثنان، المودودي والخميني، قصدا تثوير الإسلام، على أن يكون حكومة تطبق الشَّريعة بما هو أكثر مما تطبقها الدُّول الإسلامية التقليدية. ننقل هنا المواقف المؤيدة لانتصار الثَّورة الإسلامية الإيرانية مِن قِبل الجماعات الإسلامية السُّنِّية لتحقيق تلك الغاية: "حكومة إسلامية".

 

اعتبرت مجلات الإخوان بمصر ما حصل في (11 فبراير/ شباط 1979) ثورة إسلامية "أعادت الحسابات وغيرت الموازين"، وأنها "أعظم ثورة في التَّاريخ الحديث". كتب القيادي الإخواني السُّوداني حسن التُّرابي (ت 2016) يقول: "لقد سبقت الحركة الإسلامية السُّودانية (الإخوان المسلمون) إلى تأييد الثَّورة الإسلامية منذ حلول آية الله الخميني في باريس، حيث تتالت المساندة الإسلامية السُّودانية في نوفل لوشاتو، وانتهاء بطهران وقمَّ".

 

كذلك يؤكد زعيم "النهضة" الإخواني التونسي راشد الغنوشي أن الاتجاه الإسلامي تبلور على يد "البنا والمودودي وقطب والخميني ممثلي أهم الاتجاهات الإسلامية المعاصرة، ويعتبر أنه بنجاح الثَّورة الإسلامية في إيران يبدأ الإسلام دورة عضوية جديدة". أما الإخوان الأردنيون فكتبوا النَّثر وأنشدوا الشِّعر في تمجيد الثَّورة، داعين إلى إمامة الخميني وزعامته، ومما قاله الإخواني يوسف العظم (ت 2007): "بالخميني زعيماً وإماما/ هدَّ صرح الظُّلم لا يخشى الحمامَ/ قد منحناه وشاحاً ووساما/ مِن دمانا ومضينا للأمام/ نهزم الشّرك ونجتاح الظَّلام/ ليعود الكون نوراً ووسام".

 

 

اتصال تنظيمي

 

لم يكن هذا أول لقاء، مباشر أو غير مباشر، بين الإسلام السياسي السُّني والإسلام السِّياسي الشِّيعي، ما تحقق مِن اتصال بين فرعي الإخوان المسلمين وحزب التَّحرير بالعراق والشِّباب الإسلاميين الشِّيعية. يقول السَّيد طالب الرِّفاعي أحد الثلاثة المؤسسين الأوائل لحزب الدَّعوة الإسلامية (1959) في الاتصال بين الشِّيعة والسُّنة في أمر التنظيمات الإسلامية:

 

"انتسب إلى حزب التَّحرير مِن الشِّيعة محمد عبدالهادي السُّبَيتي، وكان قبلها منتسباً إلى الإخوان المسلمين، وهو نجل عبدالله السُّبيتي، وجده لأمه عبدالحسين شرف الدِّين، مِن أسرة علمية وأعيان جبل عامل بلبنان، وبعد حينٍ أصبح السُّبيتي مسؤولاً عن فرع التحرير بالعراق، ثم خرج منه وصار بعد حين رئيساً لحزب الدَّعوة الإسلامية. كان لقاء السُّبيتي بمبعوث حزب التَّحرير عن طريق الإخواني سابقاً والتحريري لاحقاً فاضل السُّويدي، وكان الأخير يحمل كتاب مؤسس الحزب تقي الدِّين النَّبهاني نِظام الحُكم في الإسلام، وكان هذا الكتاب يُدرّس على شكل حلقات للجماعة الذين اتصلوا بالحزب، وحينها كان السُّبيتي في السنة الثَّانية في كلية الهندسة. انتمى أيضاً، مِن الشِّيعة، إلى حزب التَّحرير الدُّكتور جابر العطا (ت 2011)، وكان في البداية قومياً مستقلاً، يوم كان يعيش بالنَّجف، ولما ذهب إلى بغداد تأثر بفكر الإخوان المسلمين، فانطلق معهم في دعوتهم وانتظم في كشافتهم. وبحكم علاقة عطا بالسُّبيتي، وأن الاثنين كانا معاً مِن الإخوان، اتصل عطا بزلوم (عبدالقديم مسؤول حزب التحرير بالعراق). بعد التَّعارف، ومرور الأيام، درس عطا على يدي كتاب معالم الأُصول واللُّمعة الدِّمشقية، عندما يأتي إلى النَّجف، وكان آنذاك ببغداد في السَّنة الثَّانية مِن كلية الطِّب، وبعدها تخرج طبيباً". كذلك يُشار إلى انضمام طلبة إيرانيين شيعة إلى جماعة الإخوان المسلمين بمصر.

 

 

في محاولة إنقاذ قطب

 

عندما حُكم على سيد قطب (أعدم 1966) بالإعدام تحشد الإسلاميون الشِّيعة في محاولة لإنقاذه عن طريق المرجعية الدِّينية بالنَّجف، والممثلة –آنذاك- بشخص آية الله محسن الحكيم (ت 1970) بالتدخل لدى الرَّئيس جمال عبدالنَّاصر (ت 1970)، وبالفعل أبرق الحكيم برقية في هذا المضمون، ولكن لا يُعلم هل وصلت عبدالنَّاصر أم لا.

 

وما يؤكد ما ذكره الدَّعوي السَّابق طالب الرِّفاعي، في محاولة إنقاذ سيد قطب، أن الإخوان ذهبوا إلى مرجعية النَّجف الممثلة بمحسن الحكيم، وطلبوا منه إرسال برقية بهذا الخصوص، لكنه سلمهم نص البرقية التي بعثها، وبطلب مِن الإسلام السِّياسي الشِّيعي، وجاء فيها: "إن علماء الإسلام يجب أن يُكرموا لا أن يُعدموا".

 

تجدر الإشارة إلى موقف آية الله الخميني من سيد قطب، وقد زاره وفد الإخوان بالنجف طالبين منه برقية مشابهة لعبدالنَّاصر، لكنه تعذر بأن "شاه إيران يعدّه (الخميني) ويعدّ بقية المشايخ والعلماء في إيران متآمرين عليه مع عبدالنَّاصر". إلا أن ما نظنه أن الخميني لم يرد التدخل في هذا الشأن، وهو لاجئ سياسي أكثر منه فقيه دين، وكان وصل النَّجف من تركيا عام (1965)، العام الذي جرى فيه التحرك لإنقاذ سيد قطب، مع علمه عن العلاقة المتينة –آنذاك- بين الحكم القومي ببغداد والقاهرة، وهيمنة الأخيرة.

 

 

ترشيح شيعي لرئاسة حزب الإخوان

 

كذلك لم يتحرج الإخوان المسلمون العراقيون مِن ترشيحهم لرجل دين شيعي أن يكون رئيساً لحزبهم "الحزب الإسلامي العراقي"، وذلك عام 1960 لما كانوا يحاولونه من التصدي ضد حكم رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم(قُتل 1963)، والمد اليساري الجارف آنذاك.

 

ربَّما تكون مواجهة اليسار أهم دافعٍ للتقارب بين الإسلام السياسي السُّني والمرجعيات الدينية الشِّيعية؛ فهو العدو المشترك، والمتمثل بالحزب الشيوعي العراقي (تأسس ببغداد 1934)، والمد اليساري الذي مثله بعد ثورة 14 يوليو (تموز) 1958. يقول مراقب الإخوان المسلمين ومؤسسهم بالعراق محمد محمود الصَّواف(ت1992): "كنا نتعاون مع علماء النَّجف الأشرف الكبار، وذهبت إلى النَّجف مع الشَّيخ أمجد (الزَّهاوي) عدة مرات للتعاون على نصرة الإسلام، وخصوصاً عندما انطلقت الشّيوعية وقاومت الثَّورة، وكانت صِلاتنا أكبر، وكان الشَّيخ المجتهد الأكبر محسن الحكيم (رحمه الله) وهو الإمام الكبير المُقلد، والمسؤول الكبير أصدر فتوى كبيرة في تكفير مَن اعتنق الشيوعية، وكنا كُلما اجتمعنا لأمر إسلامي كانوا معنا".

لعلَّ كتاب "الحكومة الإسلامية" لآية الله روح الله الخميني (ت 1989)، فاق شهرة الشَّيخ أبي الأعلى المودودي (ت 1979)، الذي كان قد أصدره بالاسم نفسه، مع أنه سبق أحاديث الخميني التي ألقاها على طلبة الحوزة الدِّينية بالنَّجف بنحو ست سنوات، وسبق صدور كتاب الخميني بعشر سنوات، ذلك إذا علمنا أنه صدر بطبعته الأُولى (1979) ببيروت، ولم يمض على عودة الخميني إلى طهران، لتسلم مقاليد السُّلطة فيها، إلا شهران (عاد الخميني في يناير/ كانون الثَّاني وطُبع الكتاب في مارس/ آذار 1979).

 

السُّؤال: هل اطّلع الخميني على كتاب المودودي، أم ما ورد فيه كان تواردَ خواطر؟ فالكتابان متشابهان -إلى حد كبير- في الهدف والطَّرح، مع الاختلاف في سُنية المودودي وشيعية الخميني، وإلا فالحاكمية واحدة، ووجوب قيام دولة إسلامية، وأن الحكم لله. وكان المودودي قد اعتبر تنفيذ الحاكمية مِن قِبل المؤمن بها والجدير بتنفيذها، غير محدد النَّسب، بينما اعتبر الخميني تنفيذها مِن قِبل الولي الفقيه، وهو بمثابة نائب الإمام المهدي المنتظر (حُددت غيبته حسب التقليد الإمامي 260هـ)، على أن طرح مصطلح الولي الفقيه بهذا الوضوح قد جاء على لسان الخميني بالنَّجف، ولو لم يكن التَّعرض لولاية الفقيه ميلاً عن موضوعنا للأطنبنا في بيان ذلك.

 

جاء في "الحكومة الإسلامية" للمودودي: "هذا الدِّين اسمه الإسلام، وما جيء به ليكون ملحقاً وذيلاً للحياة، ولو كان كذلك لكان الهدف من نزوله هو الموت والانتهاء، لأن هذا الدِّين يبحث العلاقة بين الله والإنسان، وبين الإنسان والإنسان وجميع الكائنات على وجه البسيطة". من المعلوم أن المودودي أتى على "الحاكمية" معتبراً المجتمعات الإنسانية المعاصرة جاهلية في أكثر من كتاب، منها ما أصدر قبل كتابه "الحكومة الإسلامية" بكثير.

 

بالمقابل جاء في "الحكومة الإسلامية" للخميني: "وهكذا يكون الإسلام قد عالج كل موضوع الحياة، وأعطى فيه حكمه، ولكن الأجانب وسوسوا في صدور النَّاس والمثقفين منهم خاصة إن الإسلام لا يملك شيئاً، الإسلام عبارة عن أحكام الحيض والنِّفاس، طلبة العلوم الدِّينية لا يتجاوزون في تخصصهم هذه المواضيع". فالاثنان، المودودي والخميني، قصدا تثوير الإسلام، على أن يكون حكومة تطبق الشَّريعة بما هو أكثر مما تطبقها الدُّول الإسلامية التقليدية. ننقل هنا المواقف المؤيدة لانتصار الثَّورة الإسلامية الإيرانية مِن قِبل الجماعات الإسلامية السُّنِّية لتحقيق تلك الغاية: "حكومة إسلامية".

 

اعتبرت مجلات الإخوان بمصر ما حصل في (11 فبراير/ شباط 1979) ثورة إسلامية "أعادت الحسابات وغيرت الموازين"، وأنها "أعظم ثورة في التَّاريخ الحديث". كتب القيادي الإخواني السُّوداني حسن التُّرابي (ت 2016) يقول: "لقد سبقت الحركة الإسلامية السُّودانية (الإخوان المسلمون) إلى تأييد الثَّورة الإسلامية منذ حلول آية الله الخميني في باريس، حيث تتالت المساندة الإسلامية السُّودانية في نوفل لوشاتو، وانتهاء بطهران وقمَّ".

 

كذلك يؤكد زعيم "النهضة" الإخواني التونسي راشد الغنوشي أن الاتجاه الإسلامي تبلور على يد "البنا والمودودي وقطب والخميني ممثلي أهم الاتجاهات الإسلامية المعاصرة، ويعتبر أنه بنجاح الثَّورة الإسلامية في إيران يبدأ الإسلام دورة عضوية جديدة". أما الإخوان الأردنيون فكتبوا النَّثر وأنشدوا الشِّعر في تمجيد الثَّورة، داعين إلى إمامة الخميني وزعامته، ومما قاله الإخواني يوسف العظم (ت 2007): "بالخميني زعيماً وإماما/ هدَّ صرح الظُّلم لا يخشى الحمامَ/ قد منحناه وشاحاً ووساما/ مِن دمانا ومضينا للأمام/ نهزم الشّرك ونجتاح الظَّلام/ ليعود الكون نوراً ووسام".

 

 

اتصال تنظيمي

 

لم يكن هذا أول لقاء، مباشر أو غير مباشر، بين الإسلام السياسي السُّني والإسلام السِّياسي الشِّيعي، ما تحقق مِن اتصال بين فرعي الإخوان المسلمين وحزب التَّحرير بالعراق والشِّباب الإسلاميين الشِّيعية. يقول السَّيد طالب الرِّفاعي أحد الثلاثة المؤسسين الأوائل لحزب الدَّعوة الإسلامية (1959) في الاتصال بين الشِّيعة والسُّنة في أمر التنظيمات الإسلامية:

 

"انتسب إلى حزب التَّحرير مِن الشِّيعة محمد عبدالهادي السُّبَيتي، وكان قبلها منتسباً إلى الإخوان المسلمين، وهو نجل عبدالله السُّبيتي، وجده لأمه عبدالحسين شرف الدِّين، مِن أسرة علمية وأعيان جبل عامل بلبنان، وبعد حينٍ أصبح السُّبيتي مسؤولاً عن فرع التحرير بالعراق، ثم خرج منه وصار بعد حين رئيساً لحزب الدَّعوة الإسلامية. كان لقاء السُّبيتي بمبعوث حزب التَّحرير عن طريق الإخواني سابقاً والتحريري لاحقاً فاضل السُّويدي، وكان الأخير يحمل كتاب مؤسس الحزب تقي الدِّين النَّبهاني نِظام الحُكم في الإسلام، وكان هذا الكتاب يُدرّس على شكل حلقات للجماعة الذين اتصلوا بالحزب، وحينها كان السُّبيتي في السنة الثَّانية في كلية الهندسة. انتمى أيضاً، مِن الشِّيعة، إلى حزب التَّحرير الدُّكتور جابر العطا (ت 2011)، وكان في البداية قومياً مستقلاً، يوم كان يعيش بالنَّجف، ولما ذهب إلى بغداد تأثر بفكر الإخوان المسلمين، فانطلق معهم في دعوتهم وانتظم في كشافتهم. وبحكم علاقة عطا بالسُّبيتي، وأن الاثنين كانا معاً مِن الإخوان، اتصل عطا بزلوم (عبدالقديم مسؤول حزب التحرير بالعراق). بعد التَّعارف، ومرور الأيام، درس عطا على يدي كتاب معالم الأُصول واللُّمعة الدِّمشقية، عندما يأتي إلى النَّجف، وكان آنذاك ببغداد في السَّنة الثَّانية مِن كلية الطِّب، وبعدها تخرج طبيباً". كذلك يُشار إلى انضمام طلبة إيرانيين شيعة إلى جماعة الإخوان المسلمين بمصر.

 

 

في محاولة إنقاذ قطب

 

عندما حُكم على سيد قطب (أعدم 1966) بالإعدام تحشد الإسلاميون الشِّيعة في محاولة لإنقاذه عن طريق المرجعية الدِّينية بالنَّجف، والممثلة –آنذاك- بشخص آية الله محسن الحكيم (ت 1970) بالتدخل لدى الرَّئيس جمال عبدالنَّاصر (ت 1970)، وبالفعل أبرق الحكيم برقية في هذا المضمون، ولكن لا يُعلم هل وصلت عبدالنَّاصر أم لا.

 

وما يؤكد ما ذكره الدَّعوي السَّابق طالب الرِّفاعي، في محاولة إنقاذ سيد قطب، أن الإخوان ذهبوا إلى مرجعية النَّجف الممثلة بمحسن الحكيم، وطلبوا منه إرسال برقية بهذا الخصوص، لكنه سلمهم نص البرقية التي بعثها، وبطلب مِن الإسلام السِّياسي الشِّيعي، وجاء فيها: "إن علماء الإسلام يجب أن يُكرموا لا أن يُعدموا".

 

تجدر الإشارة إلى موقف آية الله الخميني من سيد قطب، وقد زاره وفد الإخوان بالنجف طالبين منه برقية مشابهة لعبدالنَّاصر، لكنه تعذر بأن "شاه إيران يعدّه (الخميني) ويعدّ بقية المشايخ والعلماء في إيران متآمرين عليه مع عبدالنَّاصر". إلا أن ما نظنه أن الخميني لم يرد التدخل في هذا الشأن، وهو لاجئ سياسي أكثر منه فقيه دين، وكان وصل النَّجف من تركيا عام (1965)، العام الذي جرى فيه التحرك لإنقاذ سيد قطب، مع علمه عن العلاقة المتينة –آنذاك- بين الحكم القومي ببغداد والقاهرة، وهيمنة الأخيرة.

 

 

ترشيح شيعي لرئاسة حزب الإخوان

 

كذلك لم يتحرج الإخوان المسلمون العراقيون مِن ترشيحهم لرجل دين شيعي أن يكون رئيساً لحزبهم "الحزب الإسلامي العراقي"، وذلك عام 1960 لما كانوا يحاولونه من التصدي ضد حكم رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم(قُتل 1963)، والمد اليساري الجارف آنذاك.

 

ربَّما تكون مواجهة اليسار أهم دافعٍ للتقارب بين الإسلام السياسي السُّني والمرجعيات الدينية الشِّيعية؛ فهو العدو المشترك، والمتمثل بالحزب الشيوعي العراقي (تأسس ببغداد 1934)، والمد اليساري الذي مثله بعد ثورة 14 يوليو (تموز) 1958. يقول مراقب الإخوان المسلمين ومؤسسهم بالعراق محمد محمود الصَّواف(ت1992): "كنا نتعاون مع علماء النَّجف الأشرف الكبار، وذهبت إلى النَّجف مع الشَّيخ أمجد (الزَّهاوي) عدة مرات للتعاون على نصرة الإسلام، وخصوصاً عندما انطلقت الشّيوعية وقاومت الثَّورة، وكانت صِلاتنا أكبر، وكان الشَّيخ المجتهد الأكبر محسن الحكيم (رحمه الله) وهو الإمام الكبير المُقلد، والمسؤول الكبير أصدر فتوى كبيرة في تكفير مَن اعتنق الشيوعية، وكنا كُلما اجتمعنا لأمر إسلامي كانوا معنا".

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...