web analytics

لمحات من كتاب “حرب الأشباح”

كتاب أحمد ناجي قمحة:

قال قمحة في دراسته “لعل تلاقي أهواء كافة هذه الحركات والجبهات والتنظيمات والأحزاب بقدر ما يثير من علامات تعجب، بقدر ما يؤكد على أن مصر تخضع لمرحلة في حرب من نوع جديد تعرضت لها دول كثيرة في العالم، حرب جرى تعريفها بأنها حرب الأشباح والتي تأتي كجزء من “إستراتيجية البركان-Volcano Strategy- والحرب القذرة  Dirty  War”.  وهي نوع من الحروب كان أول من لفت النظر إليها الكاتب الأمريكي ستيف كول تطبيقاً على الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق، وأول من أصل لها عربياً المفكر العراقي مهند العزاوي ووضعها كجزء من إستراتيجية البركان للتفجير الذاتي للدول، وهدم عامود الدولة الحامل لها ويتمثل في قواتها المسلحة. وذلك باستخدام عناصرها المركبة الأكثر دموية وما تتصف به من مفاهيم مركبة وأساليب مشتركة وفق التسهيلات المعلوماتية التي تقدمها حرب المعلومات.”Information War”  وهي بذلك تستهدف البنى التحتية الاجتماعية والسياسية للدولة المراد إخضاعها أو تدميرها أو الهيمنة الشاملة عليها, ويتم ذلك عبر إثارة الفتن وإذكاء الاحتراب العرقي والطائفي باستخدام ورش عمل وتنظيم مؤتمرات وبرامج تدريبية مصنعة في أروقة أجهزة المخابرات المعادية وتتصف بطابع عرقي وطائفي حاد لتشكل أدوات الصراع وأقطاب الاحتراب المهيأة لهذا الغرض, وباستخدام قاموس مصطلحات ومفردات خطاب مصاغ بعناية في دهاليز المؤسسات المخابراتية والإعلامية ومكاتب العلاقات العامة لهيكلة العقول وإثارة نزعة الاحتراب الذاتي المسلح لتمزيق النسيج الاجتماعي وإلغاء منظومة القيم الوطنية والقومية والدينية والأخلاقية. ويجري ذلك قبل وأثناء الحرب, وهي في ذلك تعيد إنتاج إستراتيجية المستعمر القديمة “فرق تسد” بصورة جديدة تحمل منحى دينياً أو طائفياً أو عرقياً أو عمرياً لتفتيت البنى التحتية في المجتمع.

في هذا الإطار، تعد حرب الاشباح المرادف الذي يجمع أنواع مختلفة من الحروب كالحرب الإعلامية والنفسية والحرب العسكرية التقليدية, تستخدم فيها منظومات وبرامج مخابراتية تجسسية وفرق خاصة للخلايا العاملة والنائمة، وتسخر لها منظومات متكاملة مساندة (معلومات لوجستية- وسائل الاتصال – موارد وأجهزة ومعدات متطورة)، لتحقيق مكاسب وأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية في بقعة ما من أرض الصراع التي تتمتع بأهمية خاصة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو دولة لها أهمية ما على صعيد الجغرافيا السياسية، وغالباً ما يتم تنفيذها مع الدول التي يحمل التدخل العسكري المباشر فيها تكلفة عالية.

ويخطط للعمليات الشبحية بعناية فائقة، مع ضرورة تأمين البيئة والمناخ المناسبين لتبدو عملياتها نمطية وشائعة, بغرض صرف الأنظار عن منفذيها وارتباطهم التنسيقي العملياتي ودوافعهم لإحداث التأثير الإستراتيجي للحدث المطلوب توظيفه سياسياً أو إعلامياً لكسر إرادة الخصم في الدولة المستهدفة، أو نخر منظومته الأمنية، أو اختراق مقصود لمؤسساته الأمنية لبيان نواياه وأبعاد تخطيطه لمواجهة المؤامرة على بلده.

طبيعة وخصائص عمليات حرب الأشباح.

 

تنفذ عمليات هذه الحرب بأداء نوعي وحرفية عالية لا تقبل الخطأ، ولا تترك آثاراً تدل على منفذيها, وتأخذ في الأغلب الأشكال التالية:

 

  1. عمليات خطف.

 

  1. اغتيالات مختلفة.

 

  1. تفجيرات نمطية شائعة.

 

  1. مهام تمويه وتضليل سياسي وإعلامي.

 

  1. شبكات تجنيد تجسسية.

 

  1. جرائم وحوادث جنائية بدوافع سياسية ومخابراتية.

 

  1. عمليات إختراق محدودة لقطاعات في الأجهزة الأمنية لمهام خاصة وغيرها من العمليات غير النمطية.

 

  1. حرائق وأزمات مفتعلة لتأليب الرأي العام.

وتكون البداية تطبيق ما تعارف أن يطلق عليه (حرب اللاعنف), وتستخدم حرب الأشباح كوسيلة أساسية (لو كان المستهدف قوياً)، وأحيانا بديلة( خطة إنقاذ) لترميم الفشل وتعزيز الضغط وكسر الإرادات في حالة عدم نجاح (حرب اللاعنف) في تحقيق أهدافها، ويكون ذلك كما يلي:-

 

أ‌.   إثارة الفوضى واستنزاف وتفتيت قدرات الدول التي تتمكن من عبور مرحلة هدمها بإستخدام اللاعنف.

 

ب‌.   إرباك ساحة العمليات ومحاور التفوق وخلط الأوراق في الدول القوية الثابتة، أو إعادة إرباكها في الدول التي تجاوزت اللاعنف.

 

ت‌. ,  تأمين مادة إعلامية بعمل عسكري مخابراتي فعال، لغرض تعزيز محاور الحرب الإعلامية على الصعيد الدولي أو الإقليمي، وشد الأنظار إليه والتمويه وصرف النظر عن محور آخر لوقت محدد.

 

ث‌.  الوصول بالمجتمع إلى اليأس من خلال عمليات نوعية في غاية الدقة، لتشويه الآمال المنعقدة على الأنظمة التي تمكنت من تجاوز حرب اللاعنف، وذلك عبر دوائر العملاء وشبكات التجسس المنتشره ضمن خارطة انتشار الأهداف والخلايا بداخل بنية الدولة نفسها.

 

ج‌.   ربط مباشر أو غير مباشر مع التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والمرتزقة وعصابات الجريمة المنظمة بغرض تحطيم مفاصل الدولة المستهدفة, وخلق الفوضى والدمار الإنساني.

ح‌.  الضغط بقوة وبكافة الوسائل بغرض عدم الإعلان عن قطب الصراع أو حتى الابتعاد عن التنويه والإشارة إلى مصدر الفعل، نظراً لحساسية وتفاقم الموقف السياسي أو العسكري  وتداعياته، وتسخر لهذا الغرض القدرة العالية التي تم تدريب كل المرتزقة والعملاء عليها لتنفيذ هذه المهام عن بعد، وعدم ظهور الدول الراعية للعمليات في الصورة، وهو ما إصطلح على تعريفه مؤخراً بالحرب بالوكالة.

وتدل تسمية حرب الأشباح على ضبابية الفعل واختفاء ملامح الدلالة وخيوط التنفيذ, فإستمرار غموض الفاعل يؤدي إلى خلط الأوراق وتشتيت الجهد وطمس الحقيقة، وتسود وفقاً لذلك تأويلات متعددة تبعثر محاور الوصول الى المتهمين، وطبيعة التنفيذ من الناحية الجنائية. ويكون ذلك بالإعتماد على دلائل ومشاهدات ضعيفة، لا توفر الدلالة الجنائية المطلوبة، وتشترك فيها منظومات متكاملة كبيرة، وتعتمد هذه المرحلة من حرب الأشباح على عناصر أهمها:

 

  1. التوقيت

 

  1. المكان, الموقع, الدولة.

 

  1. نوعية وقيمة الهدف.

 

  1. الموقف العسكري.

 

  1. الموقف السياسي.

 

  1. الموقف الأمني.

 

  1. طبيعة الصراع.

 

  1. نوع الأزمة والتأثير المطلوب إحداثه.

 

  1. القدرات والموارد المتيسرة.

 

  1. التزامن الظرفي والفني لإحداث التأثير.

 

  1. الرسالة الموجهة والمطلوب إيصالها.

 

  1. النمط والأسلوب والأدوات.

 

  1. العقيدة-الدينية- الوطنية- العسكرية- الأمنية المتوافرة في المجتمع.

وترتكز حرب الأشباح في ذلك على دقة المعلومات واستباق الوقت بغرض مباغتة واستهداف الخصم, واستثمار الثغرات الأمنية وذوي النفوس الضعيفة الذين يرتزقون ويمتهنون هذه المهام للعمل ضد أوطانهم, وقد تكون هذه الحرب بين قوى غير متوازنة وأخرى متوازنة في كافة الأصعدة, و يبرز التفوق عندما يتم إستخدامها ضد دوله بقدرات محدودة, وجميع دول العالم الثالث بما فيها الدول العربية تعتبر قدراتها محدوده لاتتناسب مع قدرات الدول الكبرى او القدرات الصهيونية وبعض الدول الإقليمية في هذا المجال.

وتستند هذه الحرب على عناصر محترفة ومدربة بل وخبيرة, تجيد تنفيذ تلك الاعمال القذره دون ترك أي أثر يدل على منفذيها, لغرض توظيف تلك النتائج في تعزيز المواقف السياسية أو خلق التأثير عسكريا واقتصادياً, ونظراً لدقة الاستهداف والوسائل المستخدمه،  فهناك أنواع من التنفيذ نوضحها كما يلي:

  1. تنفيذ صامت لا تصاحبه حرب إعلامية.

 

  1. تنفيذ صاخب مصحوب بحرب دعائية ومواكبة إعلامية.

 

  1. تنفيذ مزدوج يجمع بين الأسلوبين معا مستعملاً كليهما في التوقيت والمحل المناسب.

 

  1. تنفيذ مركب يجمع بين العديد من الوسائل والتقنيات، ويزاوج بين مختلف العمليات الميدانية بهدف الإرباك وتسديد الضربة القاضية.

 

  1. تنفيذ قاس بهجمات مركزة وشاملة تضعف مقاومة الخصم وترغمه على الاستسلام.

 

وقد نفذت أكثر من عملية قذرة مؤخراً في مصر لهذا الغرض, ذهب ضحيتها أقلية من المدنيين الذين ليسوا جزءاً من اللعبة، ولكنه التطبيق العملي لما تطلق عليه الإدارة الأمريكية “مناطق عمل لداعش” لتسوغ التدخل في شأنها، ضمن مايسمى ) الحرب على الإرهاب (

 

وكما ذكرنا آنفاً، فإن الخطوة الأولى في حرب الأشباح تبنى على حرب اللاعنف، وتأثيراتها على بنيان وتماسك الدولة في المجتمع، ويهمنا هنا أن نوضح أن حرب اللاعنف قد تفشل وقد تنجح، وذلك وفقاً لمدى تماسك بنيان كل مجتمع والقدرة المؤسسية لكل مؤسسات وأجهزة دولة على تحمل مسئولية الدفاع عن الأمن القومي للدولة، بمفهومه الأوسع والأشمل من فكرة حماية الحدود والشعب، والذي يجب أن ينسحب على حماية الهوية والثقافة والعقيدة والتاريخ، ومن ثم القدرة على صياغة مستقبل أفضل للوطن.

 

ماهية أكاديمية التغيير وحرب اللاعنف.

تظل حرب اللاعنف المدخل الرئيسي والمستمر والدائم لمحاولة خلخلة أركان الدولة، وكان إستخدامها في المنطقة العربية في إطار مشروع التغيير وإعادة بناء الشرق الأوسط لصالح إستمرار وجود اليد الأمريكية في المنطقة وحماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وقد كانت هي اللبنة الأولى للمشروع الأمريكي لتقسيم وتفتيت الدول العربية، وحال فشلها مؤقتاً كما في الحالة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، فيتم التحول لإستراتيجية البركان للتفجير الذاتي للمجتمع مع إستمرار الحشد من قبل المتدربين على حرب اللاعنف على إعمال آلياتها، ومن المعروف أن التكتيك الأمريكي تجاه المنطقة العربية قد شهد تحولاً فارقاً مؤخراً بحيث لا يتم من خلال تواجد قواتها على الأرض، وإنما من خلال تعاونها مع أنظمة حليفة لها وعملاء غير مباشرين تم تدريبهم على تفعيل هذه الآليات

والإدارة الأمريكية وهي تقدم على هذا التحول كانت تعرف أن حكومات المنطقة سوف تسقط يوماً وسيكون هناك تغيير شامل لإحلال حكومات جديدة. ولذلك، قامت بتحضير مشروع الشرق الأوسط الجديد، ليكون قادراً على إعادة تركيب المنطقة بما يتماشى مع الطبيعة الأيدولوجية للتيار الذي سيحكم لاحقاً.

وكانت البداية مبكرة وتحديداً فى عام 2004 عندما فكر عدد من المهتمين بهذا المجال فى تدشين أول مؤسسة تهدف لتدريس فنون التغيير فى المجتمعات التى تعانى القهر السياسى والاجتماعى. وحسب التعريف الوارد بالصفحة الرسمية للأكاديمية فإنها مؤسسة علمية بحثية عربية الهوى عالمية النشاط، تهتم بتزويد العقل بأدوات الفعل الاجتماعى والسياسى ليكون قادراً على ممارسة التغيير والتحول الحضاري. فكان أن تأسست “أكاديمية التغيير” فى لندن فى مارس عام 2006. ثم تأسس فرع الدوحة فى 6 سبتمبر 2009 وهو الفرع الذى جُمد نشاطه فى يونيو2010، وأغلق فى يونيو 2012، ثم تأسس فرع فيينا فى 1 مايو 2010، ومن يبحث خلف مؤسسى أكاديمية التغيير يجد مفارقات عديدة. حيث نجد ثلاثة من الشباب المصري من المؤسسين الأوائل للأكاديمية، أهمهم وأخطرهم الدكتور هشام مرسى مؤسس ورئيس أكاديمية التغيير وهو زوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوى وعلاقاته ممتدة ومتشعبة بالمسئولين فى قطر ودول الخليج. والدكتور هشام مرسى شارك فى مظاهرات ثورة 25 يناير وألقى القبض عليه، لكن تم إطلاق سراحه بتدخل من السلطات البريطانية التى طالبت بالإفراج عنه باعتباره يحمل الجنسية البريطانية بجانب الجنسية المصرية.

وفي الخلف من هؤلاء الشباب المصري، يقف القطري الإخواني “جاسم بن سلطان” الذي روج لمفهوم النهضة، والذي تحالفت معه السلطة القطرية في إطار أمن مكره، وفي الوقت ذاته توجيهه لمشروعها الكبير. فتم حل الجماعة في قطر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي في مقابل أن تقوم قطر بدعم الجماعة دعماً كاملاً وفعالاً خارجياً.

ويعد جاسم بن سلطان منظراً إخوانيا بالدرجة الأولى، وقد عكف بعدها على إعداد مشروع النهضة، وأصدر 22 كتاباً، كلها متسقة مع فكرة التنظيم العالمي للأخوان المسلمين، وأهمها: “مِن الصحوة إلى اليقَظة.. إستراتيجيَة الإدراك للحراك”، “قوانين النهضة.. القواعد الإستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري”، “فلسفة التاريخ”، “الذاكرة التاريخية.. نحو وعي إستراتيجي بالتاريخ”، “التفكير الإستراتيجي والخروج مِن المأزق الراهن”، “قواعد في الممارسة السياسية”، “خطوتك الأولى نحو فهم الاقتصاد”، وغيرها مِن الكتب.

ويقوم مشروع النهضة على إدعاء تفكيك حالة اليأس لدي الشباب، ومساعدتهم  علي تحديد الأدوار وأولوياتها. وكيف يتسني للشباب أن يكونوا في ذواتهم مشروعاً نهضوياً، أو أن يصنعوا هذا المشروع أو يدعموه على الأقل. ويتأتي ذلك من خلال تبسيط الأفكار الكبري للنهضة لفهمها وتمريرها من خلال الشباب. ولما كان المشروع في جوهره قائماً علي تفتيت الأنظمة العربية، وإعادة تشكيلها من جديد وفق المخطط الأمريكي الغربي، فلابد أن يعتمد بصفة أساسية علي نقد هذه الأنظمة، وكيل الإتهامات لها تمهيداً لتحطيم تابوهات الإستقرار والثقة  والصورة التاريخية  والرمز والتضحية من أجل الوطن أو من أجل النظام، وبذلك يسهل تنفير الشباب من هذه الأنظمة وحشده ضدها.

وفى أعقاب ثورة 25 يناير، بدأ الحديث يتردد كثيراً عن تلقى مجموعات من شباب الثورة لتدريبات على ما يسمى بالكفاح السلمى وحرب اللاعنف. وكان نبأ هذه التدريبات قد أثار حفيظة قطاعات واسعة من الشعب، وبدأ الكثيرون يشعرون بأن الثورة لم تكن وليدة الصدفة وإنما سبقتها تدريبات وتخطيطات. ولم تتوقف الأكاديمية عن تقديم الدورات التدريبية بل تعلن من حين لآخر عن تنظيم كورسات فى حرب اللاعنف مستمرة حتى الآن، والأكثر خطورة هو سفر مجموعة كبيرة من الشباب المصري إلى تركيا مطلع ديسمبر القادم لتلقي دورة تحت مسمى “دور جيل التغيير”.

وبغرض نشر أساليب حرب اللاعنف، وضعت الأكاديمية كتبا حول النشاط السلمى من بينها كتب (حلقات العصيان المدني) و(حرب اللاعنف. الخيار الثالث) و(زلزال العقول) و(الدروع الواقية من الخوف)، هذه الكتب تتضمن شرحاً مكثفاً لوسائل إسقاط النظم ومعارضة الحكومات والتصدى للشرطة والتدريب على الاعتصام المدنى والإضراب والحشد وتوظيف التكنولوجيا الحديثة فى الثورات، وقد يصل الأمر إلى حد التطرف عندما يسىء البعض استغلال هذه الأفكار فى العمل على إسقاط الدول، وإشعال الانقسامات والتحدى المستمر للسلطات ومقاومتها مما يتسبب فى استمرار الفوضى.

ومن ثم، تقوم اكاديمية التغيير بتدريب الشباب في الدوحة وفيينا وعبر الانترنت ومواقع اليوتيوب وتحت عناوين كثيرة منها أفكار الثورة، وأفكار للثوار، وكيفية التعامل مع القوى التقليدية، وتكتيكات التفاوض، وأسلوب رفع سقف المطالب، وتنفيذ خطوات العصيان المدني، وإبراز بعض المعاني الرمزية مثل : حمل المصاحف وإضاءة الشموع ودق الطبول وحمل الأعلام الوطنية. ويعتبر بذلك مشروع النهضة هو المنظر والمرجع لأكاديمية التغيير، ويصبَّان معاً في رافد واحد هو الشباب ودفعهم للتغيير والإحتجاج .

ولعبت أكاديمية التغيير دوراً مهماً في العلاقة بين شباب العالم العربي والإستخبارات والمؤسسات الأمريكية، التي وضعت مشروع التغيير في الشرق الأوسط.  ودور آخر لا يقل أهمية، وهو التواصل مع الشباب الليبرالي الذي لا يقبل العمل تحت سقف الإسلاميين، ومن ثم جمع الإسلاميين والليبراليين تحت مظلة عمل واحدة نحو إزاحة الحكومات عبر واجهة ليبرالية ومضمون يعمل لصالح التنظيم الدولي للإخوان ومشروعه الأممي.

لماذا إحتضنت قطر التغيير وليست تركيا؟

 

لم تكن قطر مجرد وكيل أو حليف لأمريكا في المنطقة، أو شريك مصلحة، ولم تكن علاقتها بالمشروع الأمريكي تبدأ من مرحلة ثورات الربيع العربي، بل هي عنصر أساسي في نجاح المشروع الأمريكي الذي ارتبطت به منذ مرحلة مبكرة، فعلى أراضيها كانت تتم الخطط التنفيذية لإدارة وتفعيل المشروع الأمريكي.

ففي مطلع فبراير عام 2006، عقد في الدوحة “منتدى المستقبل”، وسط اهتمام كبير من قبل الحكومتين القطرية والأمريكية، هذا المنتدى ليس سوى حلقة نقاش وإعداد للمؤامرات من قبل المخابرات الأمريكية، حيث تبين أن هناك مشروعاً قطرياً أمريكياً يعد على هدوء، قوامه التحفيز على الإصلاحات الديمقراطية، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني.

وبعد جهد طويل خرج ما يطلق عليه “مشروع مستقبل التغيير في العالم العربي” وتم توزيع المهام. قطر تعمل على جانب الإسلاميين، وأمريكا على الجانب المنفتح من الشباب الليبراليين. هذا التعاون أثمر كثيراً في تحفيز الشباب على قيادة التغيير باستعمال أدوات الإعلام الحديث والتواصل الألكتروني الاجتماعي من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها.

وأصبحت قطر صاحبة الدور الأهم، لأنها الدولة التي تتحدث العربية التي تتكلمها شعوب المنطقة، فدولة مثل تركيا شريكة في هذا المشروع، ولكن دورها يختلف عن دور قطر ومسألة اللغة والثقافة عامل حاسم في هذه الخطة. فالدور القطري كانت مهمته الرئيسية تعريب المشروع الأمريكي، حتى لا يبدو وكأنه مؤامرة على المنطقة، بل حركة طبيعية ذاتية تسعى وراء التغيير. وقامت قطر على إدارة الجزء المخصص لها عبر الخطوات التالية:

 

  1. كسب ثقة الشعوب العربية إعلامياً.

 

  1. النفوذ بين الإسلاميين وكسب ثقتهم وإدارتهم.

 

  1. تقديم خطاب تنفيري من الواقع العربي الماضي والمعاصر.

 

  1. دعم الجماعات والحركات الإسلامية مالياً وإعلامياً.

 

  1. انتظار لحظة الوهن للحكومات الراهنة.

 

  1. الدعم المالي والإعلامي لإسقاط الحكومات، ودعم الحلفاء الإسلاميين لإحتلال مقاعد الحكم.

 

وقد نجحت قطر في مهمة النفوذ داخل الشعوب العربية، عبر “أكاديمية التغيير”، وعبر آلتها الإعلامية الضخمة “الجزيرة”. ومن خلال إهتمامها بقضايا المنطقة وأزمات الشعوب مع الحكومات، كسبت ثقة الحالمين بالسلطة وهم “الإسلاميون”، لا سيما فصيل الأخوان المسلمين، الذي هو رجل المشروع من البداية، فهي من جهة حركة تقبل التحول لليبرالية طالما الأمر يتعلق بالسلطة. ومن جهة أخرى، تؤمن بـ”أممية العقيدة” فهي لا تعترف بالحدود الجغرافية، وبذلك يسهل تحريكها لدعم قوى أخرى مشابهة، وإعادة تشكيل المنطقة وذلك في خدمة المخطط الأمريكي.

 

ماذا بعد؟

 

من كل ما سبق، نخلص أن المستهدف الحقيقي من الحرب الشبحية المشنة على مصر، يكمن من جهة في تمزيق نسيجها الوطني عبر إثارة الحرب الجيلية، والمقصود بذلك هدم قيم المجتمع وخلق جيل جديد لا يعول كثيراً على خبرات من سبقوه ولا يهتم كثيراً بثوابت دولته الوطنية، ويتم حضه على مقاومة القانون وعدم إحترامه بحجة أن مشروعية حق الشباب تتفوق على شرعية القانون. بما يخلق جيلاً متمرداً على كل شيء أسرته الصغيرة، معلميه وأساتذته، مجتمعه ووطنه.

أما الهدف الأكثر خطورة، فهو استهداف المؤسسة العسكرية الوطنية، عبر إفقاد المواطنين الثقة فيها، وخلخلة الثقة داخل المؤسسة بين الجنود والقادة، ومحاولة جر المؤسسة العسكرية بأي طريقة لمواجهة مع الشعب، وأخيراً العصف بالصورة الذهنية للمؤسسة وإفقادها هيبتها خاصة بعد المناورة بدر الأخيرة وما تلاها من عمليات إستهدفت رجال القوات المسلحة مباشرة.

والتعامل مع هذه التهديدات والمخططات المختلفة، يتطلب تبني إستراتيجية إعلامية تعتمد على المهنية والموضوعية، ولا تبحث عن أولوية السبق الإعلامي السائد منذ الفوضى التي تلت ثورة 25 يناير، إعلام يعلي ويقدس المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن، إعلام حرب يعيد تشكيل الرأي العام لتبني الثوابت الوطنية وتقويتها بدلاً من إعلام يتسابق لتفسير أي حادث إرهابي قذر دون توفر معلومات بما يؤدي إلى بلبلة وتشويش الرأي العام، إعلام يثق أن مؤسسات الدولة قوية فيحترمها ويدعمها في أداء دورها بدلاً من الضغط عليها في سبيل السبق الإعلامي. إعلام في سبيل السبق يساهم في نشر المخطط الداعشي ويحقق المصلحة الأبعد في نشر الفوضى الخلاقة، هو إعلام يجب عليه أن يتوقف ويسأل نفسه هل هذه هي مراعاة الله والضمير الوطني في توصيل رسالته للجماهير؟. إعلام يكشف الحقائق والمخططات الرامية لهدم الدولة، له أهمية كبرى في نشر الوعي بين المواطنين والعمل على الحفاظ على إستقرار مؤسسات دولته التي توافق مع خارطة مستقبلها.

والدولة مطالبة بتطبيق حاسم وعادل وناجز للقانون لفرض هيبتها دون مراعاة لأي إعتبارات أو ضغوط من هنا أو من هناك. الدولة مطالبة بالكشف السريع لمواطنيها عن كل ما يتوافر لديها من معلومات، بدلاً من تركه فريسة لتحليلات زائفة مغرضة تجعل المواطنين بنفكون شيئاً فشيئاً عن دعمها. الدولة مطالبة شعبياً أن تضرب بقوة على يد الداعين لإسقاطها والخروج عليها في ثورة مسلحة، تكون تتويجاً أخيراً لمراحل حرب الأشباح التي تتصاعد بين يوم وآخر في الداخل المصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...