web analytics

ما هو مصير منابر الاخوان الإعلامية

منذ الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي المصري، وهي تحاول الإمساك بكل منفذ إعلامي يتيح لها فرصة البقاء. فمرة تذهب الجماعة للخارج في محاولة للإستعداء على النظام الحاكم، ومرة أخرى تأتي للداخل علها تستعيد جزء من حشود متظاهريها، إلا إنها أمام الفشل في الخارج واختفاء الأنصار في الداخل، لجأت اضطراريًا للاكتفاء بأصواتها الإعلامية، كظاهرة صنفها البعض بـ “بالظاهرة الصوتية” التي لازمت “التنظيم”،  لتقول إن ثمة جماعة كانت هنا وتحاول البقاء.

“الماكينة الإعلامية” للإخوان التي يبدو إنها تتناغم مع حالة جماعتها من ضعف وحصار، تحاول أن تستعيد قوتها النسبية بعد الإعلان، منذ يومين، عن حوار ستجريه قناة الجزيرة القطرية، غدًا السبت، مع القيادي الإخواني محمود حسين، الامين العام لجماعة الإخوان. وفور الإعلان عن اللقاء سادت حالة من التخوف داخل شباب الجماعة، الذي بادر باتهام “حسين” بانه قرر الظهور اخيرًا للإعلان عن شيء قالوا انه سيفسد عليهم استعداداهم للنزول في تظاهرات في 25 يناير القادم.

برصد الخريطة الإعلامية للجماعة الإخوانية، تجدها رغم تغيرها المستمر منذ 30 يونيو وحتى الآن، إلا إنها تعتمد على محاور ثابتة ربما يقل قيمة أحدهما أو يزيد إلا انه في النهاية متواجد، وتتمثل هذه المحاور في القنوات الفضائية التابعة للجماعة أو القريبة منها مثل قناة الجزيرة القطرية، المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الإجتماعي.

رؤية الجماعة للإعلام

وبمراجعة الخلفية الإعلامية للإخوان، اتفق باحثون إعلام على إن الجماعة وعت لأهمية أن يكون لها وسائل لمخاطبة الجمهور منذ  نشأتها، حيث ذهب شريف درويش اللبان، أستاذ الإعلام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إلى أن مؤسس الجماعة حسن البنا كان يؤصل لفكر جماعته من خلال مقالات صحفية، علاوة على اتصالاته بصحف لإقناعها بأن تكون بوق للجماعة.

وأوضح “اللبان” في دراسة منشورة له، أن الفترة منذ نشأة الإخوان وحتى  بعد ثورة 1952 بقليل، أسست الجماعة حوالي عشر صحف، أولها كان صحيفة الإخوان المسلمون الأسبوعية وكان ذلك في 1933، وأخرها مجلة الدعوة التي بدأت من 1951 وتوقفت في 1957.

وخلال الحقبة الناصرية كان الجانب الإعلامي للجماعة غير موجود، نظرًا للخلافات التي جمعتها بالدولة، وتحديدًا بعد حادث المنشية 1954 التي اتهمت فيها الجماعة بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وترتب عليها مطاردة الإخوان ووضع اغلب قياداتها في السجون.

بشكل أقل من التضيق، جاءت الحقبة الساداتية، حيث قرب الرئيس الراحل محمد انور السادات، الجماعات الإسلامية إليه بما فيهم الإخوان، إلا أن هذا التقريب لم يكن كافيًا لرفع الحظر عن الجماعة ومن ثم منع إصدار اي صحف تعبر عنها.

وخلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد حسني مبارك، كان الحظر المستمر منذ حقبة عبد الناصر مفروض على الجماعة إلا إنها استطاع ان تفلت منه نسبيًا مع وجود الانترنت واستغلال الجماعة له لإصدار مواقع تخاطب من خلالها المواطن، ويقول شريف اللبان،  “فقد ظهر لاعب جديد لم يكن في الحسبان على الساحة الإعلامية , واستطاعت الجماعة الاستفادة منه وهو الإنترنت, وأصبح للجماعة وجود واسع على الشبكة الفضائية من خلال المواقع الناطقة باسمها. وكانت جماعة الإخوان تعرض من خلال هذه المواقع آراءها في مختلف قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية”.

وعلى مستوى المواقع التي أصدرتها الجماعة للتعبير عنها، جاءت قائمة مكونة من 50 موقع إلكتروني، أبرزهم موقع “الإخوان المسلمين”، و”إخوان أون لاين”، علاوة على الموقع الوحيد الناطقة بالإنجليزية ” إخوان ويب”.

 
في الاول من يوليو, نشرت المونيتور موضوعا كتبته معلقا على كذبة علاج الايدز وكيف تشابهت مع الدعاية التي روجتها قيادة الاخوان المسلمين ونشرتها بلا توقف من خلال شبكتها الاعلامية واسعة الانتشار. في اليوم التالي, نشر الموقع الرسمي للحرية والعدالة – والذي ظل يعمل بعد مصادرة واغلاق الصحيفة الورقية – ترجمة مضللة لكتاباتي وتم ترويجها الاف المرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الواقعة ما هي الا مثال مصغر لأداء إعلام الإخوان المسلمين منذ بزوغ نجمهم بقوة عقب استقالة حسني مبارك في 2011. في الواقع, يعتقد الكثير من المصريين, بما فيهم انا شخصيا, ان الجهاز الاعلامي للجماعة يتحمل مسؤولية شق كبير من خسائرها الفادحة والفوضى التي تعم البلاد وفي بعض الاحيان لطخت يدى هذا الاعلام بالدماء.

فور استقالة حسني مبارك في فبراير 2011, لم يتقدم الإخوان المسلمون فقط لمقدمة الساحة السياسية في مصر, بل أحاطت الجماعة نفسها بخط هجوم مسعور من الصحف والقنوات الفضائية وأنشطة التواصل الاجتماعي. وبحلول نوفمبر من نفس العام, لم يخل ركن من اركان الاعلام المصري ممن يدعمون الجماعة في عامها الخامس والثمانين, واستحوذت الجماعة على 47.5 في المائة من اول برلمان مصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.

أما بوصول محمد مرسي للحكم في يونية 2012, أصبح الجهاز الإعلامي للإخوان المسلمين عنيفا لدرجة أضرت بالجماعة وتحول بعدها تدريجيا إلى جهاز تدمير ذاتي.

“يدعون أن الإعلام تامر ضد مرسي لكن الحقيقة أن الجماعة سارعت للسيطرة على الصحف والقنوات المملوكة للدولة وأنشأت اكثر من عشر قنوات إعلامية خاصة هاجمت المعارضة ودعمت النظام الحاكم رغم فشله،” كان هذا رأي المدون المصري “ذي بيج فيرو” الذي يظل اسمه الحقيقي مجهولا للكثير من الالاف من متابعيه.

“أحد الأسباب الرئيسية لإنقلاب العامة عن الإخوان المسلمين وإتباعهم بعض قنوات المعارضة هو كم الخداع والتوحش الذي وصل له خطاب الإخوان, وساعد أدائهم على عزل مرسي لاحقا.”

يوم الخامس من ديسمبر 2012 كان بمثابة لحظة فارقة للإخوان والشعب عامة. إندلعت المواجهات امام قصر الاتحادية في شرق القاهرة بعد نداء من القيادي الاخواني خيرت الشاطر الذي أمر اتباعه بمهاجمة افراد المعارضة المعتصمين خارج أسوار القصر. انتشر نداء الشاطر بشكل هستيري عبر إعلام الجماعة وكانت النتيجة مقتل 11 فردا وإصابة المئات.

“يتحمل الإخوان المسلمون مسؤولية الضحايا بما فيهم ضحايا الإخوان الذين اصابهم أذى في هذه الليلة,” كان هذا رأي “ذي بيج فيرو” الذي يعتقد هو والكثير من المصريين ان إعلام الاخوان لا يختلف عن الإعلام الداعم للسيسي الذي ينتقده الإخوان منذ عزل مرسي وصعود عبدالفتاح السيسي الى الرئاسة.

قال بيج فيرو: “كلاهما يكذب ويحرض على العنف وكلاهما مسؤول بالتساوي. أماني الخياط لا تختلف في وجهة نظري عن خالد عبدالله.”

أوقفت أماني الخياط, مذيعة اون تي في المتألقة, عن العمل الاسبوع الماضي بقرار من صاحب القناة والميلياردير الشهير نجيب ساويرس بعد أن وجهت اهانات فجة للمملكة المغربية على الهواء مباشرة.

“انتو عارفين ان من اهم اقتصاديات المغرب هي اقتصاديات الدعارة؟” قالت الخياط مخاطبة جمهورها اثناء تعليقها على الدور المحتمل للمملكة المغربية في الحرب الدائرة حاليا بقطاع غزة وبعد خطاب موجه للمملكة من خالد مشعل, رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

أما خالد عبدالله على الجانب الاخر, فكان من المع مروجي محمد مرسي احد مقدمي برامج قناة الناس التي اغلقت بعد عزل مرسي. تم منع خالد عبدالله من الظهور الاعلامي بحكم قضائي في 2013 بعد أن خصص عددا من الحلقات لمهاجة الممثلة المصرية إلهام شاهين. بدأ الهجوم على شاهين بعد محاكمة عبدالله بدر, مروج أخواني اخر, والذي حبس بتهم التشهير بعد اتهامه الممثلة بترويج العري والدعارة عبر افلامها السينيمائية.

وبالرغم من فجاجة إعلام الاخوان المسلمين خلال فترة حكمهم القصيرة إلا أن ادائه بعد عزل مرسي تحول الى مصيبة أكبر. يرى الكثير ان اعلام الجماعة تعمد تضليل أتباعه وقادهم بشكل غير مباشر الى القتل في العديد من جولات القمع التي انتهت بما وصفته منظمة هيومان رايتس واتش العالمية “أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث”

“المنصة التي تم اقامتها بميدان رابعة العدوية وأصرارها على العناد ونشر المعلومات المغلوطة ساعدت في ما ألت اليه الامور في اعتصامات الإخوان,” قال محمد سيد الذي ذكرت قصة أمه التي تصارع المرض في كتاباتي التي ترجمها أعلام الجماعة بما يتناسب مع مصالحهم.

لمدة خمسة اسابيع في ميدان رابعة العدوية, كنت المنتج الميداني لأحدث افلام بي بي إس فرونتلاين, ايجيبت إن كرايسيس, استمعت الى المنصة يوميا, جلست في مقابلات مطولة مع قيادات الاخوان من جميع المستويات وشهدت شخصيا الجولة الاولي من القتل – وكانت بمثابة اعلان صريح عن مدى دموية النهاية القريبة – والتي وقعت امام نادي الحرس الجمهوري. قتل واحد وخمسون من اتباع الاخوان المسلمين في هذا اليوم، بعد أن دفعوا بإشاعات القيادة المضللة التي ادعت اعتقال محمد مرسي داخل المبنى العسكري.

“إعلام الجماعة ينتقي ما يظهره بمظهر الضحية لأن الحقيقة في بعض الاحيان تدينهم, هذه الترجمة مثال على ذلك وهي على الاقل سيئة النية وكاذبة,” أضاف محمد سيد في حواره مع المونيتور.

ذي بيج فيرو ومحمد سيد, وكلاهما ليبرالي, أكدا على عدم وجود اي تبرير للمذبحة التي ارتكبتها السلطات المصرية, لكن لا شيء يعفي الإخوان المسلمين من المسؤولية ايضا.

لم يتفق الليبراليين وحدهم على هذا الرأي. أحمد قاسم, وهو سلفي يعرف الكثير ممن شاركوا في اعتصام رابعة وبعض من قتلوا فيه، انتقد الأخوان بشدة على الرغم من اعتراضه على مدى تحملهم لمسؤولية الدماء المراقة.

“إعلام الاخوان المسلمين لا يحاول الوصول الى الاخرين, هو إعلام موجه ويقوم بتوجيه تابعي الجماعة حسب سياستها. إعلامهم لم يقض فقط على الفرص الذهبية التي توفرت لهم اثناء وجودهم في الحكم بل أيضا دمر سمعتهم والتعاطف الشعبي الذي حصلوا عليه يوما ما,” قال قاسم في حواره مع المونيتور. “أما بالنسبة لفض اعتصام رابعة فالأمر معقد وأعتقد ان الاخوان يتحملون مسؤولية ضئيلة بينما يتحمل النظام كامل المسؤولية عن الدماء.”

بالرغم من هذا, يعتقد قاسم انه كان على الاخوان أخلاقيا ان يعطوا لاتباعهم تقييما أمينا عن وضعهم المتدهور وحرية ان ينصرفوا عن الاعتصام بسلام, بينما يؤكد ذي بيج فيرو أن قيادات الاخوان “كانوا قادرين على انتزاع فتيل الوضع المميت ولم يقوموا بذلك, على العكس, ظل أعلامهم مصرا على تضليل اتباعهم.”

وعلى مستوى مشابه لكن اكثر جدلا, نشر عبود الزمر, القيادي بالجماعة الاسلامية الذي خطط لإغتيال الرئيس أنور السادات في 1981 وبعدها قاد المراجعات الفكرية التي نبذت العنف, مقالا يوم 29 يونية يتسائل فيه “عن تفاصيل ما دار بين يوم 30 يونية (المظاهرات الحاشدة) ويوم 3 يوليو (يوم عزل مرسي)” في ظل معرفة محمد مرسي وجماعة الأخوان “انه يوجد فقط خيارين, اما التنحي او العزل بتدخل الجيش.”

سأل الزمر سؤالا اخر اكثر اهمية: ” نذهب إلى المشهد الثاني الخطير وهو مشهد رابعة فبأي دليل شرعي تم ترك الآلاف من الرجال والنساء والأطفال دون أن يؤمروا بالخروج من المكان قبل المداهمة؟ ثم ماهو الدليل على الحث على الثبات بالصدور العارية تحت صدمات النيران؟ وماهي المصلحة العليا التي تحققت من هذا المشهد؟”

“نرجوا التوضيح.”

وإلى الان, لم تعالج الترجمة المضللة لمقالتي المنشورة في المونيتور بالرغم من اعتراضي الرسمي لموقع الحرية والعدالة, وتم تجاهل طلباتي المتكررة للتعليق والتي اوصلتها الى الموقع الرسمي, والى متحدث سابق للجماعة والى مسؤول التواصل الاجتماعي الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...