web analytics

“مسخرة” كشف العذرية

يرتبط مفهوم الشرف لدى مجتمعاتنا العربية بعذرية المرأة الممثلة في غشاء البكارة، ولسنوات ظهرت حالات في بعض الدول العربية يطلب فيها الشاب من خطيبته الخضوع لما يسمى «فحص العذرية»، من باب الاطمئنان على شرفها قبل استكمال خطوات الزواج، وعلى الرغم من قدم الظاهرة إلا أنها على خلاف ما يتوقع لها أن تقل وتختفي، عادت للظهور من جديد، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الناشطين في حقوق المرأة، باعتباره طلباً فيه انتهاك وإهانة لكرامتها، رافضين أن يرتبط فحص العذرية بالشرف والعفة. وما بين الرغبة في الاطمئنان والإهانة تثور تساؤلات كثيرة نحاول الإجابة عنها في التحقيق التالي.

 

معناه الشك

تقول تهاني م . ص «أم ـ من مصر»: «أرفض رفضاً قطعياً هذا الطلب، لأنه يعني الشك، والشك أولى درجات الانفصال أو الحياة التعيسة بين اثنين حتى وإن كانا يحبان بعضهما بعضاً».

 

لن ترضاه أنثى

وتضيف سماح عباس «زوجة»: «لا يمكن لأنثى أن ترضى لنفسها بتوقيع كشف العذرية عليها، لأنه يحمل في ثناياه اتهاماً باحتمال التخلي عن الشرف، وفي الوقت نفسه اختصارها في مجرد غشاء بكارة، في حين أن شرف المرأة أهم وأكبر وأعظم من ذلك»، مضيفة: «لا يمكن لأي علاقة زوجية أن تستمر لو بدأت بهذا الشك أو دخلها في أي من مراحلها فلا يخيل لبعض الرجال أنهم يحافظون على العلاقة بهذه الطريقة وإنما يقضون على الاستقرار والطمأنينة والسكن لمصلحة شكوك».

 

فحص الفحولة

أما «مها ح. ز»، من مصر، فتقول: «ماذا يفعل الشاب إذا طالبته خطيبته بفحص الرجولة قبل أن تتزوجه؟ هل سيوافق أم يعتبرها إهانة كبرى؟».

 

فهم خاطئ

بينما يقول صالح سمير، أعزب من مصر: «من حق الفتيات أن يفهمن طلب الشاب توقيع كشف العذرية بشكل خاطئ ويحمّلنه على محمل الشك والريبة، ولاسيما أن الرجل أو الشاب يسيء استخدام ما يمكن أن نسميه حقاً إذا أراد أن يطمئن ويريح قلبه، إذ يمكن للرجل أو الشاب أن يعرف ما يريد عن فتاته قبل الزواج دون أن يسألها سؤالاً واحداً، وإذا حدث وسألها فعليه أن يحافظ على مشاعرها وألا يجرحها أو يسبب لها إهانة».

 

تجربة مريرة

ويضيف سامح توفيق: «قد تكون هناك دوافع للرجل كي يقدم على هذه الخطوة كأن يكون قد مر بتجربة قاسية ولا يريد تكرارها، ولكن من حق الفتاة أن ترفض أو تقبل».

 

لا تسألني

من بيروت تقول رينا ماجد، 25 عاماً ـ موظفة: «لا يمكنني أن أقبل فكرة أن يأتي شاب ويطلب مني هذا الطلب، فمن المعروف أن الفتاة في مجتمعنا تبقى بنتاً إلى أن تتزوّج، فما من داعٍ لسؤالها وإن أي طلب لعرضها على طبيب لفحصها، فهذا الأمر إهانة لها ولأهلها وبالتالي هو من أسوأ أنواع الشكّ، وإن تعرضت لموقف مماثل فإنني من المؤكد لن أقبل بالاستمرار مع هذا الرجل لأن الشكّ في شرف الفتاة يجرّ إلى شكوك أخرى وويلات بعد الزواج، والرجل الذي يفكّر بهذه الطريقة مريض نفسي، ولا أعتقد أن مجموعة شرايين متلاصقة تثبت أن الفتاة صالحة للزواج، هذا أمر مؤسف، وأعتقد أن الشبّان بدأوا يتخطونه».

 

 

 

 

لم يعد رائجاً

يضيف معن بصل، 32 عاماً، متزوج من لبنان: «لا أعتقد أن موضوع فحص غشاء البكارة لايزال رائجاً كما كان في السابق، وعندما يكون الشاب والفتاة على علاقة تدعمها الثقة فإنه لن يكون بحاجة إلى عرضها على الطبيب لفحصها، وعلى الفتاة أن تكون صريحة وتحكي قصتها قبل الزواج ولا تترك أشياء مخبّأة عن الرجل وهو بهذه الحالة يكون حرّ الاختيار وبفعل ما يراه مناسباً».

 

 

 

 اعتداء على الجسد

من جانبها، قالت المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد، من عمان: «إن فحص العذرية إهانة لكرامة الفتاة واعتداء على جسدها، ولا يقبل بأي حال من الأحوال أن تخضع الفتاة لمثل هذا الفحص إلا في حالة الشبهة الجنائية أو الشكوى بوجود اعتداء جنسي عليها يقرره القضاء ويجريه الطب الشرعي المختص»، مشددة على أن العلاقة الزوجية علاقة قائمة على المودة والرحمة، والثقة ركن أساسي فيها، والشك يهدم هذه العلاقة وينغصها، وقبول المرأة بتشكيك الرجل فيها قبل الزواج سيكون مقدمة لعلاقة تكون فيها طرفاً يقع عليها العنف بمختلف أشكاله.

 

 

 

 تعريف «فحص العذرية»

عرف هاني جهشان، المستشار الأول للطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة، «فحص العذرية» بأنه إجراء بهدف التحقق من سلوك وأخلاق الفتاة، وعلى الرغم من شيوع إجرائه في الطب الشرعي وبعض التخصصات الطبية الأخرى، إلا أنه يتعارض مع الأصول العلمية والمعرفية، وينتهك الأخلاقيات المهنية للممارسة الطبية، موضحاً أنه يجب التفريق بين «فحص العذرية»، وبين التقييم الطبي لضحايا العنف الجنسي، والذي يتم بناء على طلب جهة قضائية مختصة، وهذا الكشف لا يصنف كفحص عذرية، مضيفاً: «قد يطلب الفحص بسبب عدم ظهور ما يسمى «علامة العذرية» أو «الدم» عقب أول اتصال جنسي عند الزواج، ما يولد الشك في زوجته بحسب اعتقاده، وهنا قد تطلب الزوجة الفحص عند عدم ظهور علامة العذرية لإثبات عذريتها، وقد يطلب الفحص من قِبل الزوجة المطلقة قَبل زواجها من رجل آخر لتوثيق أنها لاتزال عذراء على الرغم من حصول الخلوة الشرعية مع زوجها السابق». واعتبر جهشان أن فحص العذرية مازال ممارساً في بعض الدول العربية من أطباء شرعيين وفي بعض الأحيان من أطباء خارج تخصص الطب الشرعي، تحت ضغوط كبيرة من ثقافة سائدة مغلوطة، ويتم ذلك في ظروف تتصف بإهانة المرأة وإذلالها ويمتد ليشكل انتهاكاً لجسد المرأة وتعدياً على الاستقلالية، بل يعتبر شكلاً من أشكال التعذيب وانتهاكاً لحقوقها بالاستناد للاتفاقيات الأممية التي تشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

 

 

 

 حق وواجب

يقول الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: «لا توجد مشكلة إذا طلب الشاب توقيع الكشف العذري على فتاته التي يريد خطبتها ولكنني لا أحبذ ذلك، فإذا كان مقتنعاً بأخلاقها فلا مانع ويمكن معرفة ذلك، أما إذا ارتاب فعليه أن يبحث عن زوجة أخرى دون أن يجرح مشاعر الناس»، مضيفاً: «طالما لم تكن هناك قضية يفصل فيها، فأظن أن طلب أحدهما توقيع الكشف الطبي يقضي على الثقة بينهما وبالتالي فالأفضل الابتعاد عن طرح مثل هذه الشروط، لأن نتيجة الكشف مهما كانت سوف تسيء إلى أحد الطرفين وتسبب له حرجاً، ولا أظن أن الحياة سوف تستمر بينهما، وإذا استمرت فسوف تكون مليئة بالشك والريبة»، وتابع قطب حديثة فقال: «إذا كان الدين الإسلامي يعطي حقاً للرجل فإنه يطلب منه واجباً في الوقت ذاته بالتلطف في طلب هذا الحق وعدم الإساءة في استخدامه، لأن ذلك يكون له أثر سيئ في المستقبل على الحياة بينهما».

 

"مسخرة" كشف العذرية

 

علاقات من نوع آخر

يقول د.رائد محسن، إخصائي اجتماعي واستشاري علاقات زوجية: «إن أي طلب لأي فتاة يخصّ فحص غشاء بكارتها يعتبر إهانة كبيرة لها ولا علاقة له بالحماية، إذ علمياً قد تولد الفتاة من دون غشاء بكارة، وبالتالي لا يمكن التأكد من ذلك، وعند الفحص قد يظهر الأمر أو لا يظهر، ما يمكن له تأسيس مشكلات وأزمات عندها، ولمن يقول أو يدّعي الحماية، فعن أيّ حماية يقصد؟»، مضيفاً: «يجب القول إن الغشاء ليس دليلاً على أخلاقيات الفتاة أو عدم ممارستها التجارب الجنسية، أما عن إمكان استمرار الزواج بعد الشكّ وطلب الفحص فهذا يعود إلى الفتاة نفسها التي تعرف أن هذا الرجل شكّاك منذ البداية، وهو مؤشر لمشكلات لاحقة، ودوافع الرجل ليست عديدة بل هي أولاً ترتبط بكونه يريد أن يثبت لنفسه أنه الأول في حياتها، وثانياً لأنه تربّى على مفهوم أن الزواج مرتبط بغشاء البكارة، وأخيراً أقول يحقّ للفتاة سؤال الرجل فيما تريد أن تطلب منه فحص ذكوريته مثلاً ويحقّ للشاب أن يطلب من الفتاة ما يريد وتبقى التلبية للطلبات خياراً».

 

"مسخرة" كشف العذرية

 

إهانة كبيرة

تقول نادين شحادة، إخصائية نفسية: «هذا الطلب من أسوأ أنواع الطلبات التي تؤكد شكّ الرجل بالفتاة التي يريد الزواج بها، موضوع غشاء البكارة هو نظرة قديمة ولدت في المجتمعات العربية وتربينا عليها، وبالتالي لا يمكن لها أن تغادر العقول بسهولة، ودوافع الرجل لها علاقة كبيرة بالذكورية التي تسيطر عليه، فالرجل الشرقيّ يجب أن يكون هو الوحيد في حياتها، والمؤسف أن التربية الجنسية تغيب عن مجتمعاتنا، فالأم تتكتّم على الأمر والأبّ لا يسمح حتى بطرحه، وهذا يبرر جرائم الاغتصاب في مجتمعاتنا وتعنيف المرأة والطلاق والخيانة وغيرها من الأمور».

 

 

 

لا ثالث لهما

تقول د.هبة قطب، مختصة بالعلاقات الزوجية وأستاذة بطب القصر العيني: « العذرية ليست الدليل الوحيد على عفة المرأة وأخلاقها وشرفها، فكثير من الفتيات يفقدن شرفهن الأخلاقي من خلال ممارسات لا تفضي لفقد العذرية»، مضيفة: «أصحاب هذا المنطق نوعان من الشباب لا ثالث لهما، فإما أنه ساذج وسطحي وغالباً ما يضحك الناس عليهم ويكون ضحية في النهاية وإما أنه متأثر بتفكير الآباء والأجداد»، مؤكدة أن بعض الفتيات يجرين عمليات ترقيع لغشاء البكارة ولا أحد يكتشف ذلك، وبالتالي فإن وجود الغشاء ليس دليلاً على الأخلاق.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...