web analytics

هل يستطيع التحالف المصري السعودي وقف التمددات الإيرانية

 

هل يستطيع التحالف المصري السعودي وقف التمددات الإيرانية، سؤال يطرحه الكثيرون في ظل التقارب الذي بدى واضحا بين المملكة العربية السعودية ومصر في الفترة الأخيرة، فالرياض تحاول بكل الطريق تعيد تعزيز علاقاتها التاريخية التقليدية مع مصر كما تحاول أن تتناسى ما فعلته الإمبراطورية العثمانية بدول آل سعود وذلك من أجل التغلب على عدوها التقليدي المتمثل في إيران.

 العداء المصري التركي عائق كبير

ويعتبر العداء الموجود بين مصر وتركيا بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عائق كبير في تشكيل تحالف سعودي تركي مصري، وذلك من أجل صد التمددات الإيرانية في المنطقة التي لا تنتهي إلا بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وتقطيع أوصال حزب الله اللبناني.

 

لعل صناع القرار في البيت السعودي يصبون اللعنات كل صباح على تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي، والتي أتاحت لشركات الطاقة الأمريكية أن تتحصل على النفط والغاز القابعين في قلب الصخور بالقارة الأمريكية، وبالتالي تحقيق الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة، وهو اكتفاء أدى لهبوط أسعار النفط نتيجة صعود الولايات المتحدة كواحدة من أكبر منتجي النفط عالميًا، مما أثر سلبًا على الاقتصاد السعودي المعتمد بالأساس على النفط، وأدى كذلك لعزوف واشنطن عن دورها السابق في الاضطلاع بحراسة الخليج، فالنفط السعودي لم يعد "ذهبًا أسود" في نظر الأمريكيين، بل صار متوافرًا بكثرة في السوق وبأقل من نصف سعره القديم، كما أن السعودية بالتبعية لم تعد "الفتى المدلل" للسياسة الأمريكية.

 

في الحقيقة لم تعد المنطقة كلها مهمة بالنسبة للأمريكيين والأسباب كثيرة، ولكن التبعات في نفس الوقت جسيمة، فالمنظومة الأمنية الأمريكية التي حفظت موازين المنطقة بشكل معيّن منحاز بوضوح بالطبع للخليج وإسرائيل تتلاشى يومًا بعد يوم، والقوة العسكرية الأمريكية التي رسمت ملامح المنطقة بدءًا من قوات حفظ السلام في سيناء، وحتى العمليات العسكرية المتكررة في العراق، والقوات المتواجدة لموازنة إيران في الخليج الفارسي، تنسحب رويدًا رويدًا، لتخلق معها الحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وتفرض على كل طرف البحث عن سند جديد للاحتماء به.

رئاسة أوباما وأطماع إسرائيل

لم تشكل رئاسة أوباما في الحقيقة مفاجأة للإسرائيليين، فهُم عاكفون منذ سنوات على خلق علاقات دبلوماسية وعسكرية قوية مع روسيا والهند والصين، والحفاظ على كل المكتسبات الممكنة من العلاقات مع الغرب لا سيما أوروبا التي سيظل اهتمامها بالشرق الأوسط قائمًا لأسباب جغرافية واضحة، وهم لذلك باقون وآمنون في المستقبل القريب ما لم تحدث مفاجآت كبرى على الرُغم من توجسهم من إيران وانفتاحها على الغرب.

 

أما البيت السعودي فهو مصدوم نوعًا ما من الأسلوب الأمريكي الجديد، ولم يكن غريبًا إذن التوجه الجديد الأكثر حضورًا ونشاطًا دبلوماسيًا وعسكريًا للسعودية، والمشروع الاقتصادي الطموح الذي أعلنه ولي العهد محمد بن سلمان لإعادة هيكلة الاقتصاد، بيد أن خلف تلك النشاطات يكمن طموح أكبر وأسرع من اللازم -مصيره الفشل على الأرجح- للحصول على بديل إستراتيجي سريع للشرق الأوسط القديم على غرار الوجبات السريعة، لن تتمكن المملكة من تدبيره بتحركاتها الواسعة الأخيرة كما تعتقد.

 

 

الملمح الأبرز للتحركات السعودية في السنوات الماضية هو محاولة جذب تركيا بثقلها الاقتصادي والسياسي الجديد في المنطقة إلى مدارها في نوع من التحالف السني لمواجهة إيران، والجسر الأساسي للعبور إلى تركيا هو بالطبع الملف السوري وما أحدثه من توتر بين تركيا وإيران، فقد أسس الطرفان مجلسًا للتعاون الإستراتيجي، واقتربت وجهات النظر بين الطرفين لا سيما بعد وصول الملك سلمان للعرش والرؤية الجديدة التي جلبها من ضرورة الاستفادة من الإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص ضد المشروع الإيراني كمشروع شيعي بالأساس.

 

بيد أن تلك الآمال السعودية ستصطدم بالواقع إن لم تكن قد اصطدمت به بالفعل، فتركيا صاحبة المصالح المشتركة مع السعودية في إطار الملف السوري، والتي أفردت للرياض مساحة في إطار منظمة التعاون الإسلامي -عديمة الجدوى فعليًا- كما ظهر في القمة الإسلامية الأخيرة بإسطنبول وقرارها بإدانة تدخل إيران في دول الجوار، لا يمكن بحال أن تترك شراكاتها المتعددة مع إيران من أجل خلافات الملف السوري، أولًا لأن إيران في تلك المرحلة تخرج من عزلتها الدولية بشكل يوجب على تركيا أن تكون أول المتقاربين منها لتعزيز استفادتها من التعاون الاقتصادي، وهو تعاون سيصبح عاجلًا أم آجلًا تعاون العملاقين الرئيسيين في المنطقة، وخسارة إيران الآن في وقت يتدفق فيه دبلوماسيو العالم عليها سيكون شديد الضرر على تركيا في المستقبل.

 

ثانيًا، تمتلك إيران وتركيا مساحات مشتركة عديدة أبرزها ما يخص آسيا الوسطى، فبلدان المنطقة إضافة إلى أفغانستان وباكستان وتركيا وإيران أعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي التي دشنها البلدان الراغبان في جذب آسيا الوسطى إلى مدارهما بعيدًا عن المدار الروسي، ومصالح الطرفين في هذا الصدد قريبة أيضًا من الصين التي تحاول فتح المنطقة على الاقتصاد العالمي بدلًا من تركها فريسة لانعزال المنظومة الروسية للاستفادة منها وتحقيق مشروع طريق الحرير الصيني الجديد، وهو ما يتناسب حاليًا مع تركيا كعملاق اقتصادي ومع إيران التي ستلحق بالأتراك اقتصاديًا خلال عقد كما هو متوقع.

 

ثالثًا، وعلى مستوى سياسات الطاقة، تدرك أنقرة أنها بحاجة لإيران أكثر من الخليج على المدى البعيد، لأنها بحاجة إلى الغاز الإيراني كبديل للغاز الروسي، ولأن الغاز الإيراني بشكل عام سينتقل في الغالب عن طريق خطوط أنابيب تمر عبر تركيا إلى أوروبا، والراغبة هي الأخرى في تخفيف الاعتماد على الروس، وفي المقابل فإن النفط السعودي لا يحتل نفس المنزلة، فمصادره متعددة واستخدامه ليس كثيفًا مثل الغاز في الاقتصاد التركي، وهو ما يفسر جزئيًا أيضًا العلاقات القوية بين تركيا وقطر، حيث تُعَد الأخيرة من أكبر منتجي الغاز المُسال في العالم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...