“أوليفر ساكس”.. ليس غريباً أن تكون طبيباً وفيلسوفاً
تقرير محفوظ الهلالي
ليس من الضروري أن تكون بروفيسوراً في الفلسفة حتى تصبح فيلسوفاً، فقد يكون من حولك الآلاف حتى ممن لم يكملوا تعليمهم وهم “فلاسفة عباقرة” يتعدون أرسطو، فالحياة تجارب هكذا يكون الفيلسوف، لكننا اليوم بصدد الحديث عن فيلسوف آخر، وذلك على الرغم من أن مهنته تبعد تماماً عن الفلسفة إلا أنه كما قولنا آنفاً الحياة تجارب إنه ” أوليفر ساكس”.
من هو أوليفر ساكس:
تمثل المذكرات الجديدة لدكتور الأمراض العصبية أوليفر ساكس (On the Move) احتفالا متألقا بغزارة التجارب الإنسانية التي تحتويها.
عندما كان أوليفر ساكس، طبيب الأمراض العصبية الشهير، طالباً في المدرسة، دوّن أحد مدرسيه ملاحظة على بطاقة تقييمه كتب فيها “سيكون لساكس مستقبل كبير وربما أكبر مما نتصور”، ويبدو أن المدرس استشرف ببعد نظره مستقبلا باهرا لتلميذه، إذ أثبتت الأيام أن إنجازات ساكس فاقت جميع التصورات، وقد حاول ساكس فعلاً تخطي حدوده العادية، فمنذ طفولته وهو يجمع المواد الكيميائية في المنزل إلى أن كاد يتسبب بحريق بعد عبثه بها، وعندما أصبح شاباً، تعاطى المخدرات في البداية للحصول على المتعة وخوضها كتجربة إلى أن أصبح مدمنا عليها.
وقد عاش ساكس بعيدا عن المنزل، حيث أنهى دراسة الطب، ثم غادر موطنه إنجلترا إلى الولايات المتحدة ليبدأ هناك بناء مستقبله المهني، فقد كان يشعر على الدوام بحاجته لفضاء أرحب وأوسع من محيطه.
وساكس من عائلة تعمل بالطب، فكلا والديه واثنين من إخوته أطباء، وبسبب إصابة أخيه ميشيل بانفصام الشخصية فإن أجواء المعاناة والكآبة التي ملأت منزل العائلة كانت أكثر من قدرة أوليفر –أصغر أفرادها- على التحمل.
كان “ساكس” مولعا بالغوص في أعماق مهنته، وقد طور اتجاها للاهتمام بالأشخاص الذين يجعلهم المرض مهمشين، كالمصابين بالشلل الرعاشي أو التوحد أو ممن يعانون ما نسميه بالـ”خرف” أو الهلوسة أو التهيؤات البصرية لكبار السن، وقد تمكن ساكس من منحهم حياةً من خلال عمله عبر الاهتمام بهم والنظر إليهم كمخلوقات بشرية لها تاريخ وذكريات وليسوا كمرضى فحسب. وقد سعى ساكس من خلال عمله على الجمع بين الاهتمام بالمرضى وشغفه بكتابة قصص حياة الآخرين وكأنه شاهد عليها بطريقة ما.
أشهر كتبه
أما عن أفضل كتب “ساكس” على الإطلاق فهو كتاب “الرجل الذى حسب زوجته قبعة” من أشهر الكتب فى العالم وأكثرها نجاحا فهو كتاب فريد من نوعه بحق ، ألفه “أوليفر ساكس” طبيب الأعصاب المعاين في مستشفيات نيويورك، والكاتب ذو الأصل البريطاني، الشهير عالمياً بمؤلفاته العديدة والتي تعنى بدراسة حالات وتصرفات الأفراد الذين يعانون من اضطراب أو خلل وظيفي في أدمغتهم
ماذا يحكي الكتاب
ويحكي الكتاب قصص غريبة من واقع آخر غريب عن واقعنا الاعتيادي، وشخصيات تعيش كل منها في عالمها المتفرّد والخاص و”الحقيقي” لأنه نابع من حقيقة تفّرد عقل نعتبره “أصيب بخلل” لأن تركيبته باتت مختلفة عن تركيبة عقلنا الإعتيادي. يقص المؤلف حكايات غريبة عن أشخاص “يمكننا القول أنهم مسافرون إلى بلاد لا يمكن تخيّلها” -بلاد لا يمكن، بغير ذلك، أن تكون لدينا أية فكرة أو تصوّر عنها”. كالبحّار الضائع الذي فقد إحساسه بالزمن، يعيش سجين لحظة معينة متكررة على الدوام، وكالتوأم المتّخلف عقلياً والذي يملك القدرة الفائقة على القيام بالعمليات الحسابية بسرعة خيالية، وكالسيدة العجوز التي ترصد حركات المّارة على الطريق وتقوم بتضّخيمها لتصبح مخيفة ومرعبة، وكالرجل الذي يظن نفسه كلباً، وكالموسيقي فاقد القدرة على تمييز الأشكال، والذي ظنّ أن القبعة هي رأس زوجته، وغيرها من الشخصيات التي يروي المؤلف قصصها في أقسام الكتاب الأربعة.
أشهر أقواله
لا أشعر بالوحدة أبدا عندما أكون مستمتعا بوقتي .
يمكننا أن نرى بسهولة في الآخرين ما لا نهتم أو نجرؤ على رؤيته في أنفسنا .
الطبيبُ والمريضُ نظيرانيتّعلمُ كل منهما من الآخر و يساعده ويتوصلان معآ إلى معارف جديدة وعلاج
كان هناك نوع من العاطفة المرتجفة التواقة، وحنين غريب، لعالم مفقود، نصف منسيَ، ونصف متذكّر