إسلاميو هولندا… تصاعد السلفية المتطرفة

2

في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام 2011، قام نحو ثلاثين شاباً وشابةٍ من الجالية المسلمة بالتظاهر ضد قانون حظر النقاب الذي فرضتهُ السلطات الهولندية. جاء المتظاهرون من داخل هولندا ومن بلجيكا للتجمّع في لاهاي، مقر الحكومة الهولندية، وهمْ يحملون لافتات كُتِبَ عليها «ساعدونا، فهم يضطهدوننا»، «إيّاكم والإقتراب من نقابي، إنّ الدعارة جريمة»، «الله غالب على أمره»، «الحرية لا توزّع على المسلمين بالتساوي». قامتْ منظمة «خلف القضبان» الهولندية بتنظيم التظاهرة، وهي منظمة إسلامية تدعو المسلمين إلى التضامن مع المعتقلين المسلمين الذين تعرضوا للظلم. عُرفت المنظمة أيضاً بمعارضتها لقانون حظر النقاب، الذي اعتبرتهُ انتهاكاً لحرية المرأة المسلمة.

كما شهدت هذه التظاهرة حضوراً من قبل «شريعة من أجل بلجيكا» وهو تنظيم سلفي متطرّف، وكذلك نظيره الهولندي «شريعة من أجل هولندا» والعديد من المؤيدين غير الأعضاء. كانَ التنظيمان آنذاك نشطين في ترويج تطبيق الشريعة الإسلامية في أوروبا الغربية، أمّا اليوم فلمْ يعدْ لهما نشاط مؤثر. بعد هذه التظاهرة بفترة وجيزة تأسست حركة «سترات دعوة»، وسوف يكرّس هذا البحث صفحاتهِ لشرح وتفصيل هذه التنظيمات الثلاثة التي حظيت بالكثير من الاهتمام السياسي والحكومي والإعلامي بسبب قيامها بترويج الآراء والنشاطات المصنّفة على أنّها متطرّفة.

عبر المتظاهرون عن غضبهم واستيائهم من الساسة الهولنديين والمجتمع الهولندي، الذي وصفوه بأنه معادٍ للإسلام بشّدة. في ذلك اليوم أجريتُ لقاء مع أحد المتحدثين في التظاهرة، الذي تطرّق إلى موضوعات عدة منها: ضرورة إعادة إحياء «الخلافة الإسلامية» وجمالية «الشريعة» والتفسير السلفي الصارم للإسلام، كما وجّه نقداً إلى بعض الجماعات السلفية الأخرى في المجتمع الهولندي التي لا تتوافق معهُ. بعد مراجعة تفاصيل اللقاء هذا وتحليل معطيات التظاهرة، استنتجتُ أن هناك ظاهرة جديدة تلوح في الأفق وهي «السلفية الهولندية» التي تجاوزت مرحلة التعاطف مع النهج السلفي إلى المشاركة الفعلية في النشاط السياسي.

توجد جماعات سلفية عدة في هولندا لها نشاطات مكثّفة بين عامي 2008 و2009، حيث كانَ السلفيون يتابعون الساحة السياسية الهولندية عن بعد ولكن بشكل عام لم يتعدَّ نشاطهم المناظرات المتلفزة، وبعض المقالات المنشورة عبر مواقعهم على الإنترنت. ولكن بعض الجماعات السلفية كانت ترفض حتى هذا المستوى المحدود من النشاط السياسي وكان أصحابها يسعون إلى الابتعاد من الحياة السياسية والتظاهرات قدر المستطاع رغم كونهم جزءاً من النقاش السياسي في هولندا، فباستثناء بعض المناظرات مع رجال دين مسيحيين. كانت معظم نشاطات الدعوة التي يقومون بها موجّهة إلى الجالية المسلمة ضمن فضاءاتهم الخاصة أو في المساجد. لمْ يكن السلفيون في هولندا قد شاركوا أو نظموا أي تظاهرة من قبل، كما أنّ المزيج المتكون من التفسير السلفي المتطرّف للإسلام ودعواتهم لتطبيق الشريعة كانَ ظاهرةً مستحدثة.

بعد التظاهرة التي نظمتها جماعة «خلف القضبان»، تشجّع المشاركون وتحمّسوا لتنظيم المزيد من النشاطات التي أطلقوا عليها «الدعوة العلنية» وهكذا تأسستْ جماعة «سترات دعوة» التي يمكن ترجمتها حرفياً إلى «دعوة الشارع». هكذا أصبحت الدعوة الإسلامية علانيةً لأول مرّة في هولندا، أي بمعنى، أنّ المسلمين كانوا يروّجون لتفسيرهم الإسلامي في الشارع الهولندي وهي سابقة تاريخية، فمن أينَ أتى هؤلاء المسلمون وما هي أيديولوجيتهم؟ كيف استقبلهم باقي المسلمين؟ كيف استقبلتهم الجماعات السلفية الأخرى والحكومة الهولندية؟ قبل الإجابة عن هذه الأسئلة من المهم إلقاء نظرة على التطورات الحديثة الحاصلة في الدوائر السلفية وما تلا ذلك من نهوض الأيديولوجية السلفية في هولندا.

لقد كان لهجرة النشطاء الإسلاميين من الشرق الأوسط إلى هولندا دور في نشوء الشبكات والمنظمات السلفية والإسلامية في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم. بدأت أجهزة الأمن والاستخبارات الهولندية بمراقبة هذه الجماعات أواخر التسعينيات، وهي خاضعة منذ ذلك الحين إلى الرقابة المستمرة لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). مع حلول العام 2004 أخذ السياسيون الهولنديون وأجهزة الأمن يصنفون هذا التيار كتهديد للنظام الديمقراطي بسبب النهج العنفي لتفرعاته الأيديولوجية حول العالم. كانت أولى جماعات السلفية الجهادية في هولندا هي «هوفتادكروب»، وهي شبكة من المتطرفين الشباب، ومحمد بويري الشاب الهولندي من أصول مغربية الذي اغتال المنتج السينمائي ثيو فان غوخ العام 2004. ولكن الجماعات غير العنيفة كانت تشكّل معضلة أيضاً حيث إنّ تقرير جهاز المخابرات المُعَنْوَن (المقاومة والمكافحة) أخضع السلفية إلى الرقابة الشديدة من قبل الأمن والصحافة وحتى الباحثين الأكاديميين. في المقابل وقعَ على القائمين على المساجد والأئمة ورجال الدين مسؤولية الوقوف علناً ضد التطرّف العنيف، وبالفعل قامت الجالية المسلمة في هولندا بحملة ضد التطرّف إلى جانب الحكومة الهولندية.

في هذه الفترة كانت توجد أربع شبكات سلفية نشطة في هولندا، وهي مسجد «التوحيد» في أمستردام، مسجد «السنّة» في لاهاي، الشبكة التي تتمحور حول عائلة «سلام» في تيلبيرغ، ومسجد «الأوقاف/ الفرقان» في ايندهوفن. كما كانت هناك شبكة محيطة بالواعظ الديني عبدالله بوشتى بالإضافة إلى منظمات عدّة سلفية صغيرة ومجموعة من الواعظين الذين لا يمتون بصلة إلى أيِ منظمة. خلال السنوات التي أعقبت مقتل فان غوخ قام معظم الواعظين السلفيين بتهدئة خطابهم ومطبوعاتهم؛ حيث ندّدوا بأحداث أيلول والقاعدة والجريمة التي ارتكبها البيرومي والتفجيرات الإرهابية في مدريد العام 2004، ثمّ تفجيرات لندن العام 2005. كما دانوا الجماعات التي تقوم بتكفير المسلمين وأطلقوا عليهم «التكفيريين» أو «الخوارج»، حيث إنّ بعضَ التفسيرات السلفية تعطي للتكفير تبريرات لاستخدام العنف. إلّا أنّ المواقف المعارضة التي اتخذتها هذه المنظمات السلفية ضد التطرّف أدّت إلى تهميش بعض الشباب المتطرّف، وأحياناً مُنعوا من دخول المساجد أو تمّ تبليغ السلطات عنهم بسبب آرائهم الأصولية.

إذن فما الذي حدث مع السلفيين المهمشين؟ لقد كانَ إبعادهم من المجتمع المسلم عاملاً مهماً في خلق بيئة خصبة لنمو شبكات أكثر تطرّفاً تعمل على هامش المنظمات السلفية الأخرى، وهكذا تأسست الحركات والتنظيمات التي سنبحثها في هذه الدراسة، والتي جاءت ردّاً على الجدل القائم حول الإسلام منذ بروز الحزب الشعبي المناهض للإسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...