التنمية الشاملة بين الرؤية الوطنية والاستراتيجيات المستوردة
رحاب الدين الهواري
ما بين الرؤية الوطنية، المستمدة من قراءة الداخل وأوضاعه ومحاولة وضع سياسات تتناسب معه وتلبي طموحاته وتطلعاته وتتوافق مع إمكانياته ومقوماته، وبين الاستراتيجيات المستوردة التي تبدو وكأنها قوالب جامدة غير مرنة قد تتفق أحيانا ولا تتفق في كثير من الأحيان مع ظروف الدول وخصائص شعوبها، تتحدد شخصية الدول والقادة على أساس الأخذ بأي الرؤيتين، حيث ذهبت بعض الدول في المنطقة إلى استيراد رؤى غربية ولجأت للاستعانة بشركات تزعم أنها متخصصة في وضع رؤى مستقبلية لكل الدول، في حين تمسكت دول اخرى بنهجها وأصرت أن تسلك ذات الطريق الذي كانت تسلكه وتحقق به النتائج الإيجابية على مختلف الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافي ، وذلك انطلاقًا من حرصها على تقاليد وثقافة شعبها وعدم رغبتها في توريط هذا الشعب في مغامرات غير محسوبة وغير مضمونة النتائج .
في الجانب الأول، سمعنا منذ عدة سنوات عن رؤية 2030 في بعض الدول كاستراتيجية تحدد الأهداف التي تسعى هذه الدول لتحقيقها والصورة التي ترغب في الوصول إليها عند هذا التاريخ، إلا أن هناك شكوك كثيرة يبديها المتخصصون والمراقبون حول جدوى مثل هذه الرؤى وإمكانية تحقيق أهدافها بل والتشكك في طبيعة هذه الأهداف وخاصة أنه يقف ورائها أجهزة استخبارات عالمية، منها شركة الاستشارات الإستراتيجية “ماكينزي آند كومباني”، ولهذا وجدنا كاتبا معروفا وهو البريطاني روبرت فيسك يحذر من أن جميع مقررات هذه الرؤى سيطاح بها قبل وقت طويل من الوصول للموعد النهائي لها في 2030م، كما كشف تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأميركية مؤخرا عن تباطؤ الاقتصاد غير النفطي في السعودية، والذي يلقى بتأثيراته على الجهود الرامية لتنويع الاقتصاد في إطار رؤية 2030.
وإذا كانت هذه الرؤى المستوردة من الخارج تضع مستقبل الدول على المحك وتعرضها لمخاطر اجتماعية واقتصادية كثيرة، فإن التمسك بالرؤية الوطنية في التنمية والإصلاح المتوافق مع المجتمع كان سببًا في تمكين بعض الدول ومن أهمها مملكة البحرين في التصدي للأزمات الاقتصادية التي أثرت سلبا على دول كبيرة وعبور هذه الأزمات دون تداعيات ملموسة على ما يتمتع به الشعب من مكتسبات .
وعليه ، فإن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء البحريني، يقدم نموذجا حقيقيا للقائد الوطني الواثق برؤيته الوطنية انطلاقًا من حرصه على مصالح شعبه و قضايا أمته.
فقد اعتمدت سياسة بن سلمان، على الثوابت الوطنية، والسير وفق خطوات تدريجية مدروسة، بما يحقق التطور والنمو والرفاهية لشعب البحرين، مع توفير أكبر قدر من الشفافية والمسؤولية، للوصول مع الحكومة ﻷفضل برنامج يلبي احتياجات ومطالب شعب البحرين.
عمد رئيس وزراء البحرين منذ اللحظة الأولى من توليه منصبه إلى تنويع وتطوير كافة مصادر الدخل المتاحة، إيماناً منه بأن الاقتصاد القوي عامل هام من عوامل استقرار الأمم وتقدمها، وبأن القوة الاقتصادية لا تقل أهمية في توفير الأمن للشعوب عن القوة العسكرية، فعمل على إرساء قواعد راسخة للاقتصاد الوطني، لا تهتز بفعل المتغيرات التي يشهدها العالم بين الحين والآخر، وعلى تطوير وتنمية هذا الاقتصاد، بما يعود بالنفع دائماً على المواطن البحريني ويرفع من مستوى معيشته.
وكان لهذه الرؤية الحكيمة الدور الأهم في إنقاذ البلاد من هزات خطيرة كان من الممكن أن تعصف باقتصادها، وخاصة في ظل التقلبات التي تشهدها أسعار النفط وصناعاته في السوق العالمية كما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي.
ومنذ أن تحمل سموه المسؤولية وحتى قبل ذلك ، والإنسان هو شغله الشاغل ، فلا هدف إلا توفير كل مستويات العيش الكريم للمواطن، وتذليل كافة الصعوبات أمامه ، لأنه ينظر للإنسان على أنه هو الثروة الحقيقة ولا تنمية بدون تنمية للإنسان وبالتالي فهو هدف ووسيلة في آن واحد ، وقد ترجم الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة هذه الحقيقة في صورة سياسات اهتمت بكل ما يتعلق بتنمية الإنسان عقليا وصحيا وثقافيا والاهتمام بجودة معيشته ورفاهيته وبما يضمن حقوقه الإنسانية وذلك على كافة المستويات لعيش حياة كريمة .
هذا الاعتماد على الرؤية الوطنية لا يعني مطلقا الانعزال عن العالم الخارجي، بل إن رئيس الوزراء البحريني يحث دوما على التفاعل الايجابي والتعاون الخلاق مع دول العالم بما يحقق المصلحة المشتركة وليس ذلك النوع من العلاقات الخارجية التي تقوم على التبعية أو يعتمد على التدخل في الشؤون الداخلية للغير .
ولهذا، قامت سياسة صاحب السمو الملكي على الوقوف بصلابة وقوة في وجه التدخلات الإيرانية في شؤون المملكة، التي اتخذت أبعادا جديدة بعد عام 2015 عن طريق ارتفاع حدة التصريحات المستفزة من قبل صانعي القرار في إيران، وتورطها في دعم الجماعات الإرهابية في البحرين ماديا وإعلاميا ، كما اعتمد صاحب السمو على التحرك الخليجي الموحد إزاء قضايا المنطقة، أو إقامة تحالفات جديدة، فلا يدخر سموه فرصة إلا ويؤكد فيها على ضرورة الانطلاق في العملي الدبلوماسي الخليجي من خلال العمل الجماعي وليس الفردي، مؤكدا دائما على دور المملكة العربية السعودية في قيادة الصف الخليجي نحو إقامة علاقات مع دول العالم.
من هنا نلمس أهمية وعمق استراتيجية صاحب السمو الملكي في الاعتماد على رؤيته الوطنية في إحداث التنمية الشاملة وفي الزود عن البحرين والتصدي للمؤامرات، دون استيراد لاستراتيجيات غربية من الخارج، ودون التفريط أيضا في ثوابت القضايا العربية، وهي السياسة المتوازنة التي أرسى دعائمها الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء البحريني.