الثورة الإيرانية والإخوان.. الحماس والفتور

 

 

 

 

شكل انتصار الثورة الإسلامية في إيران علامة بارزة لإعادة المشروع الإسلامي السياسي للواجهة من جديد. كان حدث انتصار الثورة الإسلامية في إيران حدثا مفاجئا، جلب معه التاريخ الإسلامي بكل تفاصيله الفقهية والاجتماعية، كما جرَّ معه مشروع الإسلام السياسي الذي تأسست معالمه منذ تأسيس الإخوان المسلمين في 1929، بعد إعلان انتهاء الخلافة الإسلامية في 1924 على يد أتاتورك. لقد شكلت سنة 1979 علامة بارزة في علاقة الإخوان المسلمين بالدولة الدينية، حليفة الأمس وصديقة النضال في مشروع الدولة الإسلامية، فاندفع تنظيم الإخوان المسلمين في تأييد الثورة الإسلامية في إيران، وتمجيد قائدها الفقيه الإمام الخميني عبر تصريحات عديدة، وقام وفد من تنظيم الإخوان المسلمين بزيارة إيران؛ لمباركة الثورة ومحاولة توثيق علاقتها مع القيادات الإيرانية.

 

 

الحماس والتأييد

 

بدا ذلك الحماس والتأييد عبر عدة مواقف اتخذتها قيادات جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في أكثر من بلد، سبقها دعوة لتشكيل وفد للتوجه إلى طهران لمقابلة الإمام آية الله الخميني، ولتأكيد تضامن الحركات الإسلامية مع الثورة الإسلامية الوليدة. ففور حدوث الثورة الإيرانية، بادرت جماعة من الإخوان المسلمين بالاتصال بالمسؤولين الإيرانيين؛ "بغية تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران والتهنئة بالثورة وتدارس سبل التعاون" كان مسؤول الاتصال بين الإخوان وقيادة الثورة الإيرانية في ذلك الوقت القيادي في الإخوان: يوسف ندا، وهو رجل أعمال مصري مقيم في سويسرا، وكان يوسف ندا مصدر المعلومات الرئيس للإخوان عن الثورة ورؤيتها وأدائها وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، حيث كان مكلفا بمتابعة الملف الإيراني منذ 1978. وزار وفد من قيادات الإخوان من خارج مصر إيران (من عدة دول) للتهنئة بالثورة، وكان على رأس الوفد عبد الرحمن خليفة، المراقب العام للإخوان في الأردن، الذي كان وقتها نائبا عن المرشد العام.

 

خصصت مجلة الإخوان الرئيسة: "الدعوة"، صفحتها الأولى بعد شهر واحد من انتصار الثورة، وتحديدا في مارس (آذار) 1979، لعنوان بارز هو "خميني بين آمال المسلمين ومؤامرات الصليبية والشيوعية" وانعكست أخبار وتصريحات تؤيد الثورة الإسلامية لدى أفرع تنظيم الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي وإسلامي. ففي السودان كان موقف الإخوان المسلمين وموقف شباب جامعة الخرطوم الإسلاميين، من أبرز المواقف التي شهدتها العواصم الإسلامية؛ حيث خرجوا بمظاهرات التأييد، وسافر الدكتور حسن الترابي، مراقب الإخوان بالسودان سابقاً، إلى إيران حيث قابل الإمام الخميني معلناً تأييده. وفي تونس كانت مجلة الحركة الإسلامية (المعرفة) تقف بجانب الثورة تباركها وتدعو المسلمين إلى مناصرتها، وكتب راشد الغنوشي: إن الاتجاه الإسلامي الحديث "تبلور وأخذ شكلاً واضحاً على يد الإمام البنا والمودودي وقطب والخميني، ممثلي أهم الاتجاهات الإسلامية في الحركة الإسلامية المعاصرة".

 

كان هذا التلاقي طبيعيا ومتوقعا في ظل تشابه الأهداف وتطابقها بين كلا الحركتين، ومن جهة أخرى سوف تختلف طبيعة العلاقة بينهما، لتتحول لنوع من أنواع العقلانية البراجماتية. فالدولة الفتية تحتاج لمناصرة التنظيمات والأفراد من خارج إيران لها، لتثبيت الاعتراف الشعبي لها ولمشروعها، كما ستزيد حاجتها لمثل هذا التأييد مع الإعلان عن الخطوط العامة للدولة الإسلامية، والتي تم رسمها في بنود الدستور الإيراني أو حتى لدى الإعلان عن مبدأ تصدير الثورة الإسلامية. من جهتها، فإن الحركات الإسلامية الأخرى، ومن بينها تنظيم الإخوان المسلمين، ستجد في الدولة الإسلامية الحليف التاريخي الذي يجب عليه رد الجميل أولا، والمناصرة لها في صراعها مع الأنظمة الحاكمة في بلادهم ثانيا. وهذا ما حدث فعلا؛ إذ دفعت العلاقات الوثيقة بين تنظيم الإخوان والنظام الحاكم عقب قيام الثورة الإسلامية، إلى تأسيس جماعة الدعوة والإصلاح في إيران، والتي تمثل الإخوان المسلمين في إيران بداية انتصار الثورة عام 1979.

 

 

الافتراق والفتور

 

على الرغم من أهمية رصد الأحداث وتتابعها، فإن هناك خيطاً آخر يجب الاهتمام به، وهو بداية ظهور مراكز القوى داخل حركة الإخوان المسلمين وفي إيران أيضا. فقد ظلت رغبة الإخوان المسلمين فى التقارب مع إيران متذبذبة طوال الوقت، فقد رحبت جماعة الإخوان المسلمين كثيرا بالثورة الإيرانية بعد سقوط الشاه، وتشككت في الوقت نفسه فيما يخص القواعد الفكرية للنظام في إيران. وعلى الرغم من الاحتفاء بالثورة الإسلامية في إيران، فإن دعوة حركة الإخوان لعلاقات مع إيران سترتبط بالتخوف من ارتباطات إيران مع الأقليات الشيعية وغيرها من المجموعات السنية الراديكالية في الإقليم، وستتوقف أيضا على حساباتهم مع التيار السلفي الذي يشكل الشريك الثاني في المشهد السياسي.

 

يؤكد هذا التحليل شهادة عبدالمنعم أبو الفتوح الذي سرد طبيعة تلك المرحلة والعوامل المؤثرة فيها بشكل دقيق جداً؛ كما يذكر عبدالمنعم أبو الفتوح فى كتابه "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" بعض الأجواء التى عاشتها الحركة الإسلامية إبان الثورة الإسلامية الإيرانية فيقول: "لكن كونها ثورة شيعية كان سببا في الحد من الانفتاح عليها، والتفكير في الاقتراب منها، والتأثر المباشر بها، كانت السلفية الوهابية حاضرة بقوة في تكويننا الفكري وقتها، فأقامت حاجزا بيننا وبين هذه الثورة، وهو الحاجز الذي صار جدارا شاهقا بسبب ما أحدثته هذه الثورة من خوف وهلع لدى الأنظمة العربية الحاكمة، التي فعلت الكثير للتخويف منها، خشية أن تقوم الدولة "الشيعية" الجديدة بتصدير الثورة إليها. وعلى الرغم من تأثرنا بالفكر السلفي ووقوعنا في دائرة الدعاية الرسمية المضادة، فقد استقبلنا الثورة الإسلامية في إيران بحماس شديد، واعتبرناها نصرا للمشروع الإسلامي، وأعلنا رفضنا للموقف الرسمي المناهض لها.

 

إن الفتور الذي أصاب العلاقة، يمكن إرجاعه لعدة عوامل متعددة، منها النزعة الشيعية الواضحة في الدستور الإيراني، والحرب العراقية- الإيرانية، وموقف إيران من حرب حليفها حافظ الأسد على إخوان سوريا، الذين ظلوا أبرز جماعة إخوانية معادية لإيران طوال الوقت، بفعل أحداث حماة، وأيضاً بفعل البُعد السلفي الذي بدأ بالتشكل بداية سبعينيات القرن الماضي، وأثناء هجرة الإخوان للمملكة العربية السعودية، ولتحالفهم العلني مع نظام البعث في العراق، العدو الأول لإيران وسوريا. فبحسب رواية عدنان سعد الدين، فقد وفر نظام صدام حسين معسكرات تدريب لجماعة الإخوان المسلمين السورية، وأعطاهم غطاء سياسياً واسعاً، تمثل في إصدار جوازات سفر عراقية لهم، وقبولهم في الجامعات وتخصيص مزايا عديدة لأكثر من ألف عضو من أعضاء الإخوان المسلمين السورية.

 

تصدير الثورة دستورياً

في هذه الفترة كانت إيران مدفوعة بحماسة فيما كان يطلق عليه "تصدير الثورة". كان من دوافع طرح وبلورة استراتيجية «تصدير الثورة الإسلامية» السعي الإيراني إلى تحقيق «المشروع الاستراتيجي الإسلامي الوحدوي الإيراني» عن طريق وسائل عديدة محمية دستوريا، فكانت طهران حتى 1986 تستضيف التنظيمات الإسلامية، وتقدم الدعم اللوجستي والإعلامي والمعنوي لها تحت عنوان "دعم حركات التحرر". وهو ملف تم غلقه رسميا بعد فضيحة مهدي بازركان المشهورة. كما كانت ولا تزال طهران وقم ومشهد تعقد فيها المؤتمرات العالمية لأئمة الجمعة وأسابيع الوحدة الإسلامية، والاحتفالات السنوية بيوم القدس ومؤسستي الشهيد والمستضعفين، ومنظمة العلماء المجاهدين، كآليات لتعبئة رجال دين وكتاب ومفكرين وقياديين إسلاميين من أنحاء العالم الإسلامي كافة، لتلقينهم عقائديا والتأثير عليهم فكريا، بما يتفق مع أفكار الثورة الإيرانية ومصالح الجمهورية الإسلامية. ومن ناحية أخرى "واجهت استراتيجية تصدير الثورة الإيرانية عدداً غير قليل من العقبات والمعوقات داخليا (وخارجيا) منذ بداية الثورة، إلا أن المعوق الأكثر تأثيرا بوجه استراتيجية تصدير الثورة الإيرانية، كان يكمن في طبيعة البنية العقائدية للثورة الإيرانية، التي ركزت بشكل كبير على الجانب المذهبي، مما أفقدها البريق والوسطية، وبالتالي القدوة بين الحركات الإسلامية الراديكالية في المنطقة والعالم الإسلامي خصوصا، تلك التي تعود جذورها العقائدية إلى مذاهب إسلامية قد تتقاطع أحيانا، مع الاتجاه المذهبي الذي تبنته الثورة الإسلامية الإيرانية.

 

 

 

 

 

شكل انتصار الثورة الإسلامية في إيران علامة بارزة لإعادة المشروع الإسلامي السياسي للواجهة من جديد. كان حدث انتصار الثورة الإسلامية في إيران حدثا مفاجئا، جلب معه التاريخ الإسلامي بكل تفاصيله الفقهية والاجتماعية، كما جرَّ معه مشروع الإسلام السياسي الذي تأسست معالمه منذ تأسيس الإخوان المسلمين في 1929، بعد إعلان انتهاء الخلافة الإسلامية في 1924 على يد أتاتورك. لقد شكلت سنة 1979 علامة بارزة في علاقة الإخوان المسلمين بالدولة الدينية، حليفة الأمس وصديقة النضال في مشروع الدولة الإسلامية، فاندفع تنظيم الإخوان المسلمين في تأييد الثورة الإسلامية في إيران، وتمجيد قائدها الفقيه الإمام الخميني عبر تصريحات عديدة، وقام وفد من تنظيم الإخوان المسلمين بزيارة إيران؛ لمباركة الثورة ومحاولة توثيق علاقتها مع القيادات الإيرانية.

 

 

الحماس والتأييد

 

بدا ذلك الحماس والتأييد عبر عدة مواقف اتخذتها قيادات جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في أكثر من بلد، سبقها دعوة لتشكيل وفد للتوجه إلى طهران لمقابلة الإمام آية الله الخميني، ولتأكيد تضامن الحركات الإسلامية مع الثورة الإسلامية الوليدة. ففور حدوث الثورة الإيرانية، بادرت جماعة من الإخوان المسلمين بالاتصال بالمسؤولين الإيرانيين؛ "بغية تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران والتهنئة بالثورة وتدارس سبل التعاون" كان مسؤول الاتصال بين الإخوان وقيادة الثورة الإيرانية في ذلك الوقت القيادي في الإخوان: يوسف ندا، وهو رجل أعمال مصري مقيم في سويسرا، وكان يوسف ندا مصدر المعلومات الرئيس للإخوان عن الثورة ورؤيتها وأدائها وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، حيث كان مكلفا بمتابعة الملف الإيراني منذ 1978. وزار وفد من قيادات الإخوان من خارج مصر إيران (من عدة دول) للتهنئة بالثورة، وكان على رأس الوفد عبد الرحمن خليفة، المراقب العام للإخوان في الأردن، الذي كان وقتها نائبا عن المرشد العام.

 

خصصت مجلة الإخوان الرئيسة: "الدعوة"، صفحتها الأولى بعد شهر واحد من انتصار الثورة، وتحديدا في مارس (آذار) 1979، لعنوان بارز هو "خميني بين آمال المسلمين ومؤامرات الصليبية والشيوعية" وانعكست أخبار وتصريحات تؤيد الثورة الإسلامية لدى أفرع تنظيم الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي وإسلامي. ففي السودان كان موقف الإخوان المسلمين وموقف شباب جامعة الخرطوم الإسلاميين، من أبرز المواقف التي شهدتها العواصم الإسلامية؛ حيث خرجوا بمظاهرات التأييد، وسافر الدكتور حسن الترابي، مراقب الإخوان بالسودان سابقاً، إلى إيران حيث قابل الإمام الخميني معلناً تأييده. وفي تونس كانت مجلة الحركة الإسلامية (المعرفة) تقف بجانب الثورة تباركها وتدعو المسلمين إلى مناصرتها، وكتب راشد الغنوشي: إن الاتجاه الإسلامي الحديث "تبلور وأخذ شكلاً واضحاً على يد الإمام البنا والمودودي وقطب والخميني، ممثلي أهم الاتجاهات الإسلامية في الحركة الإسلامية المعاصرة".

 

كان هذا التلاقي طبيعيا ومتوقعا في ظل تشابه الأهداف وتطابقها بين كلا الحركتين، ومن جهة أخرى سوف تختلف طبيعة العلاقة بينهما، لتتحول لنوع من أنواع العقلانية البراجماتية. فالدولة الفتية تحتاج لمناصرة التنظيمات والأفراد من خارج إيران لها، لتثبيت الاعتراف الشعبي لها ولمشروعها، كما ستزيد حاجتها لمثل هذا التأييد مع الإعلان عن الخطوط العامة للدولة الإسلامية، والتي تم رسمها في بنود الدستور الإيراني أو حتى لدى الإعلان عن مبدأ تصدير الثورة الإسلامية. من جهتها، فإن الحركات الإسلامية الأخرى، ومن بينها تنظيم الإخوان المسلمين، ستجد في الدولة الإسلامية الحليف التاريخي الذي يجب عليه رد الجميل أولا، والمناصرة لها في صراعها مع الأنظمة الحاكمة في بلادهم ثانيا. وهذا ما حدث فعلا؛ إذ دفعت العلاقات الوثيقة بين تنظيم الإخوان والنظام الحاكم عقب قيام الثورة الإسلامية، إلى تأسيس جماعة الدعوة والإصلاح في إيران، والتي تمثل الإخوان المسلمين في إيران بداية انتصار الثورة عام 1979.

 

 

الافتراق والفتور

 

على الرغم من أهمية رصد الأحداث وتتابعها، فإن هناك خيطاً آخر يجب الاهتمام به، وهو بداية ظهور مراكز القوى داخل حركة الإخوان المسلمين وفي إيران أيضا. فقد ظلت رغبة الإخوان المسلمين فى التقارب مع إيران متذبذبة طوال الوقت، فقد رحبت جماعة الإخوان المسلمين كثيرا بالثورة الإيرانية بعد سقوط الشاه، وتشككت في الوقت نفسه فيما يخص القواعد الفكرية للنظام في إيران. وعلى الرغم من الاحتفاء بالثورة الإسلامية في إيران، فإن دعوة حركة الإخوان لعلاقات مع إيران سترتبط بالتخوف من ارتباطات إيران مع الأقليات الشيعية وغيرها من المجموعات السنية الراديكالية في الإقليم، وستتوقف أيضا على حساباتهم مع التيار السلفي الذي يشكل الشريك الثاني في المشهد السياسي.

 

يؤكد هذا التحليل شهادة عبدالمنعم أبو الفتوح الذي سرد طبيعة تلك المرحلة والعوامل المؤثرة فيها بشكل دقيق جداً؛ كما يذكر عبدالمنعم أبو الفتوح فى كتابه "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" بعض الأجواء التى عاشتها الحركة الإسلامية إبان الثورة الإسلامية الإيرانية فيقول: "لكن كونها ثورة شيعية كان سببا في الحد من الانفتاح عليها، والتفكير في الاقتراب منها، والتأثر المباشر بها، كانت السلفية الوهابية حاضرة بقوة في تكويننا الفكري وقتها، فأقامت حاجزا بيننا وبين هذه الثورة، وهو الحاجز الذي صار جدارا شاهقا بسبب ما أحدثته هذه الثورة من خوف وهلع لدى الأنظمة العربية الحاكمة، التي فعلت الكثير للتخويف منها، خشية أن تقوم الدولة "الشيعية" الجديدة بتصدير الثورة إليها. وعلى الرغم من تأثرنا بالفكر السلفي ووقوعنا في دائرة الدعاية الرسمية المضادة، فقد استقبلنا الثورة الإسلامية في إيران بحماس شديد، واعتبرناها نصرا للمشروع الإسلامي، وأعلنا رفضنا للموقف الرسمي المناهض لها.

 

إن الفتور الذي أصاب العلاقة، يمكن إرجاعه لعدة عوامل متعددة، منها النزعة الشيعية الواضحة في الدستور الإيراني، والحرب العراقية- الإيرانية، وموقف إيران من حرب حليفها حافظ الأسد على إخوان سوريا، الذين ظلوا أبرز جماعة إخوانية معادية لإيران طوال الوقت، بفعل أحداث حماة، وأيضاً بفعل البُعد السلفي الذي بدأ بالتشكل بداية سبعينيات القرن الماضي، وأثناء هجرة الإخوان للمملكة العربية السعودية، ولتحالفهم العلني مع نظام البعث في العراق، العدو الأول لإيران وسوريا. فبحسب رواية عدنان سعد الدين، فقد وفر نظام صدام حسين معسكرات تدريب لجماعة الإخوان المسلمين السورية، وأعطاهم غطاء سياسياً واسعاً، تمثل في إصدار جوازات سفر عراقية لهم، وقبولهم في الجامعات وتخصيص مزايا عديدة لأكثر من ألف عضو من أعضاء الإخوان المسلمين السورية.

 

تصدير الثورة دستورياً

في هذه الفترة كانت إيران مدفوعة بحماسة فيما كان يطلق عليه "تصدير الثورة". كان من دوافع طرح وبلورة استراتيجية «تصدير الثورة الإسلامية» السعي الإيراني إلى تحقيق «المشروع الاستراتيجي الإسلامي الوحدوي الإيراني» عن طريق وسائل عديدة محمية دستوريا، فكانت طهران حتى 1986 تستضيف التنظيمات الإسلامية، وتقدم الدعم اللوجستي والإعلامي والمعنوي لها تحت عنوان "دعم حركات التحرر". وهو ملف تم غلقه رسميا بعد فضيحة مهدي بازركان المشهورة. كما كانت ولا تزال طهران وقم ومشهد تعقد فيها المؤتمرات العالمية لأئمة الجمعة وأسابيع الوحدة الإسلامية، والاحتفالات السنوية بيوم القدس ومؤسستي الشهيد والمستضعفين، ومنظمة العلماء المجاهدين، كآليات لتعبئة رجال دين وكتاب ومفكرين وقياديين إسلاميين من أنحاء العالم الإسلامي كافة، لتلقينهم عقائديا والتأثير عليهم فكريا، بما يتفق مع أفكار الثورة الإيرانية ومصالح الجمهورية الإسلامية. ومن ناحية أخرى "واجهت استراتيجية تصدير الثورة الإيرانية عدداً غير قليل من العقبات والمعوقات داخليا (وخارجيا) منذ بداية الثورة، إلا أن المعوق الأكثر تأثيرا بوجه استراتيجية تصدير الثورة الإيرانية، كان يكمن في طبيعة البنية العقائدية للثورة الإيرانية، التي ركزت بشكل كبير على الجانب المذهبي، مما أفقدها البريق والوسطية، وبالتالي القدوة بين الحركات الإسلامية الراديكالية في المنطقة والعالم الإسلامي خصوصا، تلك التي تعود جذورها العقائدية إلى مذاهب إسلامية قد تتقاطع أحيانا، مع الاتجاه المذهبي الذي تبنته الثورة الإسلامية الإيرانية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...