web analytics

الحرب على الفساد في تونس مسرحية سيئة الإخراج

يوم الـ24 من شهر مايو الحالي، خرج رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد على التونسيين بتصريح أشاد به غالبية المواطنين، قال فيه "أنا ككل التونسيين في الحرب على الفساد وأنه لا خيار له إما الدولة وتونس أو الفساد وأنا اخترت تونس".

تصريح قالت حاشية الشاهد إنه إعلان بفتح "حرب على الفساد"، ينتصر فيها لتونس على الفساد والفاسدين، بعد حملة إيقافات شملت 8 رجال أعمال وبارونات تهريب وديوانة (الجمارك) وسياسيين منهم رجلي الأعمال شفيق الجراية ونجيب بن إسماعيل والمرشح سابقًا لانتخابات الرئاسة في 2014 ياسين الشنوفي، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية بشبهة التورّط في ملفات فساد والمس بأمن الدولة، إلا أنّ "المسرحية" حسب وصف البعض لم تدم طويلاً، فبعد يومين كشفت النيابة العسكرية عن تهمة أحد رجال الأعمال الذين تمّ إيقافهم وهي الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم.

تهم لا علاقة لها بالفساد

مباشرة بعد إعلان لجنة المصادرة الرّاجعة بالنظر إلى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، مصادرة جميع الأموال المنقولة والعقارية لرجال الأعمال الموقوفين في إطار ما سمي بـ"الحملة ضدّ الفساد"، أعلنت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري، في بيان لها، أن النيابة العمومية قررت فتح بحث تحقيقي ضد رجل الأعمال شفيق جراية وكل من عسى أن يكشف عنه البحث، من أجل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم، وذلك على إثر توصل النيابة العسكرية لشكاوى تخصه مفادها انخراطه في ارتكاب أفعال من شأنها المساس بأمن الدولة، حسب نص البيان.

ما يؤكّد ابتعاد "الشاهد" عن الحملة المنشودة، أنه لم تتم إلى الآن أي عملية مداهمة للمواني والمطارات التي تمثل مكان عمل رجال الأعمال الموقوفين

تهمة اعتبرها عديد من الخبراء، لا علاقة لها بالفساد وهي أقرب إلى التهم السياسية منها إلى التهم المتعلقة بالفساد، موضوع الحملة التي أعلنها رئيس الوزراء التونسي وصفق لها الأحزاب وبعض المواطنين، فالنيابة العسكرية لم تشر ولو همسًا إلى حملة الفساد ولا إلى قضايا الفساد التي ظنّ التونسيون أن رجل الأعمال شفيق جراية ومن معه سيحاسبون عليها، كما لم يحدث من قبل أن أحيل أيًّا كان إلى أنظار المحكمة العسكرية بتهم تتعلق بالفساد وسرقة المال العام والتهريب.

وما يؤكد ابتعاد الشاهد عن الحملة المنشودة، أنه لم تتم إلى الآن أي عملية مداهمة للمواني والمطارات التي تمثل مكان عمل رجال الأعمال الموقوفين، كما لم تتم مداهمة مخازن ومستودعات التهريب المنتشرة في مختلف مدن البلاد، كم لم تتم، أيضًا، مداهمة الأسواق التي تغص بالبضائع المهربة والمهربين في العاصمة والمحافظات الحدودية.

"ذرّ رماد على العيون"

منذ البداية، قال العالمون بالسياسة، إن هذه الحملة مجرد "ذرّ رماد على العيون"، فلا يعقل أن يقود الحزب الذي وصل إلى السلطة عبر دعم رجال أعمال فاسدين له، ويضم في صفوفه مئات المتورطين في قضايا فساد موضوعة أمام القضاء التونسي، حملة مكافحة فساد، ولا يعقل أيضًا أن تقوم حكومة تدفع بمشروع قانون مصالحة اقتصادية يقرّ العفو على قرابة 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد والعفو عن الموظفين العموميين وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، بمكافحة الفاسدين أنفسهم.

يرفض عموم التونسيين المصالحة مع الفاسدين قبل محاكمتهم

والجميع يتذكر التقارير الإعلامية التي أكدت أن وصول يوسف الشاهد لمنصب رئاسة الحكومة تم بعد ضغط كبير مورس من قبل رجال أعمال، بعضهم موضوع تحت الإقامة الجبرية الآن، على رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد لتقديم استقالته بعد أن أعرب عن نيته مكافحة الفساد.

وزد على ذلك أن من يزعم قيادة الحملة، يوظّف عديد من المستشارين الذين يتهمون بالفساد، والتسريبات التي انتشرت بكثرة في الفترة الأخيرة تؤكّد ذلك، ليس هذا فقط فبعض الوزراء الذين يشتغلون معه في حكومته، تحوم حولهم شبهات فساد.

حرب "شقوق" باستعمال مؤسسات الدولة

لم تكن هذه الحملة التي أطلق عليها "حملة مكافحة الفساد"، وجلبت الأنظار واستطاع من خلالها الشاهد الترفيع في نسبة الثقة فيه، رؤيا نزلت عليه من السماء، تأمره بتطهير البلاد من الفساد والفاسدين، نام فاستيقظ فبدأ في تطبيقها، بل كانت، حسب عديد من الخبراء، إرادة شقّ يسعى لإعادة بسط نفوذه في البلاد وإحكام قبضته عليها بعد أن ضعفت وكادت تذهب لغيره.

المسرحية فشلت لسوء في الإخراج، فبدأت الأقنعة بالتساقط الواحد تلو الآخر

فالشاهد لم يبدأ هذه "الحرب"، حسب وصفه، إراديًا بل كان مأمورًا يتلقى الأوامر ممن أعلى منه مكانًا وممن أوصله لما هو فيه اليوم من منصب، فرئيس الحكومة التونسية لا يمتلك الرغبة ولا القدرة ولا الإمكانية لمحاربة الفساد، وإنما له إمكانية السمع والطاعة فقط.

فما حصل لا علاقة له بالفساد ومكافحته حتى وإن مسّ بعض الفاسدين، فما هو إلاّ صراع بين منظومة الفساد المتحكمة في تونس تاريخيًا وحلفائهم من الخارج وبارونات الفساد الموازين الجدد الذين برزوا حديثًا وأرادوا افتكاك البلاد منهم، فالساحة لا تقبل الاثنين معًا ووجب التخلص من شق على حساب آخر وإن كان الشق الذي أوصله للحكم.

مسيرات دورية للتصدي للفساد في تونس

نعم نجح الشاهد في البداية في كسب ثقة التونسيين الذين خرج بعضهم إلى الشارع للتعبير عن دعمهم له، فقد عرف من أين يغازلهم "الحرب على الفساد"، إلا أن مسرحيته فشلت لسوء في الإخراج فبدأت الأقنعة بالتساقط الواحد تلو الآخر، فالحرب على الفساد تقتضي عدم الانتقائية لتعرف النجاح.

 

يوم الـ24 من شهر مايو الحالي، خرج رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد على التونسيين بتصريح أشاد به غالبية المواطنين، قال فيه "أنا ككل التونسيين في الحرب على الفساد وأنه لا خيار له إما الدولة وتونس أو الفساد وأنا اخترت تونس".

تصريح قالت حاشية الشاهد إنه إعلان بفتح "حرب على الفساد"، ينتصر فيها لتونس على الفساد والفاسدين، بعد حملة إيقافات شملت 8 رجال أعمال وبارونات تهريب وديوانة (الجمارك) وسياسيين منهم رجلي الأعمال شفيق الجراية ونجيب بن إسماعيل والمرشح سابقًا لانتخابات الرئاسة في 2014 ياسين الشنوفي، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية بشبهة التورّط في ملفات فساد والمس بأمن الدولة، إلا أنّ "المسرحية" حسب وصف البعض لم تدم طويلاً، فبعد يومين كشفت النيابة العسكرية عن تهمة أحد رجال الأعمال الذين تمّ إيقافهم وهي الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم.

تهم لا علاقة لها بالفساد

مباشرة بعد إعلان لجنة المصادرة الرّاجعة بالنظر إلى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، مصادرة جميع الأموال المنقولة والعقارية لرجال الأعمال الموقوفين في إطار ما سمي بـ"الحملة ضدّ الفساد"، أعلنت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري، في بيان لها، أن النيابة العمومية قررت فتح بحث تحقيقي ضد رجل الأعمال شفيق جراية وكل من عسى أن يكشف عنه البحث، من أجل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم، وذلك على إثر توصل النيابة العسكرية لشكاوى تخصه مفادها انخراطه في ارتكاب أفعال من شأنها المساس بأمن الدولة، حسب نص البيان.

ما يؤكّد ابتعاد "الشاهد" عن الحملة المنشودة، أنه لم تتم إلى الآن أي عملية مداهمة للمواني والمطارات التي تمثل مكان عمل رجال الأعمال الموقوفين

تهمة اعتبرها عديد من الخبراء، لا علاقة لها بالفساد وهي أقرب إلى التهم السياسية منها إلى التهم المتعلقة بالفساد، موضوع الحملة التي أعلنها رئيس الوزراء التونسي وصفق لها الأحزاب وبعض المواطنين، فالنيابة العسكرية لم تشر ولو همسًا إلى حملة الفساد ولا إلى قضايا الفساد التي ظنّ التونسيون أن رجل الأعمال شفيق جراية ومن معه سيحاسبون عليها، كما لم يحدث من قبل أن أحيل أيًّا كان إلى أنظار المحكمة العسكرية بتهم تتعلق بالفساد وسرقة المال العام والتهريب.

وما يؤكد ابتعاد الشاهد عن الحملة المنشودة، أنه لم تتم إلى الآن أي عملية مداهمة للمواني والمطارات التي تمثل مكان عمل رجال الأعمال الموقوفين، كما لم تتم مداهمة مخازن ومستودعات التهريب المنتشرة في مختلف مدن البلاد، كم لم تتم، أيضًا، مداهمة الأسواق التي تغص بالبضائع المهربة والمهربين في العاصمة والمحافظات الحدودية.

"ذرّ رماد على العيون"

منذ البداية، قال العالمون بالسياسة، إن هذه الحملة مجرد "ذرّ رماد على العيون"، فلا يعقل أن يقود الحزب الذي وصل إلى السلطة عبر دعم رجال أعمال فاسدين له، ويضم في صفوفه مئات المتورطين في قضايا فساد موضوعة أمام القضاء التونسي، حملة مكافحة فساد، ولا يعقل أيضًا أن تقوم حكومة تدفع بمشروع قانون مصالحة اقتصادية يقرّ العفو على قرابة 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد والعفو عن الموظفين العموميين وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، بمكافحة الفاسدين أنفسهم.

يرفض عموم التونسيين المصالحة مع الفاسدين قبل محاكمتهم

والجميع يتذكر التقارير الإعلامية التي أكدت أن وصول يوسف الشاهد لمنصب رئاسة الحكومة تم بعد ضغط كبير مورس من قبل رجال أعمال، بعضهم موضوع تحت الإقامة الجبرية الآن، على رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد لتقديم استقالته بعد أن أعرب عن نيته مكافحة الفساد.

وزد على ذلك أن من يزعم قيادة الحملة، يوظّف عديد من المستشارين الذين يتهمون بالفساد، والتسريبات التي انتشرت بكثرة في الفترة الأخيرة تؤكّد ذلك، ليس هذا فقط فبعض الوزراء الذين يشتغلون معه في حكومته، تحوم حولهم شبهات فساد.

حرب "شقوق" باستعمال مؤسسات الدولة

لم تكن هذه الحملة التي أطلق عليها "حملة مكافحة الفساد"، وجلبت الأنظار واستطاع من خلالها الشاهد الترفيع في نسبة الثقة فيه، رؤيا نزلت عليه من السماء، تأمره بتطهير البلاد من الفساد والفاسدين، نام فاستيقظ فبدأ في تطبيقها، بل كانت، حسب عديد من الخبراء، إرادة شقّ يسعى لإعادة بسط نفوذه في البلاد وإحكام قبضته عليها بعد أن ضعفت وكادت تذهب لغيره.

المسرحية فشلت لسوء في الإخراج، فبدأت الأقنعة بالتساقط الواحد تلو الآخر

فالشاهد لم يبدأ هذه "الحرب"، حسب وصفه، إراديًا بل كان مأمورًا يتلقى الأوامر ممن أعلى منه مكانًا وممن أوصله لما هو فيه اليوم من منصب، فرئيس الحكومة التونسية لا يمتلك الرغبة ولا القدرة ولا الإمكانية لمحاربة الفساد، وإنما له إمكانية السمع والطاعة فقط.

فما حصل لا علاقة له بالفساد ومكافحته حتى وإن مسّ بعض الفاسدين، فما هو إلاّ صراع بين منظومة الفساد المتحكمة في تونس تاريخيًا وحلفائهم من الخارج وبارونات الفساد الموازين الجدد الذين برزوا حديثًا وأرادوا افتكاك البلاد منهم، فالساحة لا تقبل الاثنين معًا ووجب التخلص من شق على حساب آخر وإن كان الشق الذي أوصله للحكم.

مسيرات دورية للتصدي للفساد في تونس

نعم نجح الشاهد في البداية في كسب ثقة التونسيين الذين خرج بعضهم إلى الشارع للتعبير عن دعمهم له، فقد عرف من أين يغازلهم "الحرب على الفساد"، إلا أن مسرحيته فشلت لسوء في الإخراج فبدأت الأقنعة بالتساقط الواحد تلو الآخر، فالحرب على الفساد تقتضي عدم الانتقائية لتعرف النجاح.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...