الخليج وإيران.. الشيعة يواجهون دولة الملالي
كتبت: شمس عبد الله
قال د. ابراهيم الأغا أكاديمي متخصص في الشأن الإيراني،في دراسة له حول الخليج وايران ، ان العلاقات الخليجية الإيرانية تتسم بالتعقد و التشابك الشديد و الذى يصل الى حد التناقض ، ففى الوقت الذى باتت فيه قضية إحتلال الجزر الإماراتية الثلاث أهم البنود الثابتة فى البيانات الختامية لاجتماعات المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجى فضلا عن التباينات الحادة بين إيران و دول المجلس بشأن عدد من القضايا منها أمن دول الخليج بالإضافة الى الوضع فى العراق ، بالرغم من ذلك نجد أن التبادل التجارى بين ايران و الدول الخليجية الست بشهد تزايدا واضحا مقارنة بعلاقات ايران التجارية مع دول اخرى ، فضلا عن كثافة التفاعلات السياسية التى شهدت مزيجا غير عاديا من حالات المد و الجزر .
و قد شهدت الفترة الأخيرة مزيدا من التدهور الحاد بالنسبة لعلاقات إيران بالمجتمع الدولى ككل خاصة مع اعلان إيران استئنافها لتخصيب اليورانيوم و فشل المفاوضات الإيرانية الاوروبية فى التوصل الى حل سلمى لتلك الازمة و التى ترى فيها الولايات المتحدة تهديدا لامنها و مصالحها فى منطقة الخليج العربى.
الموقف العام للعلاقات الخليجية الايرانية
على الرغم من البروز العلني خلال السنوات الماضية لقضية أخطار البرنامج النووي الإيراني والادعاء الافتراضي بإمكانية قيام إيران بامتلاك القدرات النووية العسكرية خلال فترة زمنية قصيرة، فإن قيادات دول المجلس الست لم تحاول أن تتخذ موقفًا علنيًا يحدد طبيعة مواقف دولها بشكل انفرادي.وعلى المستوى الجماعي، اختارت قمم مجلس التعاون الخليجي واجتماعاته الرسمية تجنب طرح هذا الملف للنقاش الجماعي لغرض المداولة أو لغرض تقرير موقف وسياسة موحدة ومحددة المعالم تجاه ما يمكن اعتباره تهديدًا محتملاً وخطيرًا للوضع الاستراتيجي في منطقة الخليج.
وتنبع دوافع هذا الموقف الخليجي، الذي يؤمن بمبدأ وجوب منع إيران من امتلاك القدرات النووية العسكرية. من حقيقة الواقع الجغرافي والسياسي لهذه الدول الذي سيجعل منها ومن شعوبها ضحية محتملة . وعلى الرغم من أن دعم فكرة وجوب منع إيران من تطوير قدراتها النووية يعد، وبشكل غير مباشر، إقرارًا تلقائيًا بحق إسرائيل في احتكار امتلاك السلاح النووي في المنطقة، وهو حتمًا يعتبر عاملاً سلبيًا في مواقف دول الخليج ودول المنطقة بشكل عام، فإن المصالح الذاتية وحتى الجماعية لهذه الدول تتطلب الفصل بين الأمرين، فامتلاك إيران للقدرات النووية سيعتبر تطورًا جديدًا ذا انعكاسات كبيرة على الاستقرار الإقليمي لمنطقة الخليج، وعلى طبيعة العلاقات الإيرانية – الخليجية، والعلاقات العربية – الإيرانية على نحو أوسع.
وفي ميزان الحسابات الخليجية أو العربية بشكل عام، لا يعد امتلاك إيران للقدرات النووية بالضرورة عامل ردع وتوازن أمام القدرات النووية الإسرائيلية، فالمصالح العليا لإيران قد تلتقي في الوقت الراهن مع المصالح العربية العليا في وجوب إيجاد وسيلة للحد من احتكار إسرائيل للقدرات النووية العسكرية في المنطقة، ولكن هذه المصالح تتعارض وتتقاطع وبشكل جذري في مواقع عديدة أخرى، مما يجعل قبول مبدأ دخول إيران للنادي النووي، في الحسابات الاستراتيجية الخليجية والعربية، عامل تطور سلبيًا أكثر من كونه عاملاً إيجابيًا.
وفي ضوء هذه الحقائق، يعد تطوير القدرة النووية الإيرانية، من وجهة نظر الخليج، عاملاً سلبيًا إضافيًا وتطورًا حاسمًا، ستكون له تأثيرات في الأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي، لا يمكن التكهن بنتائجها القريبة أو على المدى البعيد.
مواقف خليجية متباينة تجاه إيران
فى الوقت الذى لم يظهر موقف خليجى موحد و معلن رسميا تجاه السياسات الإيرانية خاصة الملف النووى ، فإن هناك تباينا كبيرا فى الرؤى و التوجهات الخليجية على المستوى الفردى لكل دولة على حدة تجاه إيران ، و بالتالى يصعب الجزم بوجود خط معين للسياسات الخليجية حيال الدولة الإيرانية ، و التى يمكن التعرض لها فيما يلى :
1- قطر وايران ..نموذج جيد للعلاقات
تعد العلاقات بين الجانبين القطرى و الإيرانى من أفضل العلاقات الثنائية داخل دول مجلس التعاون الخليجى ، و ليس أدل على ذلك من تصريحات أمير دولة قطر فى الخامس من سبتمبر الماضى ، والتي نفى فيها وجودمشاكل بين إيران ودول مجلس التعاون باستثناء الخلاف الإماراتي الإيراني حول الجزرالثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التي تحتلها إيران .
فعلى مدى نحو ثلاثة عقود هي عمر جمهورية إيران الإسلامية لم يحدث خلاف بارز فى العلاقات القطرية الايرانية كما حدث مع بعض الدول الخليجية الأخرى, و لم تكن العلاقات جيدة على المستوى الرسمى فقط ، بل على المستوى الشعبي حيث لم ينقطع التواصل بين الشعبين وظلت الجالية الإيرانية في الدوحة ومازالت تحظى بالمعاملة الحسنة وتفتح لها أبواب العيش والاستقرار.كما أن السياسة الداخلية إزاء شيعة قطر لم تتأثر بأية تطورات سلبية منذ الثورة الإيرانية وحتى اليوم, حيث يمارس الشيعة شعائرهم الدينية بكل حرية ويتمتعون بحقوق المواطنة دون أي تمييز.
وجاءت زيارة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني إلى طهران عام 2000 علامة بارزة في سلسلة التقارب ليس فقط بين إيران وقطر بل بين إيران وبقية دول الخليج لكونها الزيارة الأولى التي يقوم بها حاكم دولة خليجية لإيران منذ عشرين عاما.كذلك فإن الزيارة الثانية التي قام بها أمير قطر إلى طهران أواخر عام 2006 جاءت في ظل ظروف عصيبة تعصف بالمنطقة وهي أيضا الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس خليجي بل وعربي لدولة إيران في تلك الظروفو فى ظل تواجد الرئيس الإيرانى ” المتشدد ” أحمدى نجاد .
و بالتالى فإن الموقف الإيرانى يتجسد فى محاولة القيام بدور فاعل في القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة ويأتي الملف النووي في مقدمتها حيث تدعو قطر إلى أهمية حل كافة القضايا والخلافات بين الدول بالطرق السلمية وأعربت عن وجهة نظرها في هذا الملف باعتبار أن من حق إيران امتلاك برنامج نووي سلمي وفي نفس الوقت من حق المنطقة أيضا أن تعيش في أمن واستقرار.
2- الإمارات – ايران و الجزر الثلاث
المحدد الرئيس للعلاقات السياسية بين الإمارات وإيران يرتبط بمسألة الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي سيطرت عليهمإيران بعد جلاء القوات البريطانية من الخليج عام 1971. وعرضت أبو ظبي على طهران إجراء مباحثات بشأن هذه المسألة غير أن الجانب الإيراني نأى بنفسه عن مناقشة المسألة، كما رفض سنة 1996 اقتراحا من مجلس التعاون الخليجي بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.
و بعد العزو العراقى للكويت تحسنت نسبيا العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية ، وكان مجيء الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى سدة الرئاسة في إيران عاملا نوعيا في تطبيع العلاقات. ، كما ساهم التقارب السعودي الإيراني في تخفيف حالات الاحتقان بين الجانبين الإماراتي والإيراني، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية.
كما ان هناك مؤثرا فاعلا فى العلاقات بين البلدين و هو الجانب الإقتصادى ذلك أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لإيران. ووفق المصادر الإيرانية فقد وصل حجم صادرات الإمارات إلى إيران في منتصف عام 2007 نحو 7.5 مليارات دولار، فيما بلغ حجم صادرات إيران إلى الإمارات 2.5 مليار دولار. كما أن هناك ما يقرب من ستة آلاف وخمسمائة شركة إيرانية تعمل في الإمارات. وبلغت الأموال التي أدخلها المستثمرون الإيرانيون إلى دبي وحدها أكثر من ثلاثمائة مليار دولار في عام 2007.
و فيما يتعلق بمسألة الملف النووى الإيرانى فقد اعربت الإمارات عن قلقها من وجود مفاعل بوشهر في قلب المنطقة والذي يعد أقرب لدول الخليج منه لطهران العاصمة، غير أنه وفي ظل التهديدات الأميركية والغربية لإيران بسبب برنامجها النووي حرصت الإمارات على التأكيد بأنها لن تسمح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها في التجسس على إيران، أو أن تكون منطلقا لأية عمليات تستهدفها.
3- السعودية و ايران …و العلاقات المتقلبة المزاج
عقب قيام الجمهورية الإسلامية في إيران تأزمت العلاقات بين الجانبين السعودى – ذات الإتجاه السنى – و ايران – ذات النهج الشيعى – خاصة فى ظل وجود مرشد الثورة روح الله الموسوي الخميني. ووقفت الرياض إلى جانب العراق في حربه إيران, وكان لهذا الموقف اثاره السلبية على العلاقات و كان ابرز تلك الاثار ما شهده موسم الحج أغسطس 1987 حيث خرج الحجاج الإيرانيون بمظاهرات مؤيدة للثورة الإسلامية ، كما اتخذت العلاقات بين البلدين شكلا من أشكال الصراع الحاد في ظل اتهام إيران بالعمل على تصدير الثورة الإسلامية للخارج.
وعقب تحرير الكويت 1991 حدثت بعض التطورات حيث اعتلى الرئيس هاشمي رفسنجاني السلطة فى ايران بدأ نهجا متوازنا و خلفه الرئيس محمد خاتمي الذي طرح فكرة حوار الحضارات والانفتاح على العالم والتطبيع مع الدول العربية. وكان نتيجة ذلك أن شهدت العلاقات السعودية الإيرانية درجة عالية من التعاون ترجم في تعدد وتبادل زيارات المسئولين من البلدين, وتوجت تلك العلاقة بتوقيع اتفاقية أمنية عام 2001 شكلت محطة مهمة ليس فقط في علاقة البلدين بل في الخليج العربي بأكمله .
و لكن تقلبت مرة أخرى بين الجانبين بوصول محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران خيث عادت فكرة الثورة من جديد ، مما دفع البعض لتشبيه الوضع الحالى للعلاقات بين البلدين بالوضع فى مرحلة الخميني.
و قد شهدت العلاقات بين البلدين مدا و جزرا طبقا للملفات الشائكة على الطاولة العربية ، ففي الملف العراقي وجهت السعودية تحذيرا غير مباشر إلى إيران للتخلي عن ما وصفته بجهود إيرانية لنشر المذهب الشيعي في العالم العربي الذي تسوده الغالبية السنية, واحتضنت لقاء جمع علماء السنة في العراق.
ولم تخف السعودية مخاوفها إزاء البرنامج النووي الإيراني رغم المحاولات الإيرانية الرسمية لطمأنة الرياض, و التى كان ردها على لسان الملك عبد الله بأن الكل سيدفع الثمن, وإذا كانت السعودية لا تمانع كدولة خليجية في امتلاك إيران برنامجا نوويا سلميا فإن لديها مخاوف معلنة من أن يصبح هذا البرنامج للتسليح العسكري، وهو ما يعني بروز قوة إقليمية نووية جديدة. و بالتالى يمكن وصف العلاقات السعودية الإيرانية بأنها تشهد تقلبات عديدة على خلفية الوضع الريادى لكلا منهما الى جانب وجود ملفات شائكة تعد حاكمة لتلك العلاقات.
4- الكويت ايران ..و الحذر المتبادل
منذ استقلال دولة الكويت عام 1961 ساعدت مواقف الدولتين الإيجابية على تعزيز العلاقات بينهما، ففي عام 1973 أعلنت إيران وقوفها إلى جانب الكويت في مواجهة الاعتداء العراقي على أراضيها فيما تسمى حادثة “الصامتة” وفي المقابل اعترفت الكويت رسميا بالنظام الإيرانىالجديد عقب قيام الثورة الإسلامية، وقام وزير الخارجية انذاك صباح الأحمد بزيارة طهران .ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 أعلنت الكويت حيادها وطالبت الطرفين بوقف القتال. إلا أن الأراضي الكويتية تعرضت لاختراق بري إيراني وقصف بالصواريخ. مما أدى لتدهور العلاقات بين الجانبين و الذى ازداد سوءا عقب اتهام إيران بمحاولة اغتيال أمير الكويت جابر الأحمد الصباح في 25 مايو1985 ، الأمر الذى دعا الجانب الكويتى الى إعلانه تأييد الجانب العراقى و دعمه ماديا وسياسيا. و عقب غزو العراق للكويت بدات صفحة جديدة من الجانب الإييرانى و الذى رغض هذا العدوان و أعلن تأييده الكامل للكويت و استمرت العلاقات فى جانبها الإيجابى خاصة فى ظل وجود الرئيس المعتدل محمد خاتمى حتى وصول الرئيس الحالى احمدى نجاد .
و على الرغم من تفعيل العلاقات الا ان الوضع يتشابه الى كبير مع باقى دول الخليج و التى تنظر لتلك العلاقات على خلفية الأحداث و التطورات بالمنطقة. فإيران لا تزال رافضة للوجود الأجنبي في منطقة الخليج العربي وتطالب بضرورة صياغة منظومة أمنية إقليمية تكون هي طرفا فاعلا فيها، وهو الأمر الذي يتعارض مع الاتفاقيات الدفاعية المبرمة بين بعض الدول الخليجية والدول الغربية. الى جانب ذلك فإن الملف النووى الإيرانى يمثل حجر عثرة فى سبيل تلك العلاقات. وقد كان الموقف الكويتي واضحا في مطالبة الغرب منذ بروز الأزمة بانتهاج الحوار ومطالبة إيران في نفس الوقت بمزيد من الشفافية في التعامل مع هذه القضية .
ويرى الجانب الكويتى أن المنطقة تعاني من المواجهات العسكرية منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وهو ما أحدث انعكاسات أمنية واقتصادية خطيرة على المنطقة –و بالذات على الكويت الأمر الذي جعل الأخيرة تؤكد أكثر من مرة على ضرورة تبني الحوار بديلا عن الحرب.
بيئة جديدة للعلاقات الخليجية الايرانية
إن الوسيلة الوحيدة لهدم جدار الشك بين إيران وجيرانها في الخليج، تكمن في إرساء قواعد وأسس جديدة مع أخذ تجارب الماضي وأخطائه بعين الاعتبار ويأتي في المقام الأول عدم تدخل إيران في الشئون الداخليةالخليجية وتسوية النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية. ولكن هذه الآمال طويلة الأجل بطبيعتها، ولا توجد مؤشرات على البدء في هذا الاتجاه. وهناك حاجة ماسة إلى إرساء دعائم لبناء الثقة، تنفذ على المدى الطويل، ولكي تكون هذه الإجراءاتقابلة للتنفيذيجب أن تتجاوز المجال السياسي إلى إنشاء مؤسسات وآليات للتعاون الاقتصادي والتفاهم الثقافي في منطقةالخليج العربى.
وفي ظل الاضطرابات السائدة بمنطقة الخليج في الحقبة الحالية ، سوف يستمر الاحتياج إلى هذا الدور. ومن ثم فإن قبول إيران بهذه الصلات سيكون عاملا ضروريا مؤثرا في مجرى العلاقات بين الجانبين و إن كان يبدو هذا بعيدا عن الواقع .