web analytics
غير مصنف

الدروس المستفادة من الانتخابات الأمريكية

 

 

الإنتخابات الأمريكية الحالية، أيا كانت نتيجتها، أعطتنا بعض العلامات والنتائج الهامة وهي:

1- إسقاط الفكرة الوهمية المتداولة لدي البعض أن أصوات الناخبين ليست هي من يقرر الفائز وأن هناك "قوي خفية" تعمل من وراء الستار لانتخاب الرئيس. كل من تابع المعركة الهائلة بين هيلاري وترامب، ووراءهما قوي الحزبين الكبيرين الدمقراطي والجمهوري ومعهما مئات الألاف من المتطوعين في خمسين ولاية أمريكية لابد قد فهموا أنه لا توجد قوي خفية ولا يحزنون، وأن من سيحصل علي أعلي الأصوات في كل ولاية سيفوز بالمقاعد المحددة لهذه الولاية ومن يحصل علي 270 مقعد أو أكثر يصبح هو الرئيس.

2- رغم أن المال يلعب دوراً ولكن تأثيره ليس ساحقاً، هو عامل من بين عدة عوامل، خاصة علي مستوي الرئاسة، فقد رأينا جيب بوش الحاكم السابق لولاية فلوريدا يصرف 150 مليون دولار في حملته الإنتخابية لكنه يفشل أمام ترامب الذي إستخدم التغطية الإعلامية المجانية الهائلة التي حصل عليها بكونه مستفزاً ومثيراً فهرولت قنوات التلفزيون خلفه، ونجح ترامب وفشل بوش، إذن ليس بالمال وحده ينجح المرشح الأمريكي.

3- هناك إنقسام سياسي كبير في أمريكا، أساسه هم إنقسام مجتمعي في القيم بين المحافظين (جمهوريين) واللبراليين (الديمقراطيين)، وأن الصراع إلي حد كبير كان صراعا ثقافياً حضارياً، فالمحافظين يشعرون أن أمريكا التي يعرفونها منذ الخمسينات تتغير بسبب قدوم المهاجرين، وبسبب تصاعد القيم اللبرالية التي يرونها من منظور ديني إلي حد كبير، فيرونها متحرره أكثر من اللازم، وهناك عوامل تصاعد الأقليات غير البيضاء وغير الاوروبية مثل الأقليات السوداء والمكسيكية-اللاتينية والأسيوية والإسلامية، وهي تختلف عن الأقليات التي تعودت عليها أمريكا والتي كانت تأتي أساسا من أوروبا. هذا الصراع الثقافي الحضاري سيستمر أيا كانت نتيجة الانتخابات.

4- هناك أيضاً صراع إقتصادي بدأ يتضح بشكل أكبر داخل المجتمع الأمريكي الرأسمالي، وهو صراع بين الفقراء والطبقة المتوسطة العاملة من ناحية والأغنياء من ناحية أخري، وهي قضىة اثارها بشكل قوي السناتور برني ساندرز الذي كان منافسا قوياً لهيلاري كلنتون داخل حزبها لكنه فشل في النهاية لأن أفكاره كانت ثورية بشكل يثير مخاوف الغالبية، كما أن أفكاره تميل إلي الإشتراكية ومن الصعب نجاحه، كما أنه يهودي ولكن غير متشدد وربما غير متدين أصلاً ولكن نسبة من الإفنجيليكان لن ينتخبوه وبالتالي لم تكن فرص نجاحه كبيرة – رغم انني شخصيا كنت معجباً به – ومن اللافت أن جزءًا من التأييد لترامب كان بسبب هجومه المشابه لهجوم ساندرز علي اتفاقيات التجارة الدولية التي يرون أنها أضرت بالعامل التقليدي الأمريكي.

5- هناك فكرة عربية تقول أنه لا فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين وأنهم ضد العرب بشكل عام، وهي فكرة إستسهالية لمن لا يريدون بذل الجهد اللازم لفهم ما يجري هنا، والجهد اللازم للتأثير السياسي علي الطرفين، فيريحون أنفسهم بالقول أنه لا فائدة من أي عمل وأن الطرفين ضدنا ويريدون خرابنا، رغم أن حجم المعونات المالية والعسكرية الهائلة لمصر يدحض هذه الفكرة تماماً، ولكنها جزء من نظرية المؤامرة التي يتوكأ عليها الكثيرون في مصر داخل النظام وخارجه تبريراً لكسلهم وفشلهم.

6- هنك أيضاً فكرة وهمية أخري تقول أن الرئيس في أمريكا لا أهمية كبيرة له لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا بمفرده وأن "المؤسسات والأجهزة" هي من تصنع السياسة وتدير البلد، وردي علي هذا هو أنه بالطبع لا يقود أمريكا شخص واحد بمفرده، ويعتمد علي تحليلات ومعلومات تعطيها له الأجهزة، ولكن لديه إمكانيات تأثير هائلة تحت اشارته ومنها محاسبة الأجهزة وإقالة مديريها وطلب وجهات نظر ومعلومات من آخرين، فهو ليس أسير الأجهزة بما فيها الجيش نفسه، فاذا كان الرئيس ذكياً وقوياً يمكنه أن يفعل الكثير جدا كما فعل بعض الرؤساء وخاصة روزفلت الذي انقد الإقتصاد بعد فترة "الكساد الكبير"، وكذلك كنيدي رغم قصر فترته ، وكذلك خليفته جونسون الذي رسخ قوانين الحقوق المدنية، ثم رونالد ريجان الذي تفكك في عهده الاتحاد السوفييتي، ومن ناحية أخري فإن الرئيس الضعيف أو الغبي مثل جورج بوش الصغير يمكن أن يخدعه من تحته فيشن حرباً غاشمة غير شرعية ضد العراق تقود إلي خراب في الشرق والغرب فقد سقط الإقتصاد الأمريكي في نهاية عهده، ولذلك كنت ومازلت أري أن وصول شخص ضعيف أو أحمق إلي السلطة هو أمر بالغ الخطر علي أمن وسلامة أمريكا والعالم.

– فرانسوا باسيلي

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...