تغيير الديناميات في الأزمة السورية
تغيرت ديناميات الصراع السوري بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، ففي الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول 2016 أدى وقف إطلاق النار وما تلاه من محادثات جددت المسار السياسي في أستانا إلى خلق واقع جديد تلعب فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دورا ثانويا متواضعا إلى جانب روسيا وتركيا وإيران.
لم تتح لإدارة ترامب الجديدة، المنشغلة حاليا بتشكيل فريق السياسة الخارجية والتصدي للقضايا المحلية، فرصة التركيز على قضايا السياسة الخارجية، ولا سيما الشرق الأوسط. وهذا يعني أن واشنطن تخسر وقتا ثمينا، في الوقت الذي تأخذ فيه روسيا وتركيا وإيران زمام المبادرة في سوريا، مما يترك مجالا أقل للولايات المتحدة. وهذا يضع ترامب أمام معضلة: فإما أن يتحرك بسرعة لتأكيد رؤيته للتعامل مع الحرب الأهلية السورية، أو يترك "الفوضى" لروسيا وتركيا وإيران. هذان الخياران ليسا مثاليين، أما الخيار الأول فلأنه ليس من الواضح أن فريق سياسته الخارجية قد استقر على استراتيجية بشأن سوريا، وأما الخيار الثاني فلأن ترامب لا يستطيع أن يتجاهل روسيا وتركيا وإيران في سوريا لأن الولايات المتحدة ستظهر ضعيفة، وهو ما لا يريده ترامب الذي يحتاج إلى انتصار سريع ضد تنظيم الدولة (داعش) في سوريا والعراق لإسكات الانتقادات في الداخل والخارج.
التحركات الأمريكية الأخيرة
في محاولة لإعادة تنشيط التحالف المناهض لداعش الذي تقوده الولايات المتحدة ومواجهة الانطباع بأن الكتلة الروسية- التركية- الإيرانية قد استولت على زمام المبادرة في سوريا، دعت إدارة ترامب أكثر من 60 دولة ومنظمة دولية إلى واشنطن في 22 آذار/ مارس -23 لمؤتمراستراتيجي يركز على كيفية القضاء على الدولة (داعش). يشار إلى أن روسيا وإيران، وكلاهما لديه قوات على الأرض تقاتل تنظيم الدولة (داعش)، لم توجه لهما الدعوة. ومن المرجح أيضا أن واشنطن أرادت مناقشة الهجوم الوشيك على الرقة، عاصمة داعش في سوريا.
في مطلع آذار، نشرت الولايات المتحدة 200 جندي من مشاة البحرية في شمال سوريا (ضواحي منبج)، ليصل عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى أكثر من 700 جندي. وعلاوة على ذلك يدرس ترامب إرسال 1000 جندي إلى الكويت كقوة احتياطية في القتال ضد داعش، ومن أجل إظهار التزام الولايات المتحدة المستمر بالحفاظ على الأمن الإقليمي.
تغيير الديناميات
عقد رؤساء الأركان الروسية والتركية والأمريكية يوم 7 آذار/ مارس اجتماعا بالغ الأهمية في مدينة أنطاليا التركية.وبعد الاجتماع، سمح لجيش النظام السوري والجنود الروس بدخول المناطق الغربية من منبج التي يسيطر عليها الأكراد، في حين دخل الجيش الأمريكي المناطق الشمالية من المدينة. وإذا أخذنا في الحسبان الخطط التركية لاستعادة منبج من الأكراد السوريين (الذين تعدهم أنقرة إرهابيين بسبب ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني)، فإن هذه التطورات تحد من قدرة تركيا على مهاجمة القوات الكردية. من الممكن أن نستنتج من هذه التطورات أن أنقرة وموسكو وواشنطن تحاول تقسيم شمال سوريا إلى مناطق النفوذ، وأن أنقرة لا تتفق مع التطورين الأخيرين.
وعلاوة على ذلك، تقول التقارير الأخيرة إن روسيا نشرت قواتها العسكرية بالقرب من مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة الأكراد، حيث أنشأت فرعا "لمركز المصالحة ". ووفقا لوزارة الدفاع الروسية، فإن وجود الروس يهدف إلى مراقبة وقف إطلاق النار، ومنع الانتهاكات. وضعت روسيا في الواقع قواتها بين الأكراد السوريين والمتمردين العرب السوريين المدعومين من تركيا لمنع أنقرة من سحق القوات الكردية.
ويبدو أن هذه التطورات تؤكد أن الأكراد أصبحوا القوة التي توحد المصالح الروسية والمصالح الأمريكية في سوريا. وتفهم كل من موسكو وواشنطن أنه إذا كان الأكراد السوريين مشغولين بالدفاع عن أنفسهم ضد تركيا، فإن الهجوم على عاصمة داعش في الرقة أمر مستحيل. لا تريد روسيا ولا الولايات المتحدة مزيدا من التورط في الصراع السوري، وتنويان الحد من عدد قواتهما على الأرض، وترك القتال إلى الأكراد وجيش النظام السوري والميليشيات السنية والشيعية. لذلك فمن الواضح أن موسكو وواشنطن تفضلان الأكراد السوريين على الجيش التركي في الهجوم لاستعادة الرقة، حتى الآن على الأقل.
وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة وروسيا قد تستخدمان الضمانات التي قدماها للأكراد السوريين بعدم السماح لتركيا بمهاجمتهم، من أجل كبح جماح طموحات الأكراد. وستكون القضية الكردية واحدة من موضوعات الخلاف الرئيسة عندما تنتهي الحرب الأهلية السورية وتبذل الجهود لإعادة بناء الدولة.يسعى الأكراد بعد أن دفعوا ثمنا باهظا في قتال تنظيم الدولة (داعش)، إلى مزيد من الحكم الذاتي في سوريا، مما يزعج نظام الأسد والرئيس التركي أردوغان. من خلال دعم الأكراد في سوريا يمكن لروسيا والولايات المتحدة ممارسة نفوذهما على الأكراد من ناحية، ومن ناحية أخرى استخدام نفوذهم مع الأكراد ورقة سياسية مع تركيا والنظام السوري.
ونتيجة لذلك، أصبح الوضع الحالي في شمال سوريا غير قابل للتنبؤ به. من الصعب تحديد ما هي القيود، إن وجدت، التي ترغب أنقرة في إظهارها فيما يتعلق بالأكراد في سوريا. من الواضح أن تركيا لا تريد مواجهة مع روسيا أو الولايات المتحدة، ولكن في الوقت نفسه من المرجح أن تسعى لمصالحها والحفاظ على خطوطها الحمراء بشأن الأكراد. وإذا لم يفعل أردوغان ذلك، فإنه يدفع ثمنا سياسيا باهظا.
يثير هذا أيضا مسألة مدى التزام تركيا بوقف إطلاق النار في سوريا وبالعملية السياسية التي بدأت في أستانا، حيث تمتلك القدرة على تعطيل المحادثات من خلال التأثير على جماعات المعارضة المسلحة السورية المشاركة في العملية السياسية في أستانا. وينبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن ممثلي هذه الجماعات رفضوا حضور الاجتماع الأخير في أستانا في 14-15 مارس/ آذار.
وعلى ذلك ففي الوقت الذي تواجه أطراف النزاع السوري مخاطر وتحديات، يبدو أن هناك نظاما ناشئا من الضوابط والتوازنات يوفر قدرا قليلا من الأمل في إحراز تقدم نحو تسوية الصراع الدموي المرعب في سوريا المستمر منذ ست سنوات.
تغيرت ديناميات الصراع السوري بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، ففي الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول 2016 أدى وقف إطلاق النار وما تلاه من محادثات جددت المسار السياسي في أستانا إلى خلق واقع جديد تلعب فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دورا ثانويا متواضعا إلى جانب روسيا وتركيا وإيران.
لم تتح لإدارة ترامب الجديدة، المنشغلة حاليا بتشكيل فريق السياسة الخارجية والتصدي للقضايا المحلية، فرصة التركيز على قضايا السياسة الخارجية، ولا سيما الشرق الأوسط. وهذا يعني أن واشنطن تخسر وقتا ثمينا، في الوقت الذي تأخذ فيه روسيا وتركيا وإيران زمام المبادرة في سوريا، مما يترك مجالا أقل للولايات المتحدة. وهذا يضع ترامب أمام معضلة: فإما أن يتحرك بسرعة لتأكيد رؤيته للتعامل مع الحرب الأهلية السورية، أو يترك "الفوضى" لروسيا وتركيا وإيران. هذان الخياران ليسا مثاليين، أما الخيار الأول فلأنه ليس من الواضح أن فريق سياسته الخارجية قد استقر على استراتيجية بشأن سوريا، وأما الخيار الثاني فلأن ترامب لا يستطيع أن يتجاهل روسيا وتركيا وإيران في سوريا لأن الولايات المتحدة ستظهر ضعيفة، وهو ما لا يريده ترامب الذي يحتاج إلى انتصار سريع ضد تنظيم الدولة (داعش) في سوريا والعراق لإسكات الانتقادات في الداخل والخارج.
التحركات الأمريكية الأخيرة
في محاولة لإعادة تنشيط التحالف المناهض لداعش الذي تقوده الولايات المتحدة ومواجهة الانطباع بأن الكتلة الروسية- التركية- الإيرانية قد استولت على زمام المبادرة في سوريا، دعت إدارة ترامب أكثر من 60 دولة ومنظمة دولية إلى واشنطن في 22 آذار/ مارس -23 لمؤتمراستراتيجي يركز على كيفية القضاء على الدولة (داعش). يشار إلى أن روسيا وإيران، وكلاهما لديه قوات على الأرض تقاتل تنظيم الدولة (داعش)، لم توجه لهما الدعوة. ومن المرجح أيضا أن واشنطن أرادت مناقشة الهجوم الوشيك على الرقة، عاصمة داعش في سوريا.
في مطلع آذار، نشرت الولايات المتحدة 200 جندي من مشاة البحرية في شمال سوريا (ضواحي منبج)، ليصل عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى أكثر من 700 جندي. وعلاوة على ذلك يدرس ترامب إرسال 1000 جندي إلى الكويت كقوة احتياطية في القتال ضد داعش، ومن أجل إظهار التزام الولايات المتحدة المستمر بالحفاظ على الأمن الإقليمي.
تغيير الديناميات
عقد رؤساء الأركان الروسية والتركية والأمريكية يوم 7 آذار/ مارس اجتماعا بالغ الأهمية في مدينة أنطاليا التركية.وبعد الاجتماع، سمح لجيش النظام السوري والجنود الروس بدخول المناطق الغربية من منبج التي يسيطر عليها الأكراد، في حين دخل الجيش الأمريكي المناطق الشمالية من المدينة. وإذا أخذنا في الحسبان الخطط التركية لاستعادة منبج من الأكراد السوريين (الذين تعدهم أنقرة إرهابيين بسبب ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني)، فإن هذه التطورات تحد من قدرة تركيا على مهاجمة القوات الكردية. من الممكن أن نستنتج من هذه التطورات أن أنقرة وموسكو وواشنطن تحاول تقسيم شمال سوريا إلى مناطق النفوذ، وأن أنقرة لا تتفق مع التطورين الأخيرين.
وعلاوة على ذلك، تقول التقارير الأخيرة إن روسيا نشرت قواتها العسكرية بالقرب من مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة الأكراد، حيث أنشأت فرعا "لمركز المصالحة ". ووفقا لوزارة الدفاع الروسية، فإن وجود الروس يهدف إلى مراقبة وقف إطلاق النار، ومنع الانتهاكات. وضعت روسيا في الواقع قواتها بين الأكراد السوريين والمتمردين العرب السوريين المدعومين من تركيا لمنع أنقرة من سحق القوات الكردية.
ويبدو أن هذه التطورات تؤكد أن الأكراد أصبحوا القوة التي توحد المصالح الروسية والمصالح الأمريكية في سوريا. وتفهم كل من موسكو وواشنطن أنه إذا كان الأكراد السوريين مشغولين بالدفاع عن أنفسهم ضد تركيا، فإن الهجوم على عاصمة داعش في الرقة أمر مستحيل. لا تريد روسيا ولا الولايات المتحدة مزيدا من التورط في الصراع السوري، وتنويان الحد من عدد قواتهما على الأرض، وترك القتال إلى الأكراد وجيش النظام السوري والميليشيات السنية والشيعية. لذلك فمن الواضح أن موسكو وواشنطن تفضلان الأكراد السوريين على الجيش التركي في الهجوم لاستعادة الرقة، حتى الآن على الأقل.
وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة وروسيا قد تستخدمان الضمانات التي قدماها للأكراد السوريين بعدم السماح لتركيا بمهاجمتهم، من أجل كبح جماح طموحات الأكراد. وستكون القضية الكردية واحدة من موضوعات الخلاف الرئيسة عندما تنتهي الحرب الأهلية السورية وتبذل الجهود لإعادة بناء الدولة.يسعى الأكراد بعد أن دفعوا ثمنا باهظا في قتال تنظيم الدولة (داعش)، إلى مزيد من الحكم الذاتي في سوريا، مما يزعج نظام الأسد والرئيس التركي أردوغان. من خلال دعم الأكراد في سوريا يمكن لروسيا والولايات المتحدة ممارسة نفوذهما على الأكراد من ناحية، ومن ناحية أخرى استخدام نفوذهم مع الأكراد ورقة سياسية مع تركيا والنظام السوري.
ونتيجة لذلك، أصبح الوضع الحالي في شمال سوريا غير قابل للتنبؤ به. من الصعب تحديد ما هي القيود، إن وجدت، التي ترغب أنقرة في إظهارها فيما يتعلق بالأكراد في سوريا. من الواضح أن تركيا لا تريد مواجهة مع روسيا أو الولايات المتحدة، ولكن في الوقت نفسه من المرجح أن تسعى لمصالحها والحفاظ على خطوطها الحمراء بشأن الأكراد. وإذا لم يفعل أردوغان ذلك، فإنه يدفع ثمنا سياسيا باهظا.
يثير هذا أيضا مسألة مدى التزام تركيا بوقف إطلاق النار في سوريا وبالعملية السياسية التي بدأت في أستانا، حيث تمتلك القدرة على تعطيل المحادثات من خلال التأثير على جماعات المعارضة المسلحة السورية المشاركة في العملية السياسية في أستانا. وينبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن ممثلي هذه الجماعات رفضوا حضور الاجتماع الأخير في أستانا في 14-15 مارس/ آذار.
وعلى ذلك ففي الوقت الذي تواجه أطراف النزاع السوري مخاطر وتحديات، يبدو أن هناك نظاما ناشئا من الضوابط والتوازنات يوفر قدرا قليلا من الأمل في إحراز تقدم نحو تسوية الصراع الدموي المرعب في سوريا المستمر منذ ست سنوات.