حكاية مجند الهرم التي أبكت “البدلة الميري”.. “ذنبك ايه يا دفعة !”

بعينين أغرورقت بالدموع، وقف بجوار جثة زميله "أبو ملك" الذي راح ضحية انفجار عبوة ناسفة، صباح اليوم الجمعة بشارع الهرم أسفر عن وفاة 6 من رجال  واصابة 3 آخرين.. تأمل المجند رجب "الكابينة" التي مازالت تعج بدماء "دفعته" في التجنيد، يلمح في أسفلها ما تبقى له من واقع أصبح الآن فقط ذكريات، فيرى "باريه" الخدمة، صديري واقي لم يقيه لدغات الغدر، وغطاء بسيط كان يستقوي به على برد الشتاء، وأصبح الآن غطاء لجثة ماتت دون ذنب.

"ذنبه أيه ده شاب ضهر أبوه وسند أمه.. صاحبي اللي بيهون عليا فترة جيشي وبقا أخويا اللي أمي مخلفتهوش.. ولا الظابط اللي بيعملنا زي أخواته الصغيرين.. ياريتني مت معاهم".. بهذه الكلمات أجهش المجند "رجب" بالبكاء وتمتم بأسماء زملاءه صارخًا "حرام.. ليه.. أشمعنى هما"، يقولها غير مصدق لما حدث لدفعته الذي كان يقف معه منذ ساعات قبل أن يخرج لاستلام خدمته في الكمين.

 الساعة السادسة صباحًا، ضج صوت أمين الشرطة في العنبر لكي يوقظ الجنود لإجراء مراسم الطابور الصباحي بالمعسكر، استيقظ رجب بصحبة زملاءه ارتدى "الأفرول الميري".. حضر الطابور، داعب زملاءه، فقاطعهم صوت الأمين مرة ثانية "أجمع بالخطوة السريعة".. نفذ رجب النداء وهرول نحو الأمين، أمرهم باستقلال العربة.. شقت سيارة الانتشار السريع شارع الهرم – الهادئ على غير العادة – يلازمها سرينتها الصاخبة.

أمام مسجد السلام بشارع الهرم، ضغط السائق "فرامله" بشده لتتشبث اطارات السيارة بالأرض في مشهد استعراضي، أمر الضابط جنوده بالاصطفاف أمام السيارة، تناقل رجب مع زملاءه أطراف الحديث حول "البلد" – الريف الذي جاء منه، انتهت بقرار ضرورة تناول الإفطار على الأمعاء الخاوية منذ ليلة أمس، واختاروا رجب الذي قبل الأمر بابتسامة عريضة، ذهب لعدة أمتار بحثًا "عربية فول" فجأة سمع صوت مصحوبًا بصرخات تمنى من الله أن "يخيب ظنه" وألا يكون هو ما غزا عقله، لكن سرعان ما واجهته عيناه بالحقيقة فإذا بأشلاء أجساد زملاءه وقائده تتطاير في الهواء.

    ذهب لعدة أمتار بحثًا "عربية فول" فجأة سمع صوت مصحوبًا بصرخات تمنى من الله أن "يخيب ظنه"

يقترب منه أحد قادته ويحتضنه حتى يهدأ، لكن ينفعل أكثر وينهار، ليأمر ضباطه "باكياً" بنقله إلى المعسكر لعله يهدأ بصحبة زملائه.

يتذكر "رجب" أخر ما قاله له زميله "أبو ملك"، وهو يحدثه عن قرب انتهاء الخدمة لاستكمال مشروع زواجه بالريف، ولمعة عينيه وفرحته المبالغ فيها، حينها قرر أن يعزمه على كوباية شاي على "التقريشة" فمرتبه من الدولة انتهى قبل منتصف الشهر.

يحدق الى خوزة "دفعته" ويحاول إيجاد مبرر لقتل "الفلاح" البسيط بهذه البشاعة، ولسان حاله "ماذا اقترفنا لنستحق هذة النهاية"، كلما تذكر كلمات والدة صديقه حينما زارهم في بيتهم البسيط، تجهش عيناه بالبكاء، فقد أوصته في أخر إجازة مضت قائلة "يا ولدي خد بالك من اخوك.. انتوا الاتنين ملكومش غير بعض وربنا حامي الغلابة".

    كيف سيعود ويدخل بلدته وحيدًا دون صديق عمره كيف ستقابل عيناه عين أم صديقه

"كيف سيعود ويدخل بلدته وحيدًا دون صديق عمره، كيف ستقابل عيناه عين أم صديقه وقد خالف عهده لها بالعودة الى بلدتهم وحيدًا، كيف تركه يموت بمفرده دون صديق يلقنه الشهادة، ويؤازره في زفرات الموت".. هذا كل ما شغله أثناء ركوبه لسيارة الخدمة عائداً إلى معسكره.

وكانت غرفة عمليات الإدارة العامة للحماية المدنية بالجيزة قد تلقت بلاغا صباح اليوم الجمعة بسماع دوى انفجار بمنطقة الطالبية بالجيزة.

وقال مصدر أمني، إن عبوة ناسفة، انفجرت بجوار مسجد السلام في شارع الهرم.

وأكد المصدر، في تصريحات لمصراوي، أن الانفجار استهدف كمين أمني بشارع هنيدي بالقرب من مسجد السلام بمنطقة الطالبية.

وكشف مصدر مسؤول بوزارة الداخلية، حصيلة ضحايا انفجار عبوة ناسفة استهدفت كمين أمني بشارع الهرم، مؤكداً استشهاد ضابطين وأمين شرطة و3 مجندين، واصابة 3 مجندين آخرين.

فيما أكد مصدر أمني بوزارة الداخلية أن اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية، أمر بتشكيل فريق بحث على أعلى مستوى لكشف ملابسات الحادث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...