حلول غير تقليدية لأزمة السكن في العالم العربي
تعتبر أزمة السكن في العالم العربي من الأزمات التي لم تجد حلولا مناسبة منذ فترة كبيرة وذلك للعديد من الأسباب
العشوائية
وتعتبر العشوائي من أهم المشاكل التي تسببت في أزمة الإسكان في المجتمع العربي، فدولة مثل مصر ذات مساحة واسعة ورغم ذلك يعاني المصريون من أزمة في السكن، بينما لم نسمع عن هذه الأزمة في الصين أو الهند اللذين يقاربان على أكثر من ثلث سكان العالم.
أزمة السكن في العالم العربي هي من أعنف الأزمات في المنطقة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، كما أنها الأكثر إرهاقًا للحكومات، إذ تتناوب الدول العربية على الصدارة في أزمة السكن، فتارة تكون السعودية في المرتبة الأولى، وأخرى تنفرد مصر بالصدارة، وثالثة تخطف الجزائر الأنظار.
الحصول على الوحدات السكنية أزمة متلازمة للشباب العربي، يعود عمرها إلى عقود، وهي متنوعة ولها أشكل عدة، إلا أنها في النهاية الأزمة الأكثر حصولًا على الوعود بالحل، ولكن هذه الحلول دائمًا لا تخرج للنور، ومع الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة العربية ازدادت حدة أزمة السكن، وتراجعت الحلول خطوة إلى الخلف.
وذكرت دراسات المعهد العربي لإنماء المدن أن نحو 60% من سكان المدن في الوطن العربي يقطنون بالعشوائيات، إذ يصل عمر الأزمة إلى نحو 60 عامًا، وحتى الآن لم تنجح أي دولة عربية في إيجاد حل مناسب لتلك المُعضلة، إلا أن التجربة التركية تبرز بوصفها حلًّا جيدًا وملائمًا للأوضاع الاقتصادية بالمنطقة، فلماذا لا تلجأ إليه الدول العربية؟
تركيا طبقت نموذجًا حقق الكثير من النجاحات بأزمة السكن في المُدن، ولعل الأوضاع في تركيا كانت مشابهة جدًا قبل نهوضها للأوضاع في العالم العربي، سواء على مستوى الأزمات الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية، لذلك يبقى النموذج التركي حلًّا مثاليًّا لأزمة السكن في المنطقة، وقبل استعراض الحل يجب استعراض أسباب المشكلة وأبرز النماذج التي تعاني من أزمة السكن بالعالم العربي:
السعودية
تقول إحصاءات حديثة غير رسمية إن 73% من السعوديين لا يملكون مسكنًا، ونحو 30% من الذين يملكون مساكن، تكون غير لائقة، ويرجع ذلك إلى الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، إذ إن الأزمة في المملكة قديمة ولكنها تتضخم كل عام، وتعد من التحديات الاقتصادية الكبرى أمام البلاد.
ورغم ضخامة النسبة التي تحتاج إلى السكن في السعودية، إلا أن الكساد سيد الموقف في سوق العقار، بالإضافة إلى أن المشروعات الجديدة ضئيلة جدًا، وذلك بسبب هبوط أسعار النفط، مما ساهم في هبوط السيولة الداخلية وقلة الاستثمار في القطاع العقاري، وهو ما تحاول المملكة إنعاشه.
مشكلة السكن في السعودية نالت النصيب الأكبر من الوعود، وآخر هذه الوعود ما تضمنته «رؤية 2030»، من منح الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في مجال التطوير العقاري صفقات شراكة لبناء 1.5 مليون وحدة سكنية على مدى سبع أو ثماني سنوات، إذ قامت الدولة بتغيير دورها من مطور ومنفذ إلى منظم ومراقب للسوق، وفسحت المجال أمام القطاع الخاص لدخول مجال التطوير العقاري.
ويهدف هذا التوجه إلى زيادة نسبة التملك للسعوديين 5% على الأقل، لتصل من 47% حاليًا إلى 52% بحلول عام 2020، بحسب الأرقام الرسمية، فيما يتراوح حجم التطوير العقاري في السعودية حاليًا بين 95 و125 مليار ريال سنويًا، بينما يصل عدد الوحدات السكنية المطلوبة سنويًا إلى ما يتراوح بين 150 و200 ألف وحدة سكنية.
وفي محاولة جديدة، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، عن رفع نسبة التمويل للقروض العقارية المقدمة للمواطنين من 70% إلى 85% من قيمة المسكن، لتسهيل الحصول على السكن، وذلك لدعم النمو في قطاع التمويل العقاري، بحسب محافظ مؤسسة النقد أحمد الخليفي.
إلا أن محمد عبد الحكيم، الخبير الاقتصادي المصري، يرى أن التمويل العقاري له إيجابيات تتمثل في زيادة كمية النقود المتاحة لشراء العقارات، ما يدعم الطلب عليها، وبالتالي فإنه يخلق حالة من الرواج، ولكن يصاحبها تضخم في أسعار العقارات تتناسب طرديًا مع حجم التمويلات الممنوحة.
وتابع عبد الحكيم خلال حديثه مع «ساسة بوست» أنه من المعلوم أن القطاع العقاري عادةً ما يكون قاطرة للعديد من القطاعات الأخرى التي ترتبط به، كقطاع الإنشاءات ومواد البناء وغيرها، وبالطبع فإن رواج تلك القطاعات يكون له أثر إيجابي على معدلات النمو والبطالة.
وقال إن ارتفاع نسب التمويل العقاري ذو آثار سلبية تتمثل في التضخم نتيجة ازدياد كمية النقود المتاحة لشراء العقارات، وهو ما يقوي الارتباط بين القطاع العقاري والقطاع المالي والبنكي، حيث تكون أسعار العقارات عرضة لأزمات مشابهة لأزمة عام 2008 نتيجة أي أزمات قد تلحق بالقطاع المالي وقدرته على الحفاظ على مستويات التمويل.
وتابع: «لذا فإن قرار رفع نسب التمويل العقاري هو قرار من الخطورة بمكان، بحيث يجب أن يتم دراسته وكيفية تحجيم مخاطره لتلافي آثاره السلبية على الاقتصاد بشكل عام والاستثمارات العقارية للأفراد بشكل خاص».
وكانت وزارة الإسكان السعودية قد وعدت في أكتوبر (تشرين الأول) بإنهاء قوائم انتظار تضم 1.2 مليون مواطن يرغبون في الحصول على مسكن، مشيرة إلى أن ذلك سيتم في غضون سبع سنوات بدلًا من 15 سنة.
قال فهد الزيد، الخبير العقاري، إن وزارة الإسكان تفتقد الرؤية الواضحة، فهي تمتلك المال والأراضي لكنها لا تفعل شيئًا، مضيفًا أن الوزارة استرجعت أراضيَ تقدر بحوالي 3750 كيلومترًا مربعًا، ولديها نحو 250 مليار ريال، ولكنها لا تبني المنازل كما هو دورها الحقيقي.
ويرى الزيد أن الوزارة تركز على برامج غير فعالة، فلا يوجد مبرر لحرصها على إشراك المصارف في عملها عن طريق تسهيل الحصول على قروض، وسط تضخم السوق العقارية بشكل غير طبيعي، بينما تُهمل المستحقين الحقيقيين للدعم الذين لا يجدون منزلًا يؤويهم، من وجهة نظره.
الجزائر
أطلقت الحكومة الجزائرية تحديًا كبيرًا ببداية الربع الأول من العام الماضي، مفاده أن أزمة السكن ستنتهي في البلاد بحلول العام المقبل، مما يعني أنها ستوفر أكثر من مليون وحدة خلال هذه المدة، ولعل هذا التحدي هو الأكبر من نوعه، في أزمة يؤكد الجميع أنها تحتاج إلى العمل أكثر من التصريحات القوية.
قال رئيس المجمع الوطني للمهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود، إن الورشات المفتوحة وتلك التي لم تنطلق بعد والتي يتجاوز عددها مليونًا ونصف مليون مسكن، من المستحيل إتمامها قبل نهاية سنة 2018.
وقال بوداود، خلال تصريحات صحفية إن الحكومة تتعامل مع أزمة السكن بلغة الأرقام والمواعيد، وهو ما يتناقض مع النسيج العمراني الذي يجب أن يوفر الحياة المريحة والكريمة للساكنين، حيث تلزم المقاييس بتوفير عشرة أمتار مربعة لكل ساكن، لكن الجزائر توفر حاليًا 0 متر مربع، بحسب تعبيره.
ذهب بوداود إلى أن 80% من المشاريع السكنية بالجزائر غير صالحة للإسكان، مرجعًا ذلك إلى غياب مكاتب الدراسات التي تشرف على المشروع، وكذلك المراقبة والمتابعة.
مصر
لا يختلف الوضع كثيرًا في مصر عن السعودية والجزائر، إذ إن امتلاك شقة هو حلم 49.2% من الأسر المصرية غير القادرة على شراء المساكن متوسطة الثمن، والتي تقدر قيمتها بـ225 ألف جنيه (12.5 ألف دولار)، إذ تتخطى 6.6 أضعاف دخلهم السنوي، هكذا ذكرت مؤسسة (10 طوبة) للدراسات والتطبيقات العمرانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
قالت المؤسسة إن ثلث الأسر المصرية تعيش في عمران محروم، وهذه الأسر محرومة من واحد أو أكثر من ستة مقومات قابلة للقياس الكمي، والتي استخدمت لتعريف المسكن الملائم، وهي: القدرة على تحمل التكاليف، والمسكن الآمن، وأمن الحيازة، ومساحة المعيشة الكافية (التزاحم)، ومياه الشرب الآمنة، والصرف الصحي المحسَّن.
دراسة (10 طوبة) قالت إن أسعار الأراضي والمنازل في مصر، قد نمت على مدى السنوات الثماني الماضية بنسبة 19.6% سنويًّا، في حين نما متوسط الدخل بنسبة 5.4% سنويًّا خلال الفترة الزمنية نفسها.
يرى يوسف عدلي، الباحث في معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية في روتردام بهولندا، أن تجاهل وزارة الإسكان المصرية لبلورة سياسات رقابية على سوق الأراضي والعقارات وكبح تضخم الأسعار، هو سياسة مقصودة من جانب الوزارة.
وقال عدلي إن المشاريع الاستثمارية الكبرى التي ترتفع فيها أسعار الوحدات السكنية تتعاظم فيها الأرباح التجارية، لذلك يتم توجيه مليارات الدعم للاستثمار في مشروعات موجهة للأعلى دخلًا من المواطنين، إذ زادت أسعار الإسكان المدعم 260% في الفترة الأخيرة.
التجربة التركية
أسست تركيا ما يسمى بالإدارة العامة للإسكان التركية (طوكي)، التي تم إنشاؤها في عام 1984، وكان الهدف منها حل مشكلة الإسكان المتراكمة في تركيا، وتلبية الطلبات المرتفعة على المساكن في المدن بشكل مخطط ومنظم، وبشكل خاص المواطنين أصحاب الدخل المحدود.
أخذت التجربة التركية اتجاهًا مختلفًا في التمويل، إذ أنشأت البلاد صندوقًا نقديًّا خاصًّا بـ(طوكي) وذلك لتحقيق طريق الاكتفاء الذاتي، المنفصل عن الميزانية العامة للدولة، وتعتمد مصادرها على التجارة العقارية عن طريق شراء أراضٍ أو مناطق سياحية وتأجيرها.
كانت الوظيفة الأساسية لطوكي توفير مساكن لمحدودي الدخل، إذ كانت تبيع لمحدودي الدخل المساكن بالتقسيط طويل المدى، وتقوم بتطوير المشاريع التجارية والسياحية وشراء الأراضي والمساكن الفخمة وبيعها للأغنياء، ومن ثم تستعمل أموال الربح في بناء وحدات سكنية على شكل مدن سكنية وبيعها وتخصيصها للمواطنين ذوي الأجور المحدودة.
اعتمدت طوكي أيضًا على استراتيجية مختلفة بعض الشيء، إذ كانت تعطي المقاولين الأراضي ليقوموا بإنشاء المدن السكنية الضخمة عليها، ثم تقوم طوكي بدلًا من دفع الأجرة النقدية للمقاولين بتقاسم بعض الشقق معهم، والتي تساوي الأجرة وبذلك تستطيع إتمام مدن ضخمة من دون دفع نقدي مسبق، ولعل أبرز المشاريع التي أتمتها طوكي هي: «باشاك شهير – 2454 وحدة، كوزي يلديز – 750 وحدة، مافي شهير – 700 وحدة، جيهان – 850 وحدة سكنية».
ووضعت طوكي عدة شروط للحصول على وحدة سكنية أبرزها: أن يكون محدود الدخل (750 ليرة)، ومقيمًا في العشوائيات، ويتلقى راتبه من خلال البنوك لضمان السداد.
نجحت التجربة التركية وفق عديد المقاييس، إذ أصبحت عدة مدن تركية ضمن قائمة أفضل مدن عالميًا في النمو العمراني في السنوات الأخيرة، لذا ربما يمكن للدول العربية محاولة الاستفادة من التجربة التركية لحل أزمة الإسكان، والقضاء على 60 عامًا مما يراه العديد من المراقبين فشلًا ذريعًا.
تعتبر أزمة السكن في العالم العربي من الأزمات التي لم تجد حلولا مناسبة منذ فترة كبيرة وذلك للعديد من الأسباب
العشوائية
وتعتبر العشوائي من أهم المشاكل التي تسببت في أزمة الإسكان في المجتمع العربي، فدولة مثل مصر ذات مساحة واسعة ورغم ذلك يعاني المصريون من أزمة في السكن، بينما لم نسمع عن هذه الأزمة في الصين أو الهند اللذين يقاربان على أكثر من ثلث سكان العالم.
أزمة السكن في العالم العربي هي من أعنف الأزمات في المنطقة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، كما أنها الأكثر إرهاقًا للحكومات، إذ تتناوب الدول العربية على الصدارة في أزمة السكن، فتارة تكون السعودية في المرتبة الأولى، وأخرى تنفرد مصر بالصدارة، وثالثة تخطف الجزائر الأنظار.
الحصول على الوحدات السكنية أزمة متلازمة للشباب العربي، يعود عمرها إلى عقود، وهي متنوعة ولها أشكل عدة، إلا أنها في النهاية الأزمة الأكثر حصولًا على الوعود بالحل، ولكن هذه الحلول دائمًا لا تخرج للنور، ومع الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة العربية ازدادت حدة أزمة السكن، وتراجعت الحلول خطوة إلى الخلف.
وذكرت دراسات المعهد العربي لإنماء المدن أن نحو 60% من سكان المدن في الوطن العربي يقطنون بالعشوائيات، إذ يصل عمر الأزمة إلى نحو 60 عامًا، وحتى الآن لم تنجح أي دولة عربية في إيجاد حل مناسب لتلك المُعضلة، إلا أن التجربة التركية تبرز بوصفها حلًّا جيدًا وملائمًا للأوضاع الاقتصادية بالمنطقة، فلماذا لا تلجأ إليه الدول العربية؟
تركيا طبقت نموذجًا حقق الكثير من النجاحات بأزمة السكن في المُدن، ولعل الأوضاع في تركيا كانت مشابهة جدًا قبل نهوضها للأوضاع في العالم العربي، سواء على مستوى الأزمات الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية، لذلك يبقى النموذج التركي حلًّا مثاليًّا لأزمة السكن في المنطقة، وقبل استعراض الحل يجب استعراض أسباب المشكلة وأبرز النماذج التي تعاني من أزمة السكن بالعالم العربي:
السعودية
تقول إحصاءات حديثة غير رسمية إن 73% من السعوديين لا يملكون مسكنًا، ونحو 30% من الذين يملكون مساكن، تكون غير لائقة، ويرجع ذلك إلى الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، إذ إن الأزمة في المملكة قديمة ولكنها تتضخم كل عام، وتعد من التحديات الاقتصادية الكبرى أمام البلاد.
ورغم ضخامة النسبة التي تحتاج إلى السكن في السعودية، إلا أن الكساد سيد الموقف في سوق العقار، بالإضافة إلى أن المشروعات الجديدة ضئيلة جدًا، وذلك بسبب هبوط أسعار النفط، مما ساهم في هبوط السيولة الداخلية وقلة الاستثمار في القطاع العقاري، وهو ما تحاول المملكة إنعاشه.
مشكلة السكن في السعودية نالت النصيب الأكبر من الوعود، وآخر هذه الوعود ما تضمنته «رؤية 2030»، من منح الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في مجال التطوير العقاري صفقات شراكة لبناء 1.5 مليون وحدة سكنية على مدى سبع أو ثماني سنوات، إذ قامت الدولة بتغيير دورها من مطور ومنفذ إلى منظم ومراقب للسوق، وفسحت المجال أمام القطاع الخاص لدخول مجال التطوير العقاري.
ويهدف هذا التوجه إلى زيادة نسبة التملك للسعوديين 5% على الأقل، لتصل من 47% حاليًا إلى 52% بحلول عام 2020، بحسب الأرقام الرسمية، فيما يتراوح حجم التطوير العقاري في السعودية حاليًا بين 95 و125 مليار ريال سنويًا، بينما يصل عدد الوحدات السكنية المطلوبة سنويًا إلى ما يتراوح بين 150 و200 ألف وحدة سكنية.
وفي محاولة جديدة، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، عن رفع نسبة التمويل للقروض العقارية المقدمة للمواطنين من 70% إلى 85% من قيمة المسكن، لتسهيل الحصول على السكن، وذلك لدعم النمو في قطاع التمويل العقاري، بحسب محافظ مؤسسة النقد أحمد الخليفي.
إلا أن محمد عبد الحكيم، الخبير الاقتصادي المصري، يرى أن التمويل العقاري له إيجابيات تتمثل في زيادة كمية النقود المتاحة لشراء العقارات، ما يدعم الطلب عليها، وبالتالي فإنه يخلق حالة من الرواج، ولكن يصاحبها تضخم في أسعار العقارات تتناسب طرديًا مع حجم التمويلات الممنوحة.
وتابع عبد الحكيم خلال حديثه مع «ساسة بوست» أنه من المعلوم أن القطاع العقاري عادةً ما يكون قاطرة للعديد من القطاعات الأخرى التي ترتبط به، كقطاع الإنشاءات ومواد البناء وغيرها، وبالطبع فإن رواج تلك القطاعات يكون له أثر إيجابي على معدلات النمو والبطالة.
وقال إن ارتفاع نسب التمويل العقاري ذو آثار سلبية تتمثل في التضخم نتيجة ازدياد كمية النقود المتاحة لشراء العقارات، وهو ما يقوي الارتباط بين القطاع العقاري والقطاع المالي والبنكي، حيث تكون أسعار العقارات عرضة لأزمات مشابهة لأزمة عام 2008 نتيجة أي أزمات قد تلحق بالقطاع المالي وقدرته على الحفاظ على مستويات التمويل.
وتابع: «لذا فإن قرار رفع نسب التمويل العقاري هو قرار من الخطورة بمكان، بحيث يجب أن يتم دراسته وكيفية تحجيم مخاطره لتلافي آثاره السلبية على الاقتصاد بشكل عام والاستثمارات العقارية للأفراد بشكل خاص».
وكانت وزارة الإسكان السعودية قد وعدت في أكتوبر (تشرين الأول) بإنهاء قوائم انتظار تضم 1.2 مليون مواطن يرغبون في الحصول على مسكن، مشيرة إلى أن ذلك سيتم في غضون سبع سنوات بدلًا من 15 سنة.
قال فهد الزيد، الخبير العقاري، إن وزارة الإسكان تفتقد الرؤية الواضحة، فهي تمتلك المال والأراضي لكنها لا تفعل شيئًا، مضيفًا أن الوزارة استرجعت أراضيَ تقدر بحوالي 3750 كيلومترًا مربعًا، ولديها نحو 250 مليار ريال، ولكنها لا تبني المنازل كما هو دورها الحقيقي.
ويرى الزيد أن الوزارة تركز على برامج غير فعالة، فلا يوجد مبرر لحرصها على إشراك المصارف في عملها عن طريق تسهيل الحصول على قروض، وسط تضخم السوق العقارية بشكل غير طبيعي، بينما تُهمل المستحقين الحقيقيين للدعم الذين لا يجدون منزلًا يؤويهم، من وجهة نظره.
الجزائر
أطلقت الحكومة الجزائرية تحديًا كبيرًا ببداية الربع الأول من العام الماضي، مفاده أن أزمة السكن ستنتهي في البلاد بحلول العام المقبل، مما يعني أنها ستوفر أكثر من مليون وحدة خلال هذه المدة، ولعل هذا التحدي هو الأكبر من نوعه، في أزمة يؤكد الجميع أنها تحتاج إلى العمل أكثر من التصريحات القوية.
قال رئيس المجمع الوطني للمهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود، إن الورشات المفتوحة وتلك التي لم تنطلق بعد والتي يتجاوز عددها مليونًا ونصف مليون مسكن، من المستحيل إتمامها قبل نهاية سنة 2018.
وقال بوداود، خلال تصريحات صحفية إن الحكومة تتعامل مع أزمة السكن بلغة الأرقام والمواعيد، وهو ما يتناقض مع النسيج العمراني الذي يجب أن يوفر الحياة المريحة والكريمة للساكنين، حيث تلزم المقاييس بتوفير عشرة أمتار مربعة لكل ساكن، لكن الجزائر توفر حاليًا 0 متر مربع، بحسب تعبيره.
ذهب بوداود إلى أن 80% من المشاريع السكنية بالجزائر غير صالحة للإسكان، مرجعًا ذلك إلى غياب مكاتب الدراسات التي تشرف على المشروع، وكذلك المراقبة والمتابعة.
مصر
لا يختلف الوضع كثيرًا في مصر عن السعودية والجزائر، إذ إن امتلاك شقة هو حلم 49.2% من الأسر المصرية غير القادرة على شراء المساكن متوسطة الثمن، والتي تقدر قيمتها بـ225 ألف جنيه (12.5 ألف دولار)، إذ تتخطى 6.6 أضعاف دخلهم السنوي، هكذا ذكرت مؤسسة (10 طوبة) للدراسات والتطبيقات العمرانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
قالت المؤسسة إن ثلث الأسر المصرية تعيش في عمران محروم، وهذه الأسر محرومة من واحد أو أكثر من ستة مقومات قابلة للقياس الكمي، والتي استخدمت لتعريف المسكن الملائم، وهي: القدرة على تحمل التكاليف، والمسكن الآمن، وأمن الحيازة، ومساحة المعيشة الكافية (التزاحم)، ومياه الشرب الآمنة، والصرف الصحي المحسَّن.
دراسة (10 طوبة) قالت إن أسعار الأراضي والمنازل في مصر، قد نمت على مدى السنوات الثماني الماضية بنسبة 19.6% سنويًّا، في حين نما متوسط الدخل بنسبة 5.4% سنويًّا خلال الفترة الزمنية نفسها.
يرى يوسف عدلي، الباحث في معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية في روتردام بهولندا، أن تجاهل وزارة الإسكان المصرية لبلورة سياسات رقابية على سوق الأراضي والعقارات وكبح تضخم الأسعار، هو سياسة مقصودة من جانب الوزارة.
وقال عدلي إن المشاريع الاستثمارية الكبرى التي ترتفع فيها أسعار الوحدات السكنية تتعاظم فيها الأرباح التجارية، لذلك يتم توجيه مليارات الدعم للاستثمار في مشروعات موجهة للأعلى دخلًا من المواطنين، إذ زادت أسعار الإسكان المدعم 260% في الفترة الأخيرة.
التجربة التركية
أسست تركيا ما يسمى بالإدارة العامة للإسكان التركية (طوكي)، التي تم إنشاؤها في عام 1984، وكان الهدف منها حل مشكلة الإسكان المتراكمة في تركيا، وتلبية الطلبات المرتفعة على المساكن في المدن بشكل مخطط ومنظم، وبشكل خاص المواطنين أصحاب الدخل المحدود.
أخذت التجربة التركية اتجاهًا مختلفًا في التمويل، إذ أنشأت البلاد صندوقًا نقديًّا خاصًّا بـ(طوكي) وذلك لتحقيق طريق الاكتفاء الذاتي، المنفصل عن الميزانية العامة للدولة، وتعتمد مصادرها على التجارة العقارية عن طريق شراء أراضٍ أو مناطق سياحية وتأجيرها.
كانت الوظيفة الأساسية لطوكي توفير مساكن لمحدودي الدخل، إذ كانت تبيع لمحدودي الدخل المساكن بالتقسيط طويل المدى، وتقوم بتطوير المشاريع التجارية والسياحية وشراء الأراضي والمساكن الفخمة وبيعها للأغنياء، ومن ثم تستعمل أموال الربح في بناء وحدات سكنية على شكل مدن سكنية وبيعها وتخصيصها للمواطنين ذوي الأجور المحدودة.
اعتمدت طوكي أيضًا على استراتيجية مختلفة بعض الشيء، إذ كانت تعطي المقاولين الأراضي ليقوموا بإنشاء المدن السكنية الضخمة عليها، ثم تقوم طوكي بدلًا من دفع الأجرة النقدية للمقاولين بتقاسم بعض الشقق معهم، والتي تساوي الأجرة وبذلك تستطيع إتمام مدن ضخمة من دون دفع نقدي مسبق، ولعل أبرز المشاريع التي أتمتها طوكي هي: «باشاك شهير – 2454 وحدة، كوزي يلديز – 750 وحدة، مافي شهير – 700 وحدة، جيهان – 850 وحدة سكنية».
ووضعت طوكي عدة شروط للحصول على وحدة سكنية أبرزها: أن يكون محدود الدخل (750 ليرة)، ومقيمًا في العشوائيات، ويتلقى راتبه من خلال البنوك لضمان السداد.
نجحت التجربة التركية وفق عديد المقاييس، إذ أصبحت عدة مدن تركية ضمن قائمة أفضل مدن عالميًا في النمو العمراني في السنوات الأخيرة، لذا ربما يمكن للدول العربية محاولة الاستفادة من التجربة التركية لحل أزمة الإسكان، والقضاء على 60 عامًا مما يراه العديد من المراقبين فشلًا ذريعًا.