خاص شامل 24 – الباجي قائد السبسي: انتصار بورقيبة الديمقراطي
خاص شامل 24- انتهت المرحلة الانتقالية بعد أربع سنوات عاش فيها التونسيون ما لم يخطر ببالهم حتى في الكوابيس لكنهم انتصروا في النهاية وانتخبوا رئيسا على دورتين في مشهد غير مسبوق في العالم العربي.
للمرة الثانية على التوالي سيغادر رئيس الحكم إلى بيته مع تمتعه بامتيازات رئيس سابق بكل ابعادها الرمزية وعائداتها المالية ، المرة الاولى كانت مع فؤاد المبزع الرئيس السابق لكن هذه المرة لها طعم اخر إذ أن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ايضا غادر الحكم بشكل سلمي ولكن يعتقد الكثيرون ان الاهتمام به كان اقل مما يجب ان يكون.
وفي الحقيقة مغادرة الرئيس المؤقت منصف المرزوقي للرئاسة بعد دورتين انتخابيتين كانت حدثا غير مسبوق في العالم العربي اذ ان الدستور الجديد منح كل الضمانات لانتخابات حرة شفافة مارس من خلالها الشعب التونسي حرية الاختيار في الدورة الاولى والثانية كما مارس فيها الرئيس المنهزم المرزوقي حقه في الطعن والتعقيب بعد الدورة الاولى وقد يفعل الشىء نفسه بعد الدورة الثانية وهو حقه الذي يكفله الدستور والقانون الانتخابي.
خروج منصف المرزوقي من القصر بعد ثلاث سنوات ودخول الباجي قائد السبسي الزعيم البورقيبي البارز له اكثر من دلالة فبعد اربع سنوات من تجريم النظام البورقيبي في نسختيه عاد البورقيبيون إلى الحكم في انتخابات ديمقراطية شفافة شهد بها العالم فلماذا انتصر الباجي قائد السبسي في مواجهة منافس بنى كل مشروعه السياسي على معاداة المشروع البورقيبي؟
انتصرت البورقيبية
يحتفظ التونسيون للزعيم الحبيب بورقيبة بالكثير والاحترام باستثناء الاسلاميين والقوميين فقد قاد الزعيم الخالد الحبيب بورقيبة معركة الاستقلال وبناء الدولة وأقام مشروعا اجتماعيا شعاره تحرير المرأة ومقاومة الفقر والأمية وقد كان رائدا في هذا ريادة غير مسبوقة في العالم لكنه أخطأ في التمسك بالرئاسة مدى الحياة وفي التضييق على المعارضة وفي معاقبة بعض الجهات الداخلية بسبب مناصرتها لغريمه التاريخي صالح بن يوسف ومنعه طيلة سنوات للتعددية السياسية والنقابية وفتح الباب للجمعيات والإعلام الذي واجه السلطة في عهده بالكثير من الصبر والصمود والتضحيات.
في ذلك المناخ البورقيبي القائم على تقديس «الزعيم» كان الباجي قائد السبسي أول من ألقى بحجر في المياه الصامتة حتى لا أقول الراكدة فاستقال من منصبه كسفير لتونس في باريس سنة 1970 وقد كانت اول خطوة تمرد فعلية من داخل نظام الزعيم ومن واحد من اقرب المقربين اليه ومع ذلك فان عددا كبيرا من المؤرخين يتجاهلون هذه الاستقالة التي أسست لمرحلة جديدة من الحياة السياسية في تونس وكان لنشرها في جريدة «لوموند» تأثيرا واسعا داخل السلطة عقبته استقالات اخرى من المجموعة الديمقراطية كما ستعرف فيما بعد ومن ابرز اعًلامها احمد المستيري والحبيب بولعراس ومحمد مواعدة ومصطفى بن جعفر ومنذ منتصف السبعينات وضع الباجي قائد السبسي المحامي منذ سنة 1952 كل امكانياته المالية على ذمة الحركة الديمقراطية الناشئة فأسس مجلة «ديمقراطية» الناطقة بالفرنسية وكان قريبا من مجموعة «الرأي» ورابطة حقوق الانسان وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ولم يعد الباجي قائد السبسي إلى الحكومة الا بعد اكثر من عشر سنوات وبعد اعتراف الزعيم بورقيبة بالتعددية الحزبية في 1981.
بورقيبة الديمقراطي
الذين يجهلون التاريخ ينكرون على الباجي قائد السبسي قيادة التيار الديمقراطي من داخل النظام البورقيبي المبني على الزعيم الأوحد لكن التاريخ انصف الباجي قائد السبسي الذي كان اول من انشق رمزيا على نظام والده الروحي الحبيب بورقيبة في نص استقالة شهير سنة 1970 في جريدة «لوموند» عندما كان سفيرا لتونس في باريس. لهذه الأسباب نجح الباجي قائد السبسي وحزبه في حصد اكبر عدد من أصوات التونسيين المتعطشين لنظام بورقيبي ديمقراطي فالتونسيون الذين خرجوا إلى الشوارع واحتجوا على النظام السابق في اكثر من مدينة سواء في احداث سليانة 1990 أو الحوض المنجمي في 2008 أو بنقردان في صيف 2010 أو بداية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 كان هاجسهم الأساسي هو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية وليس تخريب الدولة ونسف مكاسبها وهو ما عاشوه بالتفصيل الممل خلال ثلاث سنوات من حكم الـ«ترويكا» انتهت رسميا امس بالاعلان عن نتائج الانتخابات.
لقد نجح الباجي قائد السبسي لأنه ببساطة ذكر التونسيين ببطل الاستقلال لكن في وجه ديمقراطي هذه المرة لذلك فان نجاح قائد السبسي في الرئاسية ونجاح حزبه في التشريعية هو انتصار لمشروع بورقيبة الديمقراطي.