web analytics

“صلاح الدين” الذي شيطنه يوسف زيدان

فيما انتقد مثقفون ومؤرخون بشدة الأكاديمي والكاتب الروائي الدكتور يوسف زيدان الذي استخدم مؤخرا مفردات صادمة في حق رمز تاريخي كبير هو صلاح الدين الأيوبي فان هذه المعركة الثقافية الجديدة تثير تساؤلات حول الفارق بين حرية البحث وبين تحطيم الرموز التاريخية للأمة .

وكان الدكتور يوسف زيدان قد استخدم مفردات صادمة في وصف صلاح الدين الأيوبي وكال له اتهامات متعددة في سياق مقابلة تلفزيونية مؤخرا من بينها مواقفه المناوئة للفاطميين ليثير غضبا ظاهرا في تعليقات العديد من المثقفين .

وفيما تتوالى التعليقات في الصحف ووسائل الاعلام حول اتهامات يوسف زيدان للبطل صلاح الدين الأيوبي فان هناك اتفاقا عاما بين المؤرخين على ان اي شخصية تاريخية "لها مالها وعليها ماعليها" غير انه لايجوز التهجم على الرموز او الطعن في مواقفهم دون دليل تاريخي دامغ.

وفي مقابلة صحفية تساءلت الدكتورة زبيدة عطا الله استاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس :"لماذا نضرب كل الرموز والقيم الجيدة التي نمتلكها"؟ معيدة للأذهان ان صلاح الدين الأيوبي "بطل معركة حطين" شخصية تاريخية مميزة وحارب الصليبيين واسترد بيت المقدس.

وفي الاتجاه ذاته قال الدكتور ايمن فؤاد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ان صلاح الدين الأيوبي من الشخصيات المهمة في تاريخ العالم الاسلامي ، فيما انتقد الدكتور محمد عفيفي استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة ما ذكره يوسف زيدان بشأن البطل صلاح الدين الأيوبي معتبرا ان المؤرخ الحقيقي يتعامل مع اي ظاهرة بهدوء ويتحدث عنها بكل ايجابياتها وسلبياتها في سياقاتها التاريخية.

وصلاح الدين الأيوبي ابن "تكريت العراقية" والذي ينتمي عرقيا للأكراد كان نموذجا فذا لمعنى الانتماء للثقافة العربية بصرف النظر عن الأصل العرقي وهو الذي انطلق مشروعه التاريخي من مصر الكنانة ليوحد من جديد عدة بلدان وامصار عربية ضمن حربه الباسلة ضد المحتل ومعاركه المظفرة التي توجت بتحرير القدس الشريف من قبضة غاصب استمر في احتلاله لنحو قرن كامل.

وفيما يعد صلاح الدين الأيوبي موضع اهتمام متجدد في الثقافة الغربية ومصدر الهامات لكتابات وكتب متعددة فان المفكر البريطاني والباكستاني الأصل طارق علي كان قد اصدر عملا ابداعيا كبيرا حظى باهتمام بالغ في الصحافة الثقافية الغربية وهو "كتاب صلاح الدين" ضمن سفر "خماسية الاسلام".

وفي هذا الكتاب الذي جمع مابين البحث التاريخي والخيال الابداعي يمكن للقاريء ان يتذوق شهد الابداع لطارق علي ويعيش في "قاهرة صلاح الدين" والحرب ضد المستعمر الصليبي وافكار فلاسفة كبار مثل ابن رشد وابن سينا وابن ميمون والمؤرخ اسامة بن منقذ وعالم القرن الثاني عشر الميلادي وصراعات القوى الكبرى في هذا العالم.

والملاحظة الدالة في هذا السياق ان هذا المفكر الباكستاني الأصل الذي يحظى انتاجه الثقافي باهتمام كبير في الغرب لم يستخدم ابدا اي نعوت او صفات ومفردات صادمة مثل التي استخدمها الدكتور يوسف زيدان عندما تحدث مؤخرا عن صلاح الدين الأيوبي الذي اقترن دوما في العقل العام ووجدان الأمة بالبطولة والكبرياء باعتباره صاحب احد اهم انتصارات العرب والعالم الاسلامي على مدى التاريخ .

ولئن تعرض الأكاديمي والكاتب والروائي الدكتور يوسف زيدان لاتهامات في مطلع هذا العام بانتحال روايته الشهيرة "عزازيل" من رواية انجليزية قديمة للكاتب تشارلز كينجسلي وعرفت باسم "هيباتيا" لتشتعل معركة ثقافية حول "الانتحال والاقتباس" فهاهي معركة ثقافية جديدة تندلع الآن بعد ان استخدم زيدان "مفردات صادمة" في حق صلاح الدين الأيوبي واثارت غضب العديد من المثقفين المصريين والعرب. 

والشخصيات التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي الذي اعتبره الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي وول ديورانت في سفره الموسوعي "قصة الحضارة" نموذجا للعظمة والرحمة ينبغي ان تكون موضع بحث تاريخي متجدد ولكن بضوابط منهجية ودوافع ثقافية.

ومثل هذه الدوافع الثقافية لاتتضمن ابدا الرغبة في تحطيم الرموز او اهانة الأبطال التاريخيين لأمة من الأمم كما ان اي باحث حقيقي لايمكنه الزعم "بامتلاك الحقيقة المطلقة في عالم نسبي بطبيعته او الادعاء بأنه يمتلك اليقين بشأن شخصية في حجم صلاح الدين الأيوبي.

ومن المفارقات ان المعركة الثقافية التي اشعلها الدكتور يوسف زيدان جراء مفرداته الصادمة في حق البطل صلاح الدين الأيوبي تأتي بعد اقل من اسبوع على انعقاد المؤتمر السنوي السابع عشر للجمعية المصرية للدراسات التاريخية والذي جاء هذا العام تحت عنوان " التدوين والنقد التاريخي حتى نهاية القرن التاسع عشر" وهو عنوان يوميء لطرق النقد كما تناول موضوعه المدارس التاريخية الحديثة والأدوات البحثية.

وفي هذا المؤتمر الذي حضره لفيف من المؤرخين والباحثين اشار رئيس الجمعية الدكتور ايمن فؤاد الى ان "طرق النقد والمدارس التاريخية الحديثة والأدوات البحثية كلها قضايا لم تتوافر عليها دراسات شرقية متخصصة خاصة التدوين في العصور العربية القديمة والاسلامية والحديثة".

وقد تتجلى المفارقة في ان هذا المؤتمر استعاد ماذكره مؤرخ مصري كبير هو الراحل الدكتور رؤوف عباس حول "وجوب مواجهة الأهداف الظاهرة والخفية لتفكيك تاريخنا وتشويهه وتزييفه" بينما يعتبر معلقون الآن في "خضم المعركة الثقافية حول صلاح الدين" ان الاتهامات الصادمة لهذا البطل التاريخي تدخل في سياق "تفكيك تاريخنا وتشويهه وتزييفه".

وواقع الحال ان الجدل مستمر ومن شأنه ان يستمر حول الشخصيات التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي او محمد علي وجمال عبد الناصر والأحداث الهامة في التاريخ كما حدث ويحدث بشأن ثورة 23 يوليو عام 1952 غير ان عميد الصحافة المصرية والعربية الراحل محمد حسنين هيكل كان قد لفت في مرحلة سابقة شهدت غلوا في حملات واتهامات تعرض لها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الى اهمية التمييز بين حرية البحث التاريخي وخطورة التهجم على الرموز التاريخية ومحاولة تحطيمها .

وفيما لفت فريق من المثقفين غير مرة لأهمية الانتباه للسياق التاريخي لهذه التجربة وحجم التحديات التي جابهتها كان الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري قد وصف جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 يوليو "بعظيم المجد والأخطاء",

اما كتابات كبير الرواية العربية والنوبلي المصري نجيب محفوظ عن هذه الثورة والتجربة الناصرية فتشير بصيغ مختلفة "لانجازات عملاقة مقابل اخطاء وخطايا تتعلق بالحريات وقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان.

وفي سياق متصل اعاد الشاعر والكاتب فاروق جويدة للأذهان مسألة غياب وثائق ثورة 23 يوليو 1952 وقال ان "تاريخ ثورة يوليو تحول الى دهاليز سرية لايستطيع احد ان يعبر فيها دون ان يصيبه شيء من غبارها ورغم اللجان التي تشكلت لجمع تراث هذه الثورة الا ان معظم الوثائق اختفت ولم نستطع حتى الآن ان نقول اننا كشفنا اسرار ثورة يوليو".

وكان المؤتمر الأخير للجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد اكد على ضرورة "استخدام المنهج العلمي في تناول التدوين في اطار فلسفة التاريخ والجمع بين المصادر التاريخية والأثرية وكل مايفيد في فهم الحدث التاريخي" فيما قال الدكتور ايمن فؤاد :"اذا لم توجد وثائق فلا تاريخ".

واذا كان المؤتمر الأخيرة للجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد ركز على بحث سبل تدوين التاريخ وجمعه وتحقيق التنوع البحثي فثمة حاجة لدراسات متعمقة في التاريخ برؤى وقراءات متعددة بعيدا عن الغلو في التمجيد او التسفيه والتجريح وبروح من الموضوعية ومراعاة السياقات التاريخية ومعطيات زمنها وعصرها الذي يختلف بالضرورة عن الواقع الراهن.

ولئن الظهر الجدل الثقافي الراهن حول صلاح الدين الأيوبي اهمية الاعتماد على البحث التوثيقي بدلا من اطلاق الاتهامات جزافا فان كتابة التاريخ لأي امة بدقة وانصاف يستدعي الأمر بلا ريب وجود استراتيجية واضحة للحفاظ على الأوراق والمستندات المتعلقة بتاريخ هذه الأمة بوصفها جزءا من التراث الانساني وهذه الاستراتيجية في حالة مصر باتت تشكل ضرورة ثقافية لاغنى عنها فضلا عن اهميتها لمواجهة واحباط اي مخطط للسطو على الذاكرة الوطنية والقومية.

وغني عن البيان ان هذه الاستراتيجية ينبغي ان تتضمن تيسير سبل اطلاع الباحثين على الوثائق من اجل زيارات جديدة وامينة للتاريخ وفتح الباب امام تقييمات جديدة وفعالة لسنوات حافلة اضطرمت فيها الأحداث واختلفت الرؤى.

وهكذا يطالب الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد عفيفي وهو في الأصل استاذ للتاريخ بكلية الآداب في جامعة القاهرة بوضع المعيار الخاص لحرية تداول المعلومات لأن ذلك هو اساس مشكلة التعامل مع الوثائق.

كما دعا لتقليل مدة حجب بعض الوثائق بحيث تكون 30 عاما بدلا من 50 عاما مثل باقي الدول التي تحترم مبدأ حرية تداول المعلومات ويتم الكشف عن كل هذه الوثائق مالم تتعارض مع السياسة العليا التي تحددها لجنة مختصة.

وبعيدا عن لغة المفردات الصادمة التي استخدمها الدكتور يوسف زيدان في حق شخصية تاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي فمن الأهمية بمكان القيام "بزيارات جديدة للتاريخ بعيون عربية" على ان تراعي هذه الزيارات الضوابط المنهجية المتعارف عليها عالميا.

وفيما اكد المؤتمر الأخير للجمعية المصرية للدراسات التاريخية على اهمية دراسة واستقراء الماضي لفهم الحاضر والمستقبل فان مؤرخين مصريين بذلوا جهودا لايمكن انكارها لتوصيف وتعريف مراحل مفصلية في التاريخ المصري والعربي ضمن سعي معرفي لتقديم " رواية تاريخية متماسكة ومقبولة منهجيا بالقواعد والأسس المتعارف عليها اكاديميا في علم التاريخ. 

وقد تكون "الزيارات الجديدة للتاريخ" مطلوبة حتى لعصور موغلة في القدم مثلما يفعل الباحث والأثري الكبير الدكتور زاهي حواس فيما جاء كتابه الأخير "اسطورة توت عنخ امون" حافلا بالحقائق الجديدة والتفاصيل المشوقة.

والكتاب يشكل في الواقع خطوة جديدة وكبيرة على طريق استكمال المشروع الثقافي لمثقف وطني نذر نفسه وكرس علمه دفاعا عن مصر الخالدة ورسالتها الحضارية للعالم قاطبة وتضمن معلومات جديدة عن هذا الملك المصري الشاب المثير للجدل وتفاصيل وفاته التي بقت محاطة بالألغاز.

وبعيدا عن الوقوع فى فخ الغلو فى تمجيد الذات القومية او ما يسمى "بالمشاعر الشوفينية" فان الكتاب الأخير للدكتور زاهي حواس عن توت عنخ امون يقدم للعالم امثولة ثقافية مصرية في البحث واستجلاء اوجه العظمة في تاريخ مصر الخالدة والتي سبق وان تناول اديب مصر النوبلي نجيب محفوظ طرفا منها في بداية مسيرته الروائية.

وطرح زاهي حواس في كتابه الذي تولى صوره ولوحاته البديعة الفنان والمصور الايطالي ساندرو فانيني فرضية جديدة فحواها ان توت عنخ امون لم يقتل وانما سقط من عجلته الحربية اثناء رحلة صيد في صحراء منف وهو كمثقف وطني مصري تصدى بعلمه ومعارفه للأباطيل التي تحاول تزوير التاريخ مثل الزعم بأن اليهود هم الذين بنوا اهرامات الجيزة .

وقد تتخذ هذه الأباطيل صورا متعددة وتتخفى وراء مقولة حرية الابداع وتقنيات الابهار كما حدث في فيلم "ملوك وآلهة" للمخرج البريطاني ريدلي سكوت الذي بلغت ميزانيته 140 مليون دولار فيما لم يجانب الصواب وزارة الثقافة المصرية عندما اتخذت قرارا بمنع عرضه في مصر نظرا لما انطوى عليه هذا الفيلم من تزوير للتاريخ المصري القديم لحساب رؤية مغرضة تتخفى وراء استار الابداع التقني وهي تسعى في الحقيقة لتزييف الحقائق التاريخية . 

البعض يريد الا يبقى لنا من الذاكرة سوى التراب حتى لانعرف الى اين تتجه الصعاب ولانجد ملاذا عندما يداهمنا الغياب ونتحول الى ايتام على مائدة عالم ضنين!..لكن مصر قادرة على الدفاع عن ذاكرتها وابنائها من الباحثين بمقدورهم القيام بزيارات جديدة وامينة للتاريخ..تاريخ يرمز فيه صلاح الدين الأيوبي لمعنى البطولة وقدرة هذه الأمة على المقاومة وكأنه اراد منح الأحفاد سلاحا ومفتاحا حتى لايبتلعنا الطوفان !!.

 

فيما انتقد مثقفون ومؤرخون بشدة الأكاديمي والكاتب الروائي الدكتور يوسف زيدان الذي استخدم مؤخرا مفردات صادمة في حق رمز تاريخي كبير هو صلاح الدين الأيوبي فان هذه المعركة الثقافية الجديدة تثير تساؤلات حول الفارق بين حرية البحث وبين تحطيم الرموز التاريخية للأمة .

وكان الدكتور يوسف زيدان قد استخدم مفردات صادمة في وصف صلاح الدين الأيوبي وكال له اتهامات متعددة في سياق مقابلة تلفزيونية مؤخرا من بينها مواقفه المناوئة للفاطميين ليثير غضبا ظاهرا في تعليقات العديد من المثقفين .

وفيما تتوالى التعليقات في الصحف ووسائل الاعلام حول اتهامات يوسف زيدان للبطل صلاح الدين الأيوبي فان هناك اتفاقا عاما بين المؤرخين على ان اي شخصية تاريخية "لها مالها وعليها ماعليها" غير انه لايجوز التهجم على الرموز او الطعن في مواقفهم دون دليل تاريخي دامغ.

وفي مقابلة صحفية تساءلت الدكتورة زبيدة عطا الله استاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس :"لماذا نضرب كل الرموز والقيم الجيدة التي نمتلكها"؟ معيدة للأذهان ان صلاح الدين الأيوبي "بطل معركة حطين" شخصية تاريخية مميزة وحارب الصليبيين واسترد بيت المقدس.

وفي الاتجاه ذاته قال الدكتور ايمن فؤاد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ان صلاح الدين الأيوبي من الشخصيات المهمة في تاريخ العالم الاسلامي ، فيما انتقد الدكتور محمد عفيفي استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة ما ذكره يوسف زيدان بشأن البطل صلاح الدين الأيوبي معتبرا ان المؤرخ الحقيقي يتعامل مع اي ظاهرة بهدوء ويتحدث عنها بكل ايجابياتها وسلبياتها في سياقاتها التاريخية.

وصلاح الدين الأيوبي ابن "تكريت العراقية" والذي ينتمي عرقيا للأكراد كان نموذجا فذا لمعنى الانتماء للثقافة العربية بصرف النظر عن الأصل العرقي وهو الذي انطلق مشروعه التاريخي من مصر الكنانة ليوحد من جديد عدة بلدان وامصار عربية ضمن حربه الباسلة ضد المحتل ومعاركه المظفرة التي توجت بتحرير القدس الشريف من قبضة غاصب استمر في احتلاله لنحو قرن كامل.

وفيما يعد صلاح الدين الأيوبي موضع اهتمام متجدد في الثقافة الغربية ومصدر الهامات لكتابات وكتب متعددة فان المفكر البريطاني والباكستاني الأصل طارق علي كان قد اصدر عملا ابداعيا كبيرا حظى باهتمام بالغ في الصحافة الثقافية الغربية وهو "كتاب صلاح الدين" ضمن سفر "خماسية الاسلام".

وفي هذا الكتاب الذي جمع مابين البحث التاريخي والخيال الابداعي يمكن للقاريء ان يتذوق شهد الابداع لطارق علي ويعيش في "قاهرة صلاح الدين" والحرب ضد المستعمر الصليبي وافكار فلاسفة كبار مثل ابن رشد وابن سينا وابن ميمون والمؤرخ اسامة بن منقذ وعالم القرن الثاني عشر الميلادي وصراعات القوى الكبرى في هذا العالم.

والملاحظة الدالة في هذا السياق ان هذا المفكر الباكستاني الأصل الذي يحظى انتاجه الثقافي باهتمام كبير في الغرب لم يستخدم ابدا اي نعوت او صفات ومفردات صادمة مثل التي استخدمها الدكتور يوسف زيدان عندما تحدث مؤخرا عن صلاح الدين الأيوبي الذي اقترن دوما في العقل العام ووجدان الأمة بالبطولة والكبرياء باعتباره صاحب احد اهم انتصارات العرب والعالم الاسلامي على مدى التاريخ .

ولئن تعرض الأكاديمي والكاتب والروائي الدكتور يوسف زيدان لاتهامات في مطلع هذا العام بانتحال روايته الشهيرة "عزازيل" من رواية انجليزية قديمة للكاتب تشارلز كينجسلي وعرفت باسم "هيباتيا" لتشتعل معركة ثقافية حول "الانتحال والاقتباس" فهاهي معركة ثقافية جديدة تندلع الآن بعد ان استخدم زيدان "مفردات صادمة" في حق صلاح الدين الأيوبي واثارت غضب العديد من المثقفين المصريين والعرب. 

والشخصيات التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي الذي اعتبره الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي وول ديورانت في سفره الموسوعي "قصة الحضارة" نموذجا للعظمة والرحمة ينبغي ان تكون موضع بحث تاريخي متجدد ولكن بضوابط منهجية ودوافع ثقافية.

ومثل هذه الدوافع الثقافية لاتتضمن ابدا الرغبة في تحطيم الرموز او اهانة الأبطال التاريخيين لأمة من الأمم كما ان اي باحث حقيقي لايمكنه الزعم "بامتلاك الحقيقة المطلقة في عالم نسبي بطبيعته او الادعاء بأنه يمتلك اليقين بشأن شخصية في حجم صلاح الدين الأيوبي.

ومن المفارقات ان المعركة الثقافية التي اشعلها الدكتور يوسف زيدان جراء مفرداته الصادمة في حق البطل صلاح الدين الأيوبي تأتي بعد اقل من اسبوع على انعقاد المؤتمر السنوي السابع عشر للجمعية المصرية للدراسات التاريخية والذي جاء هذا العام تحت عنوان " التدوين والنقد التاريخي حتى نهاية القرن التاسع عشر" وهو عنوان يوميء لطرق النقد كما تناول موضوعه المدارس التاريخية الحديثة والأدوات البحثية.

وفي هذا المؤتمر الذي حضره لفيف من المؤرخين والباحثين اشار رئيس الجمعية الدكتور ايمن فؤاد الى ان "طرق النقد والمدارس التاريخية الحديثة والأدوات البحثية كلها قضايا لم تتوافر عليها دراسات شرقية متخصصة خاصة التدوين في العصور العربية القديمة والاسلامية والحديثة".

وقد تتجلى المفارقة في ان هذا المؤتمر استعاد ماذكره مؤرخ مصري كبير هو الراحل الدكتور رؤوف عباس حول "وجوب مواجهة الأهداف الظاهرة والخفية لتفكيك تاريخنا وتشويهه وتزييفه" بينما يعتبر معلقون الآن في "خضم المعركة الثقافية حول صلاح الدين" ان الاتهامات الصادمة لهذا البطل التاريخي تدخل في سياق "تفكيك تاريخنا وتشويهه وتزييفه".

وواقع الحال ان الجدل مستمر ومن شأنه ان يستمر حول الشخصيات التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي او محمد علي وجمال عبد الناصر والأحداث الهامة في التاريخ كما حدث ويحدث بشأن ثورة 23 يوليو عام 1952 غير ان عميد الصحافة المصرية والعربية الراحل محمد حسنين هيكل كان قد لفت في مرحلة سابقة شهدت غلوا في حملات واتهامات تعرض لها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الى اهمية التمييز بين حرية البحث التاريخي وخطورة التهجم على الرموز التاريخية ومحاولة تحطيمها .

وفيما لفت فريق من المثقفين غير مرة لأهمية الانتباه للسياق التاريخي لهذه التجربة وحجم التحديات التي جابهتها كان الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري قد وصف جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 يوليو "بعظيم المجد والأخطاء",

اما كتابات كبير الرواية العربية والنوبلي المصري نجيب محفوظ عن هذه الثورة والتجربة الناصرية فتشير بصيغ مختلفة "لانجازات عملاقة مقابل اخطاء وخطايا تتعلق بالحريات وقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان.

وفي سياق متصل اعاد الشاعر والكاتب فاروق جويدة للأذهان مسألة غياب وثائق ثورة 23 يوليو 1952 وقال ان "تاريخ ثورة يوليو تحول الى دهاليز سرية لايستطيع احد ان يعبر فيها دون ان يصيبه شيء من غبارها ورغم اللجان التي تشكلت لجمع تراث هذه الثورة الا ان معظم الوثائق اختفت ولم نستطع حتى الآن ان نقول اننا كشفنا اسرار ثورة يوليو".

وكان المؤتمر الأخير للجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد اكد على ضرورة "استخدام المنهج العلمي في تناول التدوين في اطار فلسفة التاريخ والجمع بين المصادر التاريخية والأثرية وكل مايفيد في فهم الحدث التاريخي" فيما قال الدكتور ايمن فؤاد :"اذا لم توجد وثائق فلا تاريخ".

واذا كان المؤتمر الأخيرة للجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد ركز على بحث سبل تدوين التاريخ وجمعه وتحقيق التنوع البحثي فثمة حاجة لدراسات متعمقة في التاريخ برؤى وقراءات متعددة بعيدا عن الغلو في التمجيد او التسفيه والتجريح وبروح من الموضوعية ومراعاة السياقات التاريخية ومعطيات زمنها وعصرها الذي يختلف بالضرورة عن الواقع الراهن.

ولئن الظهر الجدل الثقافي الراهن حول صلاح الدين الأيوبي اهمية الاعتماد على البحث التوثيقي بدلا من اطلاق الاتهامات جزافا فان كتابة التاريخ لأي امة بدقة وانصاف يستدعي الأمر بلا ريب وجود استراتيجية واضحة للحفاظ على الأوراق والمستندات المتعلقة بتاريخ هذه الأمة بوصفها جزءا من التراث الانساني وهذه الاستراتيجية في حالة مصر باتت تشكل ضرورة ثقافية لاغنى عنها فضلا عن اهميتها لمواجهة واحباط اي مخطط للسطو على الذاكرة الوطنية والقومية.

وغني عن البيان ان هذه الاستراتيجية ينبغي ان تتضمن تيسير سبل اطلاع الباحثين على الوثائق من اجل زيارات جديدة وامينة للتاريخ وفتح الباب امام تقييمات جديدة وفعالة لسنوات حافلة اضطرمت فيها الأحداث واختلفت الرؤى.

وهكذا يطالب الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد عفيفي وهو في الأصل استاذ للتاريخ بكلية الآداب في جامعة القاهرة بوضع المعيار الخاص لحرية تداول المعلومات لأن ذلك هو اساس مشكلة التعامل مع الوثائق.

كما دعا لتقليل مدة حجب بعض الوثائق بحيث تكون 30 عاما بدلا من 50 عاما مثل باقي الدول التي تحترم مبدأ حرية تداول المعلومات ويتم الكشف عن كل هذه الوثائق مالم تتعارض مع السياسة العليا التي تحددها لجنة مختصة.

وبعيدا عن لغة المفردات الصادمة التي استخدمها الدكتور يوسف زيدان في حق شخصية تاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي فمن الأهمية بمكان القيام "بزيارات جديدة للتاريخ بعيون عربية" على ان تراعي هذه الزيارات الضوابط المنهجية المتعارف عليها عالميا.

وفيما اكد المؤتمر الأخير للجمعية المصرية للدراسات التاريخية على اهمية دراسة واستقراء الماضي لفهم الحاضر والمستقبل فان مؤرخين مصريين بذلوا جهودا لايمكن انكارها لتوصيف وتعريف مراحل مفصلية في التاريخ المصري والعربي ضمن سعي معرفي لتقديم " رواية تاريخية متماسكة ومقبولة منهجيا بالقواعد والأسس المتعارف عليها اكاديميا في علم التاريخ. 

وقد تكون "الزيارات الجديدة للتاريخ" مطلوبة حتى لعصور موغلة في القدم مثلما يفعل الباحث والأثري الكبير الدكتور زاهي حواس فيما جاء كتابه الأخير "اسطورة توت عنخ امون" حافلا بالحقائق الجديدة والتفاصيل المشوقة.

والكتاب يشكل في الواقع خطوة جديدة وكبيرة على طريق استكمال المشروع الثقافي لمثقف وطني نذر نفسه وكرس علمه دفاعا عن مصر الخالدة ورسالتها الحضارية للعالم قاطبة وتضمن معلومات جديدة عن هذا الملك المصري الشاب المثير للجدل وتفاصيل وفاته التي بقت محاطة بالألغاز.

وبعيدا عن الوقوع فى فخ الغلو فى تمجيد الذات القومية او ما يسمى "بالمشاعر الشوفينية" فان الكتاب الأخير للدكتور زاهي حواس عن توت عنخ امون يقدم للعالم امثولة ثقافية مصرية في البحث واستجلاء اوجه العظمة في تاريخ مصر الخالدة والتي سبق وان تناول اديب مصر النوبلي نجيب محفوظ طرفا منها في بداية مسيرته الروائية.

وطرح زاهي حواس في كتابه الذي تولى صوره ولوحاته البديعة الفنان والمصور الايطالي ساندرو فانيني فرضية جديدة فحواها ان توت عنخ امون لم يقتل وانما سقط من عجلته الحربية اثناء رحلة صيد في صحراء منف وهو كمثقف وطني مصري تصدى بعلمه ومعارفه للأباطيل التي تحاول تزوير التاريخ مثل الزعم بأن اليهود هم الذين بنوا اهرامات الجيزة .

وقد تتخذ هذه الأباطيل صورا متعددة وتتخفى وراء مقولة حرية الابداع وتقنيات الابهار كما حدث في فيلم "ملوك وآلهة" للمخرج البريطاني ريدلي سكوت الذي بلغت ميزانيته 140 مليون دولار فيما لم يجانب الصواب وزارة الثقافة المصرية عندما اتخذت قرارا بمنع عرضه في مصر نظرا لما انطوى عليه هذا الفيلم من تزوير للتاريخ المصري القديم لحساب رؤية مغرضة تتخفى وراء استار الابداع التقني وهي تسعى في الحقيقة لتزييف الحقائق التاريخية . 

البعض يريد الا يبقى لنا من الذاكرة سوى التراب حتى لانعرف الى اين تتجه الصعاب ولانجد ملاذا عندما يداهمنا الغياب ونتحول الى ايتام على مائدة عالم ضنين!..لكن مصر قادرة على الدفاع عن ذاكرتها وابنائها من الباحثين بمقدورهم القيام بزيارات جديدة وامينة للتاريخ..تاريخ يرمز فيه صلاح الدين الأيوبي لمعنى البطولة وقدرة هذه الأمة على المقاومة وكأنه اراد منح الأحفاد سلاحا ومفتاحا حتى لايبتلعنا الطوفان !!.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...