فتاوى الإنترنيت التكفيرية.. خطورتها
الفتاوى التكفيرية من أخطر الظواهر التي تنتقل داخل المجتمع كالداء تمامًا، حيث تسهم في إضعاف المجتمع وتشويه الإسلام أمام غير المنتسبين، وحتى المنتسبون تعرضوا لحالة من الشك بسبب ما شاهدوه من صور لا يمكن أن ينتجها دين، فضلاً عن كونه الدين الإسلامي؛ فهؤلاء باسم الدين نشروا فتاواهم وأغرقوا الدنيا ضجيجًا ولبّسوا عليهم حياتهم.
خطورة الظاهرة تتحدد في ملامحها، حيث يدخل كثير من المتصفحين للمواقع والمنتديات الجهادية ومواقع التواصل الاجتماعي في البداية بنوع من الفضول ينتهي لاقتناع، يدعمه تجنيد على أرض الواقع، ولذلك تجد كثيرين يختلفون مع فتوى هؤلاء التكفيريين، ولكنهم يقومون بنشرها بأنفسهم على موقع التواصل الاجتماعي وكتابة تعليق أو انتقاد، وهو ما يتيح فرصة أكبر لنشر هذه الفتاوى ولتحقيق تأثير متعاظم داخل المجتمع، فأغلب ظواهر العنف في المجتمع العربي بدايتها الحقيقية فتوى منشورة أو رأي دعائي، إما يتعمد أصحابه نشره والترويج له أو انتقاده فيقوم المتصفح بإعادة نشره ثانية.
أغلب الذين يدخلون على هذه الفتاوى ويتصفحونها من الشباب الذين يقتلهم الفضول لمعرفة تفاصيل أكثر عما ورد في الفتوى أو ما استندت إليه، وبعضهم لديه جنوح لاستخدام العنف، وبالتالي فهو يبحث عن الفتاوى التي تؤكد ما ذهب إليه يقينه الداخلي، وهنا يُتطلب مواجهة هذه الأفكار تكنولوجيًا ومن خلال رؤية لتحقيق درجة من درجات الإقناع تكون مرضية لقطاع الشباب على الأقل.
من أهم الطرق الآمنة لمواجهة هذه الفتاوى أن يكون الرد عليها من خلال المؤسسة الدينية الرسمية، ويا حبذا لو خصصت وقتًا ومجهودًا كما فعلت دار الإفتاء المصرية عندما أنشأت مرصد فتاوى التكفير والآراء المتشددة للرد على كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي بعد رصده والإلمام بكل كبيرة وصغيرة في هذا المجال.
بالتالي تصبح متابعة مقولات التكفيريين على مواقع التواصل الاجتماعي، من أهم أولويات المرصد من خلال امتلاك منظومة متكاملة للرصد والمتابعة تستطيع أن تتفاعل وتتعاطى مع الحدث بشكل أفضل وأسرع وأكثر إيجابية.
تمثل مواقع التواصل الاجتماعي أهم مدخلات المرصد في الرد على الفتاوى واستخدام الطريقة نفسها في نشر هذه الفتاوى عبر صفحة المرصد على موقع التواصل الاجتماعي، على أن تكون متوافرة على موقع دار الإفتاء المصرية على الإنترنت لكل المتصفحين.
مكافحة الفتاوى
يقوم فريق كبير بجمع هذه الفتاوى بعد رصدها وتحديد أماكن وجودها ومراقبة ما ينشر على المكان نفسه، أو من خلال الأشخاص أنفسهم على حساباتهم الشخصية، وإعداد العدة للرد عليه وتسويق هذا الرد حتى يطلع عليه أكبر عدد من المتصفحين.
يقوم القائمون على المرصد بتصنيف المواد المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي للرد عليها، ما بين مواد إخبارية تعبر عن مجمل الأفكار، والفتاوى المتطرفة والمتشددة المثارة في وسائل الإعلام، أو بيانات وأحاديث صحفية لتوضيح مسألة ما، أو الرد على موضوع ما، أو تصحيح شيء ما نشر في وسائل الإعلام، وتختلف طبيعة تلك البيانات تبعًا لاختلاف الهدف منها، والوسيلة المراد نشرها، وذلك لضمان تقديم خطاب ديني وسطي مستنير، وتناول إعلامي سليم وصحيح بعيدا عن الإثارة والتشويه.
فالمرصد يقوم -بشكل أخص- ببيان الأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التي تحدث بلبلة في المجتمع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وتقضي على ما يسمى بفوضى الفتاوى، وسيتحقق ذلك الأمر من خلال الإسهام الفاعل في بث مزيد من الوعي العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على إرساء ما أسماه بعض العلماء بـ”ثقافة الاستفتاء”؛ لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع في هذا الإشكال وبخاصة على الشبكة العنكبوتية، والأمر الآخر يتمثل في العمل الدؤوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التي تخلفها تلك الفتاوى الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا، وعلى روح الإسلام الوسطي الذي اتخذه الأزهر في مصر منهاجًا له، فالمؤسسة الأزهرية هي عنوان للوسطية الإسلامية التي تسع الجميع وتحتوي الجميع، وستظل -بفضل الله عز وجل- مرتكزًا لكل دعوات الخير، روحيًا وفكريًا، قادرة على ضبْط إيقاع المجتمع إذا ظهر فيه النشاز في أي صورة من صوره.
ويبدو من الأهمية –أيضًا- توحيد أبواق الفتاوى حتى لا تكون متعارضة، وحتى لا يتصدر لها غير المتخصصين، فتوحيد الفتوى من خلال جهة واحدة على مستوى العالم الإسلامي أمر يسهم في القضاء تمامًا على الفتاوى الشاذة على الإنترنت عمومًا ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، ودار الإفتاء المصرية بصدد إطلاق مشروع “دار الإفتاء العالمية” التي توحد الفتوى في بلدان العالم الإسلامي، كما أنه لا بد من الالتزام بكل المقررات والفتاوى التي تصدر من الجهات الإسلامية المعتبرة بالعالم، للبعد عن هذه الفوضى، وعلى رأسها في مصر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة، ويكون هذا التوحيد للفتاوى التي تخص المسلمين بشكل عام.
إن القضاء على الفتاوى الشاذة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يحتاج إلى مزيد من تضافر الجهود، لأسباب كثيرة منها: وجود حالة من الفوضى في الخطاب الديني، وهي في الغالب الأعم ليست صحيحة ولم تصدر عن أية جهات رسمية، والإعلام مسؤول مسؤولية كاملة عن ترويج مثل هذه الفتاوى الشاذة، ويحاول أصحابها الترويج لها على أنها فتاوى صحيحة وصادرة من مؤسسات دينية، وهي ما تثير البلبلة لدى المسلمين، والتي لا تعبر إلا عن رأي مُطلقها، هناك مشكلة أخرى؛ أن البعض يخلط بين الرأي والفتوى، مما يعتبر –أيضًا- مشكلة تضاف إلى المشاكل الأخرى، لكن على المسلم أن يلجأ إلى جهات الفتوى الرسمية المتمثلة في بلده، وأهم هذه الجهات في مصر -على سبيل المثال- دار الإفتاء المصرية، والرد على الفتاوى الشاذة بمزيد من التفصيل.
المجتمع العربي هو أكثر المجتمعات عرضة للتحول لهذا الفكر المتطرف بسبب الفتاوى المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي من مجهولين، والتي يمكن أن نسميها مجهولة النسب، يكون من الصعب تحديد هويتها أو مطلقها، ولكن في المقابل الغرب يساعد على نشر بذور التطرف والإرهاب من خلال الفتاوى التي قد تجد بيئة خصبة ومرتعًا لذلك، فإذا كانت هناك محفزات لذلك في البيئة العربية، فإن الغرب يقوم على ترجمة هذه المحفزات.
صور من التطرف
من أهم صور هذا التطرف والإرهاب، هذه الفتاوى التي تصدر عما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يطلق عليهم “داعش”. وبملاحظة دقيقة، فإن أغلب المنضمين إليهم من الغرب، وإن كان بعضهم من المجتمع العربي، لم يترب على صحيح الدين، بل كان بعيدا كل البعد عن التربية الدينية وفجأة وجد نفسه أمام شيء يعطيه ما يشاء من السلطة والتحكم في الغير، فانتسب إليهم من دون وعي. وعندما نتأمل المشهد، نجد بدايته ونهايته عددا من الفتاوى حرضت على استخدام العنف وكفرت المجتمع، منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا أردت أن تتعرف على أسباب التكفير التي انتشرت في المجتمع، فعليك أن تراقب مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذه الجماعات التي تروج للفتاوى على مواقع التواصل الاجتماعي لها عذرها في أنهم يفهموا نصوص القرآن فهما صحيحًا، وإنما كان فهمًا خاصًا، ولم يتربوا على أيدي علماء يفسرون لهم صحيح الدين الإسلامي، وقد ساعد التدهور في الاقتصاد والعملية التعليمية في انضمام البعض لتلك الجماعات، وبالتالي مواجهة هذه الحالة لا تكون بمجرد الرد على الفتاوى، وإنما من خلال النهوض بالمجتمعات وتحقيق مستوى يجعل الفرد يتحمل مسؤوليته تجاه وطنه، وينمي عنده الانتماء للوطن ومحبة الآخر والتعايش، ثم النهوض بالعملية التعليمية، فتتفتح العقول ولا تقع في براثن الإرهاب المتطرف. ويجب أن تتكاتف الجهود من أفراد المجتمع كافة، فلا المؤسسات الدينية وحدها ولا الأمنية قادرة على مواجهة التطرف بشكل منفرد، ولكنها دائرة يتحمل كل فرد في المجتمع جزءا من المسؤولية تجاهها.