في حضرة مولانا جلال الدين الرومي.. المناصر الاول لحقوق المرأة

 كل الأشياء تصبح أوضح حين تفسر.. غير أن هذا العشق يكون أوضح حين لا تكون له أي تفسيرات. ـ واعلم، عظمة العشاق.. من عظمة ما يعشقون.من بعض إبداعات مولانا جلال الدين الرومي المناصر الول لحقوق المرأة وقضاياها.. 

 

إن للآخر الجندري في مجال التصوف الإسلامي حضورا متميزا؛ إذ تحظى المرأة في ذلك المجال بمنزلة رفيعة، فهي تباري الرجل في ممارسة التجربة الصوفية وتنافسه منافسة الند للند. ولنا في تاريخ التصوف الإسلامي أمثلة عديدة على تلك المشاركة في التجربة، بل وعلى الريادة فيها، ابتداء بمثال رابعة العدوية، ثم بمن عاصرها وتلاها بالمشرق الإسلامي من زاهدات وعابدات بلغن في تصوفهن درجة الولاية. كما كان للمرأة في المغرب الإسلامي دور مهم في ممارسة التجربة الولائية ونكتفي هنا بالإشارة إلى ذيوع صيت كل من السيدة عائشة المنوبية بتونس والسيدة فاطمة الأندلسية بالمغرب.

 

لكن الحضور المتميز في مجال التصوف لم يكن وقفا على مساهمة ذلك الآخر الجندري في التجربة الصوفية؛ بل إنه يتجلى أيضا في المنزلة التي حظيت بها المرأة من تجاربهم الروحية، باعتبارها موضوعا لتلك التجربة، فقد أولى كبار الصوفية للمرأة اهتماما خاصا، وكان لها تأثير عميق في نفوسهم، وشكلت عند بعضهم جزءا مهما من تجاربهم الروحية، وعند أغلبهم رمزا أساسيا للحب الإلهي، وكانت عنصرا فاعلا في عروجهم نحو الذات الإلهية.

 

 

المرأة/ الإنسان

 

إن تصور الرومي للآخر الجندري هو فرع من تصوره للإنسان. فالمرأة وفق ثقافته الإسلامية هي صنو الرجل "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها" فهي أهل لما كرم الله به بني آدم؛ إذ هي ملتزمة بالميثاق وحاملة للأمانة، وواسطة بين الله والكون. فالإنسان –والمرأة إنسان– هو في جوهره وعلى حد قوله "أسطرلاب الحق" ومرآته التي تجلى فيها جماله المطلق، وظله الذي لا يفارقه لحظة بلحظة؛ لأنه نفخة من روحه وكنزه المخفي. ذلك هو جوهر الإنسان، وبناء عليه "من عرف نفسه فقد عرف ربه". يقول الرومي في نعته الإنسان بأسطرلاب الحق:

 

(الإنسان أسطرلاب الحق، ولكن لا بد من منجم لمعرفة الأسطرلاب، ومثلما أن هذا الأسطرلاب النحاسي مرآة للأفلاك، فإن وجود الإنسان حيث يقول تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم" أسطرلاب الحق، وعندما جعل الحق تعالى الإنسان عالما به وعارفا ومطلعا، صار يرى في أسطرلاب وجوده تجلي الحق وجماله المطلق لحظة لحظة ولمحة لمحة، وذلك الجمال لا يغيب عن هذه المرأة البتة).

 

لكن الإنسان –والمرأة إنسان- ليس جوهرا فحسب، بل هو صورة أيضا. ولا بد من اختراق حجاب الصورة الفاني والمكون من ماء وطين لإدراك ذلك الجوهر الأزلي. وتلك الصورة أرادها الله وسواها في شكل كائن بشري، وجعلها طوع إرادته ووفق أحكامه «فقد خلق آدم على صورة أحكام الحق» وأحكامه ظاهرة في جميع الخلق. فالخلق جميعا خاضعون له ومسبحون بحمده وناطقون بحبه، وموالون لأوليائه ومعادون لأعدائه. فصورة الخلق بالنسبة إلى الحق أشبه ما تكون بصورة الظل بالنسبة إلى الشخص في كل حركة أو سكون، وقد عبر الرومي عن ذلك بقوله:

 

هكذا فالمرأة بما هي إنسان لها حقيقتان: جوهر وصورة. ولها وجودان: وجود ظاهر ككائن دنيوي، ووجود باطن ككائن علوي. وكل من الحقيقتين ملازمة للأخرى ولا تنفك عنها ما دامت في هذا العالم الدنيوي، ومؤثرة فيها أخذا وعطاء وإيجابا وسلبا. إلا أن الجوهر في كل الحالات أسمى من الصورة لأنه الجزء الخالد في ذلك الكائن.

 

 

المرأة/ الصورة أو المرأة/ الجسد

 

يقر الرومي بأن النساء "زينة الحياة الدنيا" وفق ما ورد في الذكر الحكيم، فالحق قد زين صورهن وأبدع في خلقهن، بهدف انجذاب الرجال إليهن وتعلقهم بهن، وليسكنوا إليهن "وجعل منها زوجها ليسكن إليها" وبناء على ذلك، فإن الرجل لا بد له من المرأة، ولا يمكنه الانفصال عنها، وليس له أن يدعي الاستغناء عن النساء، لأن آدم لا يستطيع الانفصال عن حواء، وتلك هي إرادة السماء.

 

يميز الرومي بين «الطريق المحمدي» الذي يرفض الرهبانية؛ إذ «لا رهبانية في الإسلام» ويبارك الزواج وطلب النساء، ويجعل من تلك العلاقة سببا لسكينة الروح، وسمو الخلق، وطهارة النفس، بالتحمل والصبر والمجاهدة و«طريق عيسى» الذي يوصي بالعزوف عن النساء، والاعتزال، والخلوة، وترك الدنيا. وهو يقارن بين الطريقين ويرى أنهما وإن كان كل منهما يفضي إلى تخليص النفس من أهوائها وتحقيق طهارة الروح، إلا أن الطريق المحمدي أفضل الطريقين لنجاعته في تهذيب الخلق، وتخليص النفس من صفاتها السيئة. فقد أظهر الحق سبحانه لرسول الإسلام «طريقا ضيقا وخفيا» يحقق للروح طهارتها بالمجاهدة والصبر، ويوفقها في الآن نفسه إلى تحمل أعباء الأمانة في هذا العالم الأرضي.

 

يذهب الرومي بعيداً جدا في الدعوة إلى حسن معاملة الرجل للمرأة، حتى في الحالات القصوى التي لا تكون فيها المرأة على صواب، ولا يكون الحق بجانبها، لأنه يعتقد أن معاملة المرأة بالحسنى، والصبر على نوازعها وميولاتها، أفضل لطهارة النفس وحسن المعاشرة من محاولة السيطرة والإكراه وسوء المعاملة لأن الضرر يشمل بذلك الطرفين، وتكون الخسارة من الجانبين. وهو يحلل لنا وجهة نظره تلك قائلا: «بتحمل جور النساء تكون كأنك تزيل نجاستك بهن. يتحسن خلقك بالتحمل ويسوء خلقهن بالمخاشنة والتعدي. وإذا أدركت هذا طهرت نفسك. اعلم أنهن كالثوب بهن تطهر أدرانك وتغدو أنت نفسك طاهرا.

 

 كل الأشياء تصبح أوضح حين تفسر.. غير أن هذا العشق يكون أوضح حين لا تكون له أي تفسيرات. ـ واعلم، عظمة العشاق.. من عظمة ما يعشقون.من بعض إبداعات مولانا جلال الدين الرومي المناصر الول لحقوق المرأة وقضاياها.. 

إن للآخر الجندري في مجال التصوف الإسلامي حضورا متميزا؛ إذ تحظى المرأة في ذلك المجال بمنزلة رفيعة، فهي تباري الرجل في ممارسة التجربة الصوفية وتنافسه منافسة الند للند. ولنا في تاريخ التصوف الإسلامي أمثلة عديدة على تلك المشاركة في التجربة، بل وعلى الريادة فيها، ابتداء بمثال رابعة العدوية، ثم بمن عاصرها وتلاها بالمشرق الإسلامي من زاهدات وعابدات بلغن في تصوفهن درجة الولاية. كما كان للمرأة في المغرب الإسلامي دور مهم في ممارسة التجربة الولائية ونكتفي هنا بالإشارة إلى ذيوع صيت كل من السيدة عائشة المنوبية بتونس والسيدة فاطمة الأندلسية بالمغرب.

 

لكن الحضور المتميز في مجال التصوف لم يكن وقفا على مساهمة ذلك الآخر الجندري في التجربة الصوفية؛ بل إنه يتجلى أيضا في المنزلة التي حظيت بها المرأة من تجاربهم الروحية، باعتبارها موضوعا لتلك التجربة، فقد أولى كبار الصوفية للمرأة اهتماما خاصا، وكان لها تأثير عميق في نفوسهم، وشكلت عند بعضهم جزءا مهما من تجاربهم الروحية، وعند أغلبهم رمزا أساسيا للحب الإلهي، وكانت عنصرا فاعلا في عروجهم نحو الذات الإلهية.

 

 

المرأة/ الإنسان

 

إن تصور الرومي للآخر الجندري هو فرع من تصوره للإنسان. فالمرأة وفق ثقافته الإسلامية هي صنو الرجل "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها" فهي أهل لما كرم الله به بني آدم؛ إذ هي ملتزمة بالميثاق وحاملة للأمانة، وواسطة بين الله والكون. فالإنسان –والمرأة إنسان– هو في جوهره وعلى حد قوله "أسطرلاب الحق" ومرآته التي تجلى فيها جماله المطلق، وظله الذي لا يفارقه لحظة بلحظة؛ لأنه نفخة من روحه وكنزه المخفي. ذلك هو جوهر الإنسان، وبناء عليه "من عرف نفسه فقد عرف ربه". يقول الرومي في نعته الإنسان بأسطرلاب الحق:

 

(الإنسان أسطرلاب الحق، ولكن لا بد من منجم لمعرفة الأسطرلاب، ومثلما أن هذا الأسطرلاب النحاسي مرآة للأفلاك، فإن وجود الإنسان حيث يقول تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم" أسطرلاب الحق، وعندما جعل الحق تعالى الإنسان عالما به وعارفا ومطلعا، صار يرى في أسطرلاب وجوده تجلي الحق وجماله المطلق لحظة لحظة ولمحة لمحة، وذلك الجمال لا يغيب عن هذه المرأة البتة).

 

لكن الإنسان –والمرأة إنسان- ليس جوهرا فحسب، بل هو صورة أيضا. ولا بد من اختراق حجاب الصورة الفاني والمكون من ماء وطين لإدراك ذلك الجوهر الأزلي. وتلك الصورة أرادها الله وسواها في شكل كائن بشري، وجعلها طوع إرادته ووفق أحكامه «فقد خلق آدم على صورة أحكام الحق» وأحكامه ظاهرة في جميع الخلق. فالخلق جميعا خاضعون له ومسبحون بحمده وناطقون بحبه، وموالون لأوليائه ومعادون لأعدائه. فصورة الخلق بالنسبة إلى الحق أشبه ما تكون بصورة الظل بالنسبة إلى الشخص في كل حركة أو سكون، وقد عبر الرومي عن ذلك بقوله:

 

هكذا فالمرأة بما هي إنسان لها حقيقتان: جوهر وصورة. ولها وجودان: وجود ظاهر ككائن دنيوي، ووجود باطن ككائن علوي. وكل من الحقيقتين ملازمة للأخرى ولا تنفك عنها ما دامت في هذا العالم الدنيوي، ومؤثرة فيها أخذا وعطاء وإيجابا وسلبا. إلا أن الجوهر في كل الحالات أسمى من الصورة لأنه الجزء الخالد في ذلك الكائن.

 

 

المرأة/ الصورة أو المرأة/ الجسد

 

يقر الرومي بأن النساء "زينة الحياة الدنيا" وفق ما ورد في الذكر الحكيم، فالحق قد زين صورهن وأبدع في خلقهن، بهدف انجذاب الرجال إليهن وتعلقهم بهن، وليسكنوا إليهن "وجعل منها زوجها ليسكن إليها" وبناء على ذلك، فإن الرجل لا بد له من المرأة، ولا يمكنه الانفصال عنها، وليس له أن يدعي الاستغناء عن النساء، لأن آدم لا يستطيع الانفصال عن حواء، وتلك هي إرادة السماء.

 

يميز الرومي بين «الطريق المحمدي» الذي يرفض الرهبانية؛ إذ «لا رهبانية في الإسلام» ويبارك الزواج وطلب النساء، ويجعل من تلك العلاقة سببا لسكينة الروح، وسمو الخلق، وطهارة النفس، بالتحمل والصبر والمجاهدة و«طريق عيسى» الذي يوصي بالعزوف عن النساء، والاعتزال، والخلوة، وترك الدنيا. وهو يقارن بين الطريقين ويرى أنهما وإن كان كل منهما يفضي إلى تخليص النفس من أهوائها وتحقيق طهارة الروح، إلا أن الطريق المحمدي أفضل الطريقين لنجاعته في تهذيب الخلق، وتخليص النفس من صفاتها السيئة. فقد أظهر الحق سبحانه لرسول الإسلام «طريقا ضيقا وخفيا» يحقق للروح طهارتها بالمجاهدة والصبر، ويوفقها في الآن نفسه إلى تحمل أعباء الأمانة في هذا العالم الأرضي.

 

يذهب الرومي بعيداً جدا في الدعوة إلى حسن معاملة الرجل للمرأة، حتى في الحالات القصوى التي لا تكون فيها المرأة على صواب، ولا يكون الحق بجانبها، لأنه يعتقد أن معاملة المرأة بالحسنى، والصبر على نوازعها وميولاتها، أفضل لطهارة النفس وحسن المعاشرة من محاولة السيطرة والإكراه وسوء المعاملة لأن الضرر يشمل بذلك الطرفين، وتكون الخسارة من الجانبين. وهو يحلل لنا وجهة نظره تلك قائلا: «بتحمل جور النساء تكون كأنك تزيل نجاستك بهن. يتحسن خلقك بالتحمل ويسوء خلقهن بالمخاشنة والتعدي. وإذا أدركت هذا طهرت نفسك. اعلم أنهن كالثوب بهن تطهر أدرانك وتغدو أنت نفسك طاهرا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...