قصة «النمر الأسود» الحقيقي: أمر «هيلجا» بإجهاض جنينها وتزوج من سويدية تكبره في السن
عامل خراطة بسيط يعاني من ظروف حياته الصعبة بمصر، يترك والدته وأخته متوجهًا إلى ألمانيا على ظهر إحدى البواخر باحثا عن ذاته وتحقيق طموحاته، وهناك يعاني من العنصرية وعدم إجادته اللغة حتى تعلمها على يد جارته التي أحبها فيما بعد، كذلك احترف الملاكمة بعد أن كان هاويًا فيها ببلده، حتى استطاع أن ينفذ مشروعه ويتزوج من حبيبته كنهاية سعيدة لقصة كفاح طويلة.
عامل خراطة بسيط يعاني من ظروف حياته الصعبة بمصر، يترك والدته وأخته متوجهًا إلى ألمانيا على ظهر إحدى البواخر باحثا عن ذاته وتحقيق طموحاته، وهناك يعاني من العنصرية وعدم إجادته اللغة حتى تعلمها على يد جارته التي أحبها فيما بعد، كذلك احترف الملاكمة بعد أن كان هاويًا فيها ببلده، حتى استطاع أن ينفذ مشروعه ويتزوج من حبيبته كنهاية سعيدة لقصة كفاح طويلة.
بهذا الشكل نجح الفنان الراحل أحمد زكي في تجسيد دور «محمد حسن المصري» في أحداث فيلم «النمر الأسود» المعروض عام 1984، والمستوحى قصته عن حياة شخصية حقيقية تحمل نفس الاسم.
محمد حسن «الحقيقي» حل ضيفًا في الكثير من البرامج التليفزيونية وأجرى حوارات صحفية عدة، بعد هذا الفيلم، خلالها كشف تفاصيل حياته التي بدأت من ورشة خراطة إلى أن أصبح مالكًا لإحدى الشركات في السويد.
حياته كانت مأساوية لأبعد الحدود حسبما أوضحه في حواره لـ«روز اليوسف»، كاشفًا أن والده طلق أمه وعاش مع زوجاته الأربع، وكن يعاملنه بشكل مهين، حتى جذبته إحداهن وتوجهت به إلى ورشة خراطة يمتلكها رجل ألماني يُدعى «هانز بياليجي»، وقالت له حسب روايته: «خده أنا مش عاوزاه عندي.. خليه يمسحلك ويكنس لك الورشة».
الألماني كان في أمس الحاجة فعليًا لصبي يساعده في ورشته، لكنه عامله بشكل آدمي قائلًا له: «ما تزعلش يا بني.. بكرة هتبقي أحسن منهم»، وعكس ما توقعه الطفل آنذاك محمد حسن تغيرت أحواله إلى الأفضل: «كان الخواجة هانز أفضل من زوجات أبي، ويكفي أنه كان يجعلني آكل معه من نفس الطبق لأول مرة في حياتي».
في أحد الأيام أمره شقيق الخواجة بأن يصحب نجله إلى تدريبه في نادي «أرارات» الذي يمارس فيه الملاكمة، وقتها لمحه المدرب حسين السيد وهو يقلد الملاكمين أثناء وقوفه بالخارج، حتى استدعاه قائلًا له: «جسدك مناسب للعب الملاكمة»، وحصل منه على ملابس وأدوات اللاعبين طالبًا منه الحضور، حتى شارك في بطولة القاهرة، وبتألقه فيما بعد وقّع للنادي الأهلي.
ببلوغه سن 17 عامًا ازدادت مهارته في العمل بالورشة، وقتها فوجئ بإصابة «هانز» بجلطة في القلب، وتبين ذلك بعد أن نقله بنفسه إلى المستشفى ورافقه فيه 3 أيام.
فوجئ الخواجة بعد عودته إلى العمل من أن «محمد» أصلح بنفسه 6 مواتير وتسلم أثمانها من تجار الصعيد، وقتها سأله: «كيف فعلت هذا يا محمد؟ من ساعدك؟ ومن أين جئت بالأموال؟»، ليجيبه: «يا خواجة أنا كنت بشتغل 15 ساعة يوميًا» ليقاطعه الآخر قائلًا: «مش معقول.. محمد أنا اللي علمتة الخراطة.. خلص المواتير واشتغل لوحده.. بقى أحسن مني».
بعد تعافي «هانز» من مرضه استقبل رسالة من شقيقه في ألمانيا عام 1957 يقول له فيها: «يجب أن تحضر حالًا.. ألمانيا في حاجة إليك بعد الحرب»، وقتها عرض على «محمد» أن يسافر بدلًا منه: «قلت له كيف أذهب إلى ألمانيا وأنا لم أتعلم ولا أعرف القراءة أو الكتابة؟ فرد عليّ وقال الرسم الهندسي الذي تعلمته على يدي يا محمد نفس الرسم الهندسي في ألمانيا».
أرسل «هانز» إلى أخيه رسالة أبلغه فيها: «أنا باعتلك صنايعي تربيتي.. وسيكون له مستقبل باهر في عالم الرسم الهندسي»، ليوافق الأخ على الأمر واعدًا «محمد» بالحصول على 3 مارك في الساعة، إضافةً إلى أن الطعام والشراب والسكن سيتولى المصنع تكاليفها.
عانى «محمد» لتدبير مبالغ السفر، لكن «هانز» ساعده كثيرًا، ويروي بخصوص ذلك: «ذهبت إلى الخواجة لأخبره بأنني حصلت على 18 جنيهًا من خدمتي في الجيش فقال لي: (يا محمد أنا سألت صاحب المركب وعلمت أن هناك دكة على السطح يمكن أن تجلس عليها بدون طعام أو شراب، وتكلفتها 30 جنيهًا».
آنذاك لم يكن «محمد» يعرف من أين يأتي بهذا المبلغ، لكن الخواجة فاجأه: «الورشة بها قليل من الأعمال، انته منها وسأعطيك المبلغ»، وبالفعل وفّى بوعده، قبل أن يصدمه بقوله: «المركب سيذهب بك إلى إيطاليا وستكون في حاجة إلى القطار ليذهب بك إلى ألمانيا، وهذا سعره 25 جنيهًا».
وعده الخواجة وقتها كذلك بإعطائه المبلغ في حال تنفيذه تصميما هندسيا لموتور، وأوفى بما قاله أيضًا، ليتوجه «محمد» بعدها إلى أمه سعيدًا، وقالت له: «يا ابني أنا لا أعرف ألمانيا ولا بيروحوها منين.. بس أنا هديلك 10 أرغفة عيش و10 بيضات مسلوقين وكيس دقة وبرطمان زيتون».
بالفعل استقل الباخرة محملًا بما أعطته له والدته، وبعد 3 أيام اكتشف أن البيض قد فسد، وعلى أساسه بدأ في أكل الدقة بالعيش فقط، وقتها رأته سيدة اعتقدت أنه يأكل ترابًا، وعنفت طاقم السفينة لعدم منحه الطعام، وهو ما حدث فعليًا لكن في مقابل قيامه بمهام النظافة.
اعتبر بداية حياته في ألمانيا صعبة للغاية، وهو الناتج عن العنصرية التي واجهها لسمار بشرته، كذلك جهله بأي لغة، حتى اضطر للصق طوابع البريد على جدران العقارات لإرشاده على طريق ذهابه إلى المصنع.
داخل المصنع تعرض لمضايقات عدة من أحد العاملين، ووضع له في مرة «عظمة» بكوب الماء كما جاء في أحداث الفيلم، إلا أنه على أرض الواقع لم يتشاجر معه.
استمرت معاناته إلى أن تعرف على جارته «هيلجا»، التي جسدت شخصيتها في الفيلم الفنانة وفاء سالم، وتولت تعليمه اللغة الألمانية وساعدته على أن يصبح «أشهر خراط في ألمانيا في ظرف سنتين» حسب روايته.
يقول «محمد» إنه استمر في ممارسة رياضة الملاكمة هناك، وهو ما دفعه للإقلاع عن التدخين وشرب الخمور حسب روايته في حوار تليفزيوني قديم.
أثبت جدارته في الملاكمة بشكل لافت، ومثّل ألمانيا ضد كندا وفرنسا وحقق بطولات عدة، حتى كتبت الصحافة هناك عنه، وحتى تعرف والدته ما يحققه أرسل لها تلك الجرائد التي أخذها وتوجهت بها إلى السفارة الألمانية، ليترجم لها العاملون المكتوب.
عام 1966 وصل الملاكم الراحل محمد علي كلاي إلى ألمانيا بمرافقة فردين يساعدانه في تدريباته، وقتها تعرض أحدهما للإصابة ووقع اختيار المسؤولين على «محمد» ليكون البديل، وذلك بأجر 50 دولارا في الجولة الواحدة.
بعيدًا عن حياته الرياضية نشأت قصة حب بينه وبين «هيلجا»، ونتيجة العلاقة العميقة بينهما كانت حبلى منه حسبما ذكره في حواره لـ«روز اليوسف»، آنذاك ونصحها بالإجهاض لسوء ظروفه المادية، وتقدم بعدها إلى والدها للزواج ورفضه بسبب فقره.
اضطر بعدها إلى الزواج من امرأة سويدية تكبره في السن، لكنه أُجبر على ترك ألمانيا: «والد هيلجا هدد أكثر من مرة بقتلي إذا لم أغادر ألمانيا، فنصحتني زوجتي السويدية بالذهاب إلى السويد لأن المستقبل هناك أفضل، والسويد في حاجة إلى أفكاري التي بدأت تخرج إلى النور».
توقف عن الملاكمة وهو في سن 32 عامًا نزولًا على رغبة زوجته التي قالت له: «يا محمد البوكس خطير جدًا ولابد أن تتوقف عنه، فالملاكمة رياضة جميلة طالما أنت صغير، لكن عندما تتقدم بك السن لابد أن تراعي ذلك».
قبل سفره إلى الخارج كان لا يجيد القراءة والكتابة، وبعد ما تعرض له أصبح مجيدًا لـ5 لغات، كذلك يمتلك شركة في السويد كأحد أشهر رجال الأعمال هناك، وبدأ بين الحين والآخر يأتي إلى مصر، وكان غرض إحدى زياراته هو الاطمئنان على حالة الفنان أحمد زكي في أواخر أيامه.