غير مصنف

قصة «طبيب الموت» النازي: عاش في القاهرة 44 عامًا وكان معروفًا باسم «عم طارق»

 

ولفتت الصحيفة إلى أنه احتفظ بجمجمة أحد الضحايا كتذكار،  وقتل ٣٠٠ شخص فى معتقل شمال النمسا، بحقنهم بالسم والنفط والماء مباشرة في القلب، بعد بتر أعضائهم دون مخدر لقياس قدراتهم على تحمل الألم..

عُرف بأنه أخطر رجال النازية الهاربين في مصر، اسمُه «أربيرت هايم» أو «الخواجة طارق فريد حسين»، اليهودي الذى عاش مختبئًا بين دروب وحارات القاهرة، لا يعلم عنهُ أحد شيئًا حتى جيرانه وأصدقاؤه ومعارفُه، والبيئة المحيطة به وكُل من عرفوه وعايشوه وألفوه، وظهرت طبائعه وعاداته اليومية، لم يروا عليه أى شىء يُنبئ عن كونه مجرمًا أو لصُا مطلوبًا للعدالة الدولية، رغم أنه قضى في مصر 30 عامًا.

ولد «أربيرت» في مدينة باد رادكر سبورج، بمقاطعة شتاير مارك، جنوب شرق النمسا، في 28 يونيو عام 1914، وفي نفس التوقيت، اشتعلت الحرب العالمية الأولى بسبب بلاده ووطنه الأم، حينما قامت إمبراطورية النمسا والمجر بغزو مملكة صربيا، إثر حادثة اغتيال ولى عهد النمسا، الأرشيدوق، «فرانسيس فرديناند»، وزوجته من قِبل طالب صربي أثناء زيارتهما سراييفو.

أُعجب الفتى «أربيرت» كغيره من الشباب الألمان والنمساويين بالزعيم، أدولف هتلر، وخطاباته وإشاراته، كاريزما تأسر الجماهير وتجعلهُم يعجبون به وبطريقة أدائه الساحر ونظراته وحركات يده، حتى لو كانت أفكاره غريبة ومُدمرة، وفقًا لمذكرات «أربيرت» التى جاءت في كتاب «نازي في القاهرة»، للكاتب الصحفي، محمد ثروت، الصادر عن «مدبولي» للنشر.

شهادة وفاة

وفي ذلك الوقت، انضم «أربيرت» إلى الحزب النازي، وارتدى البزة العسكرية التى تحمل شعار النازية «الصليب المعقوف»، وهى الصورة التى وزعتها المنظمات اليهودية ضمن قائمة المطلوبين الـ 300، ممن تصفهم بمجرمي الحرب النازيين.

حينها كان هتلر يسعى إلى تعليم الشباب كيفية التفكير والتصرُف بالطريقة الاجتماعية، وكان حينها الشاب يقول: «أقسمُ أنّ أقوم بواجبي دائمًا في حركة هتلر الشبابية، بدافع الحب والوفاء للزعيم والعلم»، فيما كان هتلر يُردد: «إننا نحصُل الآن على جيل رائع من الشبان اليافعين، إنهم يرتدون القميص البنية ويبدون وكأنهم أتوا من رحمٍ واحدة، إنهم يترعرعون بهذه الطريقة، وبالتالى إننا نوجه لكل ألماني، ليتعلم شيئًا فشئيًا كيف يساند جاره».

نشأ «أربيرت» وهو يشاهد التطور في ألمانيا، الرايات، المسيرات، الاستعراضات العسكرية، شعر بحماسةٍ شديدة، ونشاط دائم، وكان هتلر يقول «سريعًا ككلب الصيد، قاسيًا كالصخر، وصارمًا كـ(كروب ستيل)»، فكان التحاقهم بالحركة لم يكن طوعًا، فما كان هناك إمكان، على الأقل في الحالات الطبيعية، لعدم الالتحاق بحركة هتلر الشبابية، خصوصًا إن لم يشأ الفتيان أن ينظُر إليهم كدخلاء في المدرسة أيضًا.

يهود

في حركة «هتلر» الشبابية، كانت تُنفذ الأوامر دون ترددٍ كما في مؤسسة الجيش، وكأن هتلر كان يصرخ في آذانهم قائلاً «لا شىء ممكنا إلا إذا حكمت إرادة واحدة وأطاعها الباقون دومًا، بدءًا بذوى المراكز العالية وصولاً إلى ذوى المراتب الدنيا».

وبعد رحلة طويلة، قُبض على «أربيرت» وحُكم عليه بالإعدام في فرنسا، سنة 1988، بسبب مشاركته في جرائم حرب هتلر النازية، فجاء إلى القاهرة، وأطلق على نفسه اسم طارق حسين فريد، وشطب بذلك سجله الغربى المثقل بالجرائم حتى توفي فى العاشر من أغسطس عام ١٩٩٢ بعد إصابته بمرض السرطان.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، تسبب «طبيب الموت»- كما أطلق على هايم- فى قتل ٣٠٠ شخص فى معتقل شمال النمسا، بحقنهم بالسم والنفط والماء مباشرة في القلب، بعد بتر أعضائهم دون مخدر لقياس قدراتهم على تحمل الألم.

يهودي 2

وعندّما سئل السفير الألماني، أربل، عن شخصية «أربيرت» قال: «شخص سادٍ، كان أشهر الشخصيات معرفةً وشهرةً بين الناس، لأنه يعاني من السادية وقسوة القلب، لا يقبل العذر ولا يُسامح الآخرين، بل يسعده أن يعذب الآخرين بأي وسيلة أو سلطة»، وفقًا للكتاب المذكور سابقًا.

كان «أربيرت» عبقريًا في التخفي، اندمج في بيئة شرقية وغريبة عن بيئته تمامًا، لذلك لم يسمه المصريون بلقب أجنبي بل بلقب مصري، «عم طارق»، رغم أن شكله وتعاملاته اليومية مع الناس كخواجة وليس ابن بلد، فكيف استطاع إقناع المواطنين البسطاء، سكان فندق قصر المدينة وحي الموسكي بأنه رجلٌ مسلمٌ ومسالم، يحبهم ويعتبرهم أهله.

وبينما اتجهت المؤشرات إلى أن «أربيرت» ذهب إلى تشيلى، أو الدنمارك أو إسبانيا أو الأرجنتين، حسب تقرير سابق نُشر في «المصري اليوم» حيث تعيش ابنته، أكد متحدث باسم مكافحة الجريمة فى ولاية بادن فورتمبرج، أن السلطات الألمانية حصلت على معلومات تؤكد أن هايم أقام فى مصر منذ عام ١٩٦٣ حتى توفي فى القاهرة عام ١٩٩٢.

قائمة المطلوبين

وخصصت صحيفة إنترناشيونال هيرالدتريبيون، مانشيت أحد أعدادها لسرد تفاصيل قصة الطبيب، وقالت إنه كان عضواً فى قوات خاصة تابعة للزعيم النازى هتلر، وأشارت الصحيفة إلى أن الشباب والأطفال المصريين كانوا ينادونه بـ«عم طارق»، وأوضحت أنه رجل ممشوق القوام يمارس رياضة المشى، وواظب عليها بقطع ٢٥ كيلو متراً يوميا عبر شوارع القاهرة المكتظة وحتى مسجد الأزهر الذى أشهر فيه إسلامه، ثم يصل إلى مقهى جروبى ليشترى منه الكيك بالشيكولاته والحلوى التى يعطيها لأصدقائه وأبنائه.

وأضافت أن أصدقاءه ومعارفه كانوا يتذكرونه فى مصر كـ«مصور هاوٍ» دائما ما كان يعلق الكاميرا فى رقبته.

ولفتت الصحيفة إلى أنه احتفظ بجمجمة أحد الضحايا كتذكار، موضحة أنه تمكن من الفرار ممن يتعقبون النازيين بعد الحرب العالمية الثانية وقبل اقتراب المحققين منه فى عام ١٩٦٢، وظل مكمنه مجهولا حتى الآن، وفقًا للتقرير السابق.

أبيرت

وأشارت الصحيفة إلى أن حقيبة يعلوها التراب وذات أقفال صدئة مخزنة فى القاهرة، تخفى الحقيقة وراء هروبه إلى الشرق الأوسط والتى حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز ومحطة تليفزيون (زد.دى.إف) من عائلة «دومة» التى تملك الفندق المسمى بـ«قصر المدينة» الذى كان يقيم فيه، موضحة أن الملفات بالحقيبة تحكى قصة حياته وموته منذ ١٧ عاما فى مصر.

وأردفت: «الحقيبة تضم أوراقا صفراء وبعض المظاريف التى لاتزال محكمة الغلق وخطابات لـ(هايم) ونتائج الفحوصات الطبية ومعاملاته المالية ومقالا من إحدى المجلات الألمانية حول مطاردته ومحاكمته غيابيا».

وقالت محطة «زد.دى.إف» إن أصدقاء هايم وزملاءه فى مصر لم يكونوا يعلمون بماضيه، وقالوا إنه طلب التبرع بجسده للأبحاث الطبية بعد موته، مضيفة أنه كان يتلقى تمويلا من تحويلات نقدية كانت ترسلها له شقيقته على فترات غير منتظمة، وكان التمويل يأتى من عوائد عقارات مؤجرة فى برلين كان يملكها هايم.

وقالت وكالة الأنباء الألمانية إن إسرائيل شككت فى التقارير حول وفاة هايم، حيث أعرب مركز سيمون فيزينتال لملاحقة مجرمى الحرب النازيين فى تل أبيب، عن شكوكه فى التقارير حول وفاته فى القاهرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...