كيف استخدم « أحمد زكي » نفس السلاح 7 مرات بتعبيرات مختلفة؟
عندما كنت طالبًا في مدرسة الزقازيق الثانوية، كنت منطوياً جداً؛ لكن الأشياء تنطبع في ذهني بطريقة عجيبة، تصرفات الناس، ابتساماتهم، سكوتهم.. من ركني المنزوي، كنت أراقب العالم وتراكمت في داخلي الأحاسيس وشعرت بحاجة لكي أصرخ، لأخرج ما في داخلي.. وكان التمثيل هو المنفذ..
لخّص أحمد زكي تجربته السينمائية كلها في سطوره السابقة، كممثل احترف أدواره وتعايش معها حد المرض، بعد أن تتماهى شخصيته الحقيقية مع الدور الذي يقوم بتمثيله إلى درجة تدفعة نحو انطواء واكتئاب حاد بعد الانتهاء من العمل، فقط لأنه يريد التخلص من المعايشة والتأثر والعودة إلى طبيعته.
هذا التقمص المرضي هو الذي صنع من زكي ممثلاً كبيراً استطاع أن يقترب بأدواره من الجمهور حد الوريد، وأقنعهم بمشاعره واندماجه، بتعايشه التام مع عالم النص وأبطاله، إلى درجة جعلته –على سبيل المثال- يحمل مسدساً في أكثر من فيلم، لكنه في كل مرة يستخدمه بطريقة لا تشبه نظيرتها، وبنظرة مختلفة تكشف كل جوانب الشخصية التي يقوم بتمثيلها، رغم أنه الـ«زكي» نفسه، وربما يحمل المسدس نفسه، إلا أنه يتعامل مع كل تفاصيل الدور ليعطيك نموذجاً جديداً في أدائه، مميزاً في سماته، معبراً عن طبيعته ووظيفته والسبب الذي دفعه إلى حمل سلاح وإطلاق رصاصة في هذه اللحظة.
1- زوجة رجل مهم
داخل غرفة النوم، الضابط المفصول يستعد للاحتفال الأخير، مرتدياً أفضل بدلة في دولابه، فرغم سطلته التي ضاعت بين ليلة وضحاها بفصله من جهاز الشرطة، وافتقاده لصفة «الرجل المهم» التي اعتبرها يوماً أعظم ممتلكاته، وأهم ما يميزه، إلا أنه ما زال مقتنعاً بأنه رجل سلطة وصاحب هيبة، الامر الذي جعله يتخطى بأوهامه حدود «البارانويا» بكيلومترات.
خطوتان عظمة بالتمام يصبح بعدهما العقيد «هشام» خارج الغرفة، حاملاً سلاحه الميري، في مواجهة زوجته ووالدها الذي جاء خصيصاً لينقذ ابنته من قبضة رجل السلطة السابق المُعقد، الذي نظر نظرته الأخيرة لهما ورفع مسدسه ليطلق رصاصه وحيدة في قلب الأب مباشرة.
ظلّ بعد رصاصته الأولي شاهراً سلاحه في وجه زوجته، بنظرة حائرة بين العاطفة والجبروت، حتى انتصرت الأولى ورفض أن يطلق رصاصته الثانية في قلب الحبيبة، مستسلماً تماماً لخبطاتها المتتالية بأيديها الملطخة بدماء الأب في صدره، مقرراً العودة إلى غرفته مرة أخرى ليتخذ قراره السريع بإنهاء حياته برصاصة كانت في البداية مُعدة لتسكن قلب زوجته، وكأنه اختار قيامته عن قتل حبه الوحيد.
عبرت نظرة «هشام» قبل قتل الأب عن كل صفاته الشخصية في أقل من 5 ثواني، ما بين الغضب والعظمة، والرغبة في الانتقام من كل الساعين إلى تهميشه، بجانب صفاته كضابط سابق، والتي ظهرت بوضوح في تمكنه من التسديدة داخل القلب مباشرة، مصحوبة بكسرة في العين اليمنى وكأنه يسدد في تدريبات الرماية داخل كلية الشرطة، ليثبت للجميع أنه متمرس، محترف، يجيد التصويب، وأنه رغم ترك الخدمة لم ينس قدراته كضابط تمكن في وقت وجيز أن يحصل على رتبة عقيد؛ احتل بها مكانة كبيرة داخل جهاز حساس اسمه أمن الدولة.
2- الهروب
رفض الشاب الصعيدي أن يخذل أحلام أهل قريته الصغيرة في السفر إلى الخارج لتوفير فرص عمل، وقرّر أن يتحدى شريكه «النصاب» الذي حاول استخدام حيلته في تزوير جوازات السفر لكسب الآلاف من عرق الفقراء الذين باعوا ما وراءهم وأمامهم أملاً في فرصة خارج الحدود، ليعودوا إلى ذويهم يوماً حاملين كاسيت 2 باب، ومروحة 4 ريشة، كانتصار لرحلتهم وتعبهم.
الشريك لا يهوى النصب فقط، لكنه أيضاً يتلذذ بمتابعة حركات النساء، الأمر الذي دفعه في يوم إلى التطاول على حُرمة الصعيدي والاعتداء على حبيبته وزوجة المستقبل، وقتها نسي «مُنتصر» عربون الشراكة بينهم وأحلامه التي بناها مع شريكه طوال سنوات من أجل تأسيس شركة سفريات خاصة تجمعهما وتنقلهما من قاع المجتمع إلى أعلى قممه، وبدأ في معاداته وتهديده بكشف ألاعيبة ونصبه إذا لم يتراجع عن أهوائه؛ سواء المادية الجشعة أو الجنسية المتوحشة.
أمثال هذا الشريك لا يحتفظون بأي عهود ولا يؤتمنون على أي شيء، لذلك خان شريكه الصعيدي ووضع له «حشيش» في بيته، وأبلغ عنه الشرطة، ليلقي به في السجون مدة لا تقل عن 25 سنة، فقط لأنه يريد إبعاد ضمير «مُنتصر» المستيقظ عن أفكاره الشيطانية.
بطريقة أو أخرى هرب «مُنتصر» من السجن، ودافعه الأول هو الانتقام من الشريك لا إثبات براءته، لذلك توجه إلى بيته مباشرة منتحلاً شخصية «جرسون» ليتمكن من دخول الفيلا أثناء حفل ساهر أقامه «النصاب» بأموال الفقراء، واختبأ حتى انتهت الحفلة، ليظهر في ساعة متأخرة وهو يفتح باب غرفة نوم شريكه السابق بينما يمارس علاقة مع إحداهن.
«مُنتصر» لن يفعلها في الظلام، لأنه يريد أن يرى الذُلّ في عيون شريكة قبل أن يقتله، لذلك أضاء نور الغرفة، قبل أن يخرج سلاحه من حزام بنطلونه، كأي قاتل أجير، ليبدأ في إرهاب ضحيته بتسليط المسدس وتوبيخه على خيانته.
خطوتان إلى الخلف، ثم 7 رصاصات متتالية -هم تقريباً كل ما في الخزنة- بنظرة تجمع بين الغِلّ والرغبة في الانتقام بشكل متوحش، حتى أنه لم يتردد لحظة بين رصاصة وأخرى، مخلوطة بنظرة ثاقبة وهو مرفوع الرأس لتأكيد رد الكرامة والاعتبار، والاعتزاز بقرار التصفية، ليصبح «مُنتصر» اسماً على مسمى في مشهد كهذا.
3- الإمبراطور
الفتى الذكي الذي استطاع سريعاً أن يدخل عالم تجار المخدرات، وتسلق ببراعة حتى أصبح رأس الأفعى، من الطبيعي أن يتمكن سريعاً من احتراف التعامل مع السلاح بكافة أنواعه وأحجامه، بداية من المسدس، وصولاً إلى الرشاش المتعدد.
يبدو واضحاً أنه يتعامل مع السلاح كشريك ورفيق لا يفارقه، فإذا لم تره في يده ستلاحظه على مكتبه، أو في جنبه، أو في حمالة جلد معلقة على الكتفين، حتى إنه استخدمه كديكور في جدران المنزل، وهو إجراء طبيعي من إمبراطور كبير في تجارة الممنوعات مقتنع تماماً أن الرصاصة أمانه الشخصي والمهني من الخوف الذي يطارده بشكل مستمر –حتى لو أنكره أو بدى عليه غير ذلك- سواء من طعنة غدر أو بطش الأمن.
في الوقت نفسه، هو وسيلته لتأكيد القوة وفرض الهيمنة وترهيب شركاء الصنعة، وكأنها رسالته غير المباشرة لكل من يحاول الوقوف في مواجهته أو الإضرار بمصالحه.
«زينهم» لم يكن كسابقيه في زوجة رجل مهم أو الهروب، لا هو مظلوم منتقم، ولا متسلط مُعقد، لكنه استطاع أن يصل إلى درجة من الجبروت والغرور – تلحظهما في نظراته كلما أشهر سلاحه أو أطلق منه رصاصه – يدفعاه إلى جنون يمكنه من حرق العالم أجمع إذا وقف ضد مصالحه، لذلك لم يتردد في المشهد الأخير من حمل رشاش بنفسه –رغم رجاله ومساعديه- والوقوف بصدره في مواجهة كتائب الأمن.. حتى إصابته الأولى التي قضت تقريباً على نصف طاقته، لم تمنعه من المواجهة وشحن دانته والتقاط أنفاسه الأخيرة، وكأنه اتخذ قرار الموت صامدًا ليُضرب به المثل كـ«إمبراطور» لا يستسلم حتى آخر شهيق، بعد أن تلقى جسده عشرات الرصاصات.
4- البريء
قروي ساذج، أسقطه الجهل بسهولة في شباك أصحاب النفوذ، حتى أصبح أحد أدواتهم في البطش والجبروت، ظناً منه أنه يخدم الوطن.
«سبع الليل» لم يكن اسماً على مسمى، فقط في قرارة نفسه مقتنع أنه يملك الصفة، لكن واقع الأمر أنه أضعف وأقل دهاءً وحيله من رجال الدولة بأشواط، لذلك خسر كل شيء حتى العزيز، ولم يكتشف الحماقة إلا بعد فوات الأوان، وقتها فقط تحوّل هذا الوديع إلى وحش كاسر.
تَتَبُع نظرات سبع الليل كان كافياً لتفسير كل الأمور، ومؤشراً خطيراً على مستقبل أسود ينتظر الجميع في نهاية المطاف، فالشاب الساذج صاحب نظرات البلاهة الذي يحتضن سلاحه كطفلٍ رضيع، ويسلطه على العدو بوداعة طفل استشعر رجولته أخيراً في ساعة يد جديدة اشتراها له الأب الراعي، أصبح بعد التجارب والصدمات المتتالية -التي طالت إحداها مثله الأعلى «حسين» الشاب المناضل المثقف- وحشاً غاضباً.
المشهد الأخير المحذوف لخص كل التحولات، في نظرة الغضب التي دفعت سبع الليل «البريء» إلى إشهار سلاحه في وجه من كانوا يوماً أبطاله، ويعتبر نفسه بكل فخر واحداً منهم.. هم اليوم أعداءه الذين قرر تصفيتهم جميعاً بتفريغ كل ذخيرته في أجسادهم بعد صرخة اعتراض هي الأولى في تاريخه، جعلته لأول مرة يصبح اسماً على مسمى «سبع الليل».
5- الرجل الثالث
طيار يُشهد له بالكفاءة في إدارة المعارك طوال مسيرته العسكرية، مع ذلك فقد بطولته بسبب خطأ في إدارة إحدى الهجمات الجويّة أودى بحياة صديقه الطيار، وتسبب في إحالته على التقاعد في سن مبكر.
لم ينس «كمال» صفته كمقاتل ورجل جيش رغم خسارة موقعه، ورغم معاناته بعدها على المستوى الشخصي والعائلي، فعندما سمحت له الفرصة أن يصبح من أصحاب الثروات، شريطة أن يتنازل عن ضميره ويتعاون في إدخال صفقة مخدرات للبلد، لم يستسلم للإغراء المادي، واختار وطنيته وميوله العسكريه الموجهة دائماً ضد العدو، أي عدو، وأقنع التاجر أنه شريك، حتى استدرجه وأسقط عصابته في قبضة رجال الأمن.
جاءت النهاية لتعلن انتصار المحارب على العدو، وكأنه يستعيد ذكريات بطولته في ساحة الحرب، لذلك كانت نظرته وحركة جسده وهو يلتقط الرشاش ليطلق قذائف في وجه التاجر، تماماً كنظرة وحركة جندي في أرض المعركة، متحفز للانتقام ورد الكرامة، لا مجرد شخص عادي قرّر أن يتعاون مع الدولة لمنع صفقة مخدرات.
6- أرض الخوف
الضابط «يحيى» الذي زرعته السلطات بين تجار المخدرات والعصابات ليكون واحداً منهم ويتمكن من كشف مخططاتهم وصفقاتهم، تقمص الدور لسنوات حتى تماهت شخصيته بين الضابط والمجرم، وبدأت تنتابه شكوك عديدة في حقيقة ما إذا كان يقوم بمهمته كضابط شرطة أم تاجر مخدرات، خاصة أنه مع بداية المهمة طلبت منه الداخلية تناسي البدلة الميري ودوره كشرطي، والانغماس في شخصية المجرم حد القتل والسرقة إذا لزم الأمر.
تقمصه لشخصية «أبو دبورة» واختلاطها بخلفيته البوليسية، خلق مزيجاً في الحركة والنظرات -خاصة فيما يتعلق باستخدام السلاح- يجمع بين الشخصيتين، ما بين احتراف الرماية والتصويب بخبرة عسكرية، حتى من وضع الحركة، والقدرة على الاقتحام والانتقال من وضعية إلى وضيعة؛ ومن مكان إلى مكان في قلب المعركة، متجاوزًا القذائف، وبين تهور وقدرة أبناء العصابات على القتل وسفك الدماء دون مبالاة أو إظهار أي عاطفة أو تأنيب ضمير.
ظهر هذا جلياً في مشهد حاول فيه بعض أرباب الصنعة تصفية التاجر الكبير المعلم «هدهد»، وقتها تمكن «يحيى أبو دبورة» من حماية جسد «هدهد» من رصاص القتلة، الذين قضوا على كل طاقم حراسة «التاجر الكبير» وشركائه جميعاً، إلا «يحيى» المراوغ المحترف، الذي تمكن من تأمين جسده وجسد رئيسه، وتصفية كل المأجورين لاغتياله، بحركات بوليسية، وروح مجرم خطير.
7- المخطوفة
كأي شاب مكافح يبحث عن فرصة عمل في أي مكان تنجده من فخ البطالة، وكأي أم مصرية؛ حاولت والدته أن تساعده بأي شكل، فجمعت كل ما تملكه من مال وذهب، حتى تمكن من شراء تاكسي.
فرحته بانتصاره الأول على الواقع السوداوي لم تلبث أن تبدأ حتى قضت عليها فتاة متهورة اصطدمت بسيارتها في التاكسي في لحظة سكر أفقدتها توازنها، لينهار الحلم كله في دقائق ويصبح الوضع أسوأ مما كان عليه، ويتحول من فرحته العارمة إلى غضب متوحش دفعه إلى صفعها محاولاً إفراغ شحنة لن تنطفئ أبداً.
داخل القسم يحاول الشاب الوقوع في عرض القانون على أمل الحصول على حق أهدرته فتاة مستهترة، لكن -وعلى عكس المفروض- أخلت الشرطة سبيلها لأنها فقط ابنة مسؤول كبير في الدولة، أثبت بالتزوير والنفوذ أنها ليست جانية، وقتها تأكد «حسين» أنه خسر كل شيء.
حينها لجأ الشاب إلى خطف الفتاة بعد أن فشل في كل محاولاته السلمية لإثبات حقه، وقد يكون منطقياً أن تتعاطف مع موقفه حتى لو كان ضد القانون، الذي لم ينصفه، حيث لا يعترف إلا بسلطة أصحاب النفوذ، لذلك يجد الشاب نفسه في مواجهة كتائب الأمن وحيداً، لا يملك سوى مسدس ورغبة في الانتقام، بينما والدها يقف بكل برود واستهزاء في انتظار أن يرفع الشاب راية الاستسلام والهزيمة، ويترك رهينته التي احتمى خلف ظهرها، ليهدد المسؤول بأنه سيقتلها ويقتله إذا لم يتحقق العدل.
كانت نظراته حائرة بين مشاعر الغضب ومعدنه الطيب الأصيل، فيحاول أن يثبت بالأولى أنه لم يعد يخشى بطش رجل السلطة وحاشيته بنظرة تجمع بين الشر والسخرية، والثانية تدفعه إلى التراجع بنظرة حزن يتمنى بها لحظة سلام فقدها من يوم ظهور فتاة الحادثة، إلى درجة أنه ظلّ متردداً بين إشهار السلاح في وجه الفتاه أم في وجه المسؤول، حتى فقد توازنه تماماً، ليتلقى جسده النحيل رصاص رجال الأمن دون هواده أو رحمة، تاركاً بنظرته الأخيرة جرحاً أليماً في النفس، يدفعك إلى صرخة بؤس لم تخرج منه رغم ما تحمّله جسده من قذائف وما تحملته روحه من أسى وهوان.