كيف تتلاعب روسيا بالوضع في سوريا؟
تناول تقرير نشرته مجلة Politico الأمريكية عما سيضيفه وقف إطلاق النار الحالي إلى الواقع السوري الأليم، والتأثير السياسي لتلك الهدنة التي انطلقت منتصف ليل الجمعة الماضية، بالإضافة إلى الآثار المتوقعة على مدينة حلب -أكبر المدن السورية- والتي تخضع لحصار قوات النظام حاليًا، وهو ما يعتبر الاختبار الرئيسي الذي يواجه تلك الهدنة، حيث كان سكان المدينة على وشك الهلاك نتيجة الحصار القاتل للقوات التابعة للنظام بدعم من الطيران الروسي، مع قطع تام للإمدادات الأساسية عن المدينة؛ ما أدى إلى فرار الآلاف من سكان المدينة نحو تركيا خوفًا من الجوع والقصف، ومع رفض أنقرة السماح للكثيرين منهم بدخول البلاد، يحاول آخرون الانتقال إلى مناطق أخرى في سوريا، ومنها المناطق التي يسيطر عليها النظام حتى يستطيعوا مواصلة طريقهم إلى أوروبا في الصيف القادم.
يذكر التقرير أنه لسخرية الأمر، لم تتناول المفاوضات حتى سبل تخفيف المعاناة التي تعيشها المدينة، حيث كان الدافع الرئيسي لتلك المفاوضات هو تقدم قوات الأسد خلال الشهر الحالي في الكثير من النقاط حول المدينة، إلا أنه من المرجح ألا تحمل تلك المفاوضات تأثيرًا حقيقيًّا حتى الآن؛ حيث إن القتال كان قد اشتد للغاية حتى أثناء عقد تلك المفاوضات. السبب الآخر أيضًا هو إصرار موسكو على مواصلة الهجمات على حلب وإدلب حتى مع وقف إطلاق النار واعتبارهما استثناءً في تلك الحالة نظرًا لسيطرة جبهة النصرة عليها، والتي تعتبر أحد أهم أعداء روسيا في سوريا.
يرى التقرير أن دعم بوتين وموافقته السريعة على هذه الاتفاقية في خطاب رسمي على التلفزيون الروسي الأسبوع الماضي، قد يكون سببه رغبة بوتين في الحفاظ على المكاسب التي استطاع تحقيقها على الأرض، وليعطي لنفسه الفرصة في السيطرة على الأحداث، حيث سيعطي وجود جبهة النصر في تلك المناطق غطاءً شرعيًّا بالنسبة له ليستمر في الهجوم على حلب واستهداف المعارضة المسلحة التي يدعمها الغرب، في الوقت الذي ستواصل فيه واشنطن الهجوم على أهداف لتنظيم داعش الإرهابي، وهو ما يريده أوباما، ولكنه لا يرغب في استمرار الهجمات على جبهة النصرة، والتي تصنف كمنظمة إرهابية أيضًا.
على الجانب الآخر، يطالب البعض بأن تتولى الولايات المتحدة وقف أي تقدم لقوات النظام المدعومة من روسيا؛ إنقاذًا لسكان حلب، كما تطالب تلك الأصوات واشنطن بتوفير أسلحة متطورة للمعارضة في حلب، إلا أن المعطيات الواقعية تشير إلى صعوبة هذا الأمر لعدة أسباب. أول تلك الأسباب هي أن الولايات المتحدة ليس لديها إستراتيجية موسعة تتضمن استخدام قواتها في تلك المعركة، بالإضافة إلى رغبتها في تجنب حدوث صدام مباشر مع روسيا. يضاف إلى ذلك أن فكرة خلق مناطق آمنة للمدنيين يبدو مشكوكًا في إمكانية تطبيقها، فبدون حماية حقيقية لتلك المناطق، سيستمر القتال بلا شك، كما أنه من المتوقع أن تستحوذ داعش وجبهة النصرة على أية منطقة غير مؤمنة عسكريًّا. لهذه الأسباب، ترى الصحيفة أن إبعاد قوات النظام عن شمال حلب لن يقلل كثيرًا من حجم الأزمة الحالية، كما أن الصراع بين النظام والداعمين له من جهة، وبين جبهة النصرة لن يتوقف أبدًا، فربما أدركت الولايات المتحدة أن إمداد المعارضة بالسلاح ليس هو الحل على الإطلاق لإنهاء الصراع أو تخفيف معاناة المدنيين.
تعتقد الصحيفة أن كل تلك الجهود المبذولة ينبغي أن تصب في النهاية في صالح سكان حلب، وأن الاتفاقات السياسية أو التكتيكات العسكرية ليست هدفًا على الإطلاق، وهو ما يجب أن تضعه كل الأطراف في الاعتبار، كما ترى أن الحديث حول مستقبل الأسد والحديث عن مراحل انتقالية يعتبر نقاشًا بلا فائدة، فعلى الرغم من أن الحديث بهذا الشكل يبدو انتصارًا للأسد ولحلفائه الروس، إلا أن حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية اللازمة وتوقف الصراع هو الأولوية، على الأقل في حلب حاليًا.
ترى الصحيفة أيضًا أنه يجب أن يتم الضغط لإقناع المعارضة السورية بالقبول بشروط وقف إطلاق النار التي وضعتها روسيا حول حلب كإستراتيجية مثالية، مما سيعني الضغط على المجموعات المعارضة والداعمين لها للقبول بوقف علاقتها مع جبهة النصرة، فيما سيضمن وجود تلك المجموعات في حلب تطبيق الهدنة بشكل واضح، حيث يرى التقرير أن تهدئة العمليات العسكرية بالشروط الروسية أفضل من عدم تهدئتها على الإطلاق.
طبقًا لـPolitico، فإن الأسد لن ينجو بأي طريقة من الإصلاحات السياسية في سوريا فيما بعد، فعلى الرغم من انتصار قوات النظام الأخيرة بمساعدة حلفاء الأسد، إلا أن تاريخ الصراع أثبت أن الأسد لا يستطيع مواجهة المعارضة بقواته فقط، وأن الدعم الروسي والإيراني هو عامل الحسم بالنسبة له، وهو ما أجبر الأسد مؤخرًا على قبول وقف إطلاق النار بناءً على طلب روسيا؛ خوفًا من التعرض للضغط من قبل حلفائه. ربما أيضًا أدركت الولايات المتحدة استحالة انتصار المعارضة، إلا أنها تأمل في نهاية ذلك الصراع مع ذلك الدعم الذي منحته للمعارضة سياسيًّا وعسكريًّا أن تُمنح الفرصة للمعارضة ليكون لها أكبر مساحة ممكنة في المستقبل السوري بدلًا من أن تخسرَ كل شيء.
بالنسبة لحلب، فالوقت ليس في صالح سكان المدينة على الإطلاق، حيث يتم استثناء المدينة من أية مشاريع لوقف إطلاق النار، فيما يهدد الصراع على المدينة انهيار أية اتفاقيات أو مفاوضات نظرًا للأهمية الإستراتيجية لأكبر المدن السورية والعاصمة التجارية للبلاد قبل الحرب. لذلك، ترى الصحيفة أنه يجب على المجتمع الدولي بشكل عاجل البناء على وقف إطلاق النار الحالي وكذلك محاولة إنهاء المأساة الإنسانية في المدينة، وإلا فإن النتيجة الوحيدة هي تفاقم الوضع وانفجاره في الحرب السورية التي حصدت 300 ألف قتيل حتى الآن.
كما ترى الصحيفة أنه في الوقت الذي تريد فيه الأطراف المتفقة على وقف إطلاق النار إيقاف الصراع في حلب، فإنها لا تريد أيضًا أن تترك مقاليد الأمور لجهات الأخرى. فعلى الجانب الآخر، تستمر محاولات الداعمين الخارجيين لإدخال المزيد من السلاح، كما رصدت تقارير قيام تركيا تسهيل دخول مقاتلين جدد إلى سوريا عبر حدودها، حيث كانت أنقرة قد بدأت بالفعل في قصف القوات الكردية التي تسيطر على عدة مدن شمال البلاد تحت حماية من الطيران الروسي، فيما تعد حلب النقطة المتوقعة لصراع روسي تركي مباشر محتمل.
يضيف التقرير أنه في حالة لم ينجح النظام في تقليص الحصار ليشمل فقط مناطق المعارضة، فمن المتوقع أن تحدث كارثة إنسانية كبرى، حيث إن مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة حاليًا يعيش فيها ما يزيد عن 350 ألف شخص، وهو ما يعتبر أضعاف حجم المحاصرين في حمص أو مضايا، ومع وجود الطيران الروسي حاليًا في المشهد بشكل كامل حاملاً معه إستراتيجية مكافحة التمرد التي استخدمها في غروزني، العاصمة الشيشانية المتمردة، تلك الإستراتيجية لا تهتم لاختباء المتمردين وسط المدن، حيث تعتمد على تدمير تلك المدن بمن فيها من المتمردين، ومع الواقع السوري الذي يستحيل فيه استسلام المعارضة، سيعني ذلك الكثير من الهلاك بالنسبة للمدنيين.
العلاقة المتدهورة بين تركيا والأكراد تلعب دورًا كبيرًا كذلك، حيث لا توجد أي احتمالية لتوقف العمليات على نطاق واسع حول حلب، وخاصةً مع الشروط الروسية التي تقضي بقصف جبهة النصرة وتنظيم داعش، وهنا ينبغي أن تتدخل الولايات المتحدة لوقف الزحف الكردي نحو الغرب لمحاولة الاستيلاء على بعض القرى التي تسيطر عليها المعارضة، وإذا فشل هذا الأمر، فلن يكون هناك أي أمل في حدوث تغير في الشمال السوري، والذي يشمل الصراع بين تركيا والأكراد. كما ترى الصحيفة أنه ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا استخدام سلاح العقوبات -خاصةً الاقتصادية- ضد روسيا؛ أملًا في الضغط عليها للالتزام بالمعايير الدولية تجاه المدنيين في حلب.