مارتن لوثر كينج سبارتكوس العصر الحديث

مارتن لوثر كنج أمريكي من أصول إفريقية، وناشط سياسي إنساني، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد بني جلدته، في عام 1964 م حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوز عليها. اغتيل في الرابع من أبريل عام 1968، اعتبر مارتن لوثر كنج من أهم الشخصيات التي دعت إلى الحرية والسلام وحقوق الإنسان.

يعد خطابه الأشهر "لدي حلم" والذي ألقاه في مثل هذا اليوم من عام 1963 في ولاية واشنطن، عند نصب لنكولن التذكاري أثناء مسيرة واشنطن للحرية، واحداً من أكثر الخطب بلاغة في تاريخ العالم الغربي وتم اختياره كأهم خطب أمريكية في القرن العشرين طبقاً لتصويت كتاب الخطب الأمريكيين، والذي عبر خلاله عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس. 

ويُعتبر اليوم الذي أٌلقي فيه هذا الخطاب من اللحظات الفاصلة في تاريخ حركة الحريات المدنية حيث خطب كنج في 250 ألف من مناصري الحقوق المدنية، والذي قال خلاله: "قبل مائة عام، أعلن أحدُ الأمريكيين العِظام، والذي نقف الآن في أثرٍ من آثاره، بيان التحرير. كان ذلك القرار الخطير بمثابة شُعلةٍ تهتدي بها آمالُ الملايينِ من العبيد الزنوج، الذين أُذبلت سنيّهم في لهيبِ الظلم المهلك. فجاء القرار كفجرٍ ضاحكٍ ليُنهيَ ليل العبوديةِ الطويل.

ولكن، وبعد مائة عام، يجب علينا أن نواجه الحقيقة المأساويّة وهي أن الزنجيّ لا يزالُ مُعاقاً بقيودِ العزلِ العرقيّ، وأغلالِ العنصريّة. بعد مائةِ عامٍ، لا يزالُ الزنجيُّ يعيشُ على جزيرةِ فقرٍ وحيدة في وسط محيطٍ فسيحٍ من الرخاءِ الاقتصادي. بعد مائةِ عامٍ، لا يزالُ الزنجيُّ يذبُل في زوايا المجتمع الأمريكي، ويجدُ نفسهُ منفيّاً في أرضه. لهذا، جئنا إلى هنا اليوم كي نصوّر لكم وضعاً مروّعاً. لقد أتينا إلى عاصمة دولتنا لنصرف "شيكاً"؛ فعندما كتب الذين أنشئوا جمهوريتنا كلماتٍ عن الدستور وإعلان الاستقلال، كانوا يوقّعون على صكٍّ أصبح كلُّ أمريكي ينتظر أن يرثه. كان ذلك الصكُّ وعداً بأن للجميع ضمانٌ بحقوقٍ لا تضيع، وحريةٍ، وسعيٍ حثيثٍ نحو السعادة. إنه لمن الواضح للعيان أن أمريكا اليوم خالفت بنود ذلك الصكّ كلما تعلّق الأمرُ بمواطنيها السود. فبدلاً من الوفاء بأحكام ذلك الالتزام، أعطت أمريكا الزنوجَ "شيكاً" زائفاً. "شيكاً" كُتبَ عليه بعد محاولة صرفه: "لا يوجد رصيدٌ كافٍ" .

ولكننا نرفضُ أن نصدّق بأن مصرف العدل قد أفلس. نرفضُ أن نصدّق بأن لا أموال كافية في الخزائن الضخمة للفرص في هذه البلاد. لذا، فقد قدِمنا لنصرف هذا "الشيك" الذي سيمنحنا، نزولاً عند طلبنا، ثروةَ الحريّة، وأمن العدالة. كما أننا قدمنا إلى هذه البقعة المبجّلة لنذكّر أمريكا بالإلحاح الجبّار للآن.

إن هذا الوقت ليس وقتُ الانخراط في التهدئة، أو وقت تعاطي مسكنّات التدرجية. الآن هو الوقتُ الذي فيه نُبرم وعوداً حقيقية للديمقراطية.  الآن هو الوقتُ الذي فيه ننهضُ من الظلام ونهجر وادي التمييز العنصري لنصلَ إلى الطريق المشمس للعدالة العرقية. الآن هو الوقت الذي فيه نفتحُ أبواب الفرص لكل أبناء الرب. الآن هو الوقتُ الذي فيه نرفعُ أمتنا من الرمال المتحركة للظلم العنصري، إلى صخرةِ الأخوّةِ الصلبة، إن الأمر قد يُصبح مُهلكاً إن تغافلت الدولةُ عن إلحاح هذا الوقت، أو استخفّت بعزيمةِ الرجل الأسود. لن يمرّ صيف السخط القائظُ هذا حتى يأتي خريفٌ يُنعشُ في هذه البلاد الحرية والمساواة. وإن عام 1963 ليس النهاية، بل البداية. إن أولئك الذين يتمنون أنه لابد للرجل الأسود من أن يكبح غضبه، ويرضى بواقعه، سيواجهون إيقاظاً عنيفاً إذا ما عادت الدولة إلى عادتها كالسابق. لن يكون هناك سكونٌ ولا راحة في أمريكا حتى يُمنح الرجل الأسود حقوق المواطن. هذا وسوف تستمرُّ زوبعةُ الثورةِ في هزّ قواعد الدولة إلى أن يأتيَ يومٌ مشرقٌ يبزغُ فيه العدل. ولكن هناك شيءٌ يجب عليّ قوله لأبناءِ شعبي الذين يقفون على عتبةٍ ساخنةٍ توصلهم إلى قصر العدالة. يجب علينا في عملية حصولنا على مكاننا الشرعيّ أن لا نرتكب أفعالاً غير شرعية. دعونا لا نبحثُ عما يُطفئُ ظمأنا للحرية بالشرب من كاس المرارة والكراهية. يجبُ علينا دوماً أن نقود كفاحنا إلى مستوىً عالٍ من الكرامة وضبطِ النفس. يجبُ علينا أن لا نسمح لاحتجاجنا أن ينحطّ على درجةِ العنفِ الجسدي. ومرةً بعد مرة، يجبُ علينا أن نبلغ القمم المهيبة لاجتماع قوة الجسد مع قوة الروح. 

إن روح النضالِ الجديدة والرائعة، والتي تشبّع بها مجتمعُ السود، لا يجبُ أن تقودنا إلى الارتيابِ في جميع البيض؛ لأن العديد من إخواننا البيض، كما دلّ على هذا وجودهم اليوم بيننا، أدركوا أن قدرهم مقيّدٌ بقدرنا، وحرّيتهم هي رابطٌ لا يقبل الانفصام عن حريّتنا. فنحنُ لا يمكننا أن نمضي وحدنا، وبينما نحن نمضي قُدماً، يجبُ علينا أن نأخذ على أنفسنا عهداً بأن نواصل المسيرة. فلا يمكننا أن نتراجع. هنالك أناسٌ يسألون أنصار الحقوقِ المدنيّة: "متى ترضون؟ ". لن نرضى ما بقيَ الزنجيُّ ضحيةً لرعبٍ لا يوصف من وحشية رجال الشرطة. لن نرضى أبداً ما دامت أجسادنا مثقلة بجهدِ الترحال، ولا تستطيع الحصول على مثوى في الفنادق الرخيصة المنتشرة على الطرق الطويلة، أو في الفنادق الكبيرة في المدن. لن نرضى ما دامت حركةُ الزنجيّ مقيدةً بالانتقالِ من حيٍ صغيرٍ إلى حيٍ أكبر. لن نرضى أبداً ما دام الزنجيُّ في "المسيسيبي" لا يملك حق التصويت، والزنجيُّ في "نيويورك" لا يؤمنُ في شيءٍ يصوّتُ من أجله. لا، لا، لسنا راضون. ولن نرضى حتى يتدفّق العدلُ كالماء، والاستقامةُ كالنهرِ العظيم.

أنا لم أنس أن بعضكم قد جاء إلى هنا بعد ويلاتٍ ومحنٍ عصيبة. فبعضكم قد خرج لتوّه من زنزانات السجن الضيّقة. وبعضكم قَدِم من مناطق جعلهم مطلبُ الحرية فيها تحت وطأة الإعتداء المستمر لعواصف الاضطهاد، وجعلهم مصعوقين بسبب وحشية رجال الشرطة، فأصبحتم جميعاً متمرسّين في الألم. واصلوا عملكم بإيمانٍ قوي بأن الألم المفروض علينا هو ألمٌ افتدائي في سبيل القضية.

عودوا إلى "المسيسيبي"، وعودوا إلى "ألاباما". عودوا إلى "جنوب كارولينا". عودوا إلى "جورجيا". عودوا إلى "لويزيانا". وعودا إلى الأحياء الفقيرة الضيّقة في مدننا الشمالية، واعلموا أنه بطريقةٍ ما سوف يتغير هذا الوضع. دعونا لا نتخبّط في وادي اليأس.

إخواني، أقول لكم اليوم بأنه رغم الصعوبات والإحباطات التي نمرّ بها، إلا أنني ما زلتُ أحتفظُ بحلمي. إنه حلمٌ متأصلٌ بعمق في الحلم الأمريكي.

لدي حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف تنهض دولتنا وتُحيي المعنى الحقيقي لعقيدتها فتقول: "إننا نلتزم بهذه الحقائق لتكون بيّنةً بأن الجميع خُلقوا متساوين".

لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام وعلى تلال "ورجيا" الحمراء، سوف يجلس أبناءُ العبيد السابقين، وأبناء أصحاب العبيد معاً على مائدةِ الأخوّة.

لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام، حتى ولاية "المسيسيبي"، والتي تُعدّ صحراء قائظة بفعل حرارة الظلم والاضطهاد، سوف تتحولُ إلى واحةٍ للحرية والعدالة.

لديّ حلمٌ بأن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولةٍ لا يُحكم عليهم فيها على أساس لون بشرتهم، وإنما شخصهم وأفعالهم. لديّ اليوم حلم.

لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام في "ألاباما"، والتي بها تقطر شفتا الحاكم كلماتِ التطفّل ومنع تنفيذ قرارات الدولة في الولاية، أحلمُ بأن تتحول الولاية إلى درجةٍ حيث يستطيع الأولاد والبنات السود أن يشبكوا أياديهم بأيادي الأولاد والبنات البيض، ويمشون معاً إخوةً وأخوات.

لديّ حلمٌ اليوم. لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف يُرفع كلُّ وادٍ، وتُخفضُ كلُّ الجبال والتلال، وتُسوّى الأراضي غير المستوية، وتُقوّمُ الطرق المعوجّة، ويظهر مجد الرب حيث يراه كل البشر معاً.

هذا هو أملنا. هذا هو الإيمان الذي به أعودُ إلى الجنوب. بهذا الإيمان، سوف نستطيع أن نشقّ جبل اليأس بحجرٍ من الأمل. بهذا الإيمان، سوف نستطيع أن نحوّل النشاز المزعج في دولتنا إلى سيمفونيةِ أخوّةٍ جميلة. بهذا الإيمان، سنستطيع أن نعمل معاً، ونصلي معاً، ونكافح معاً، ونُسجن معاً، ونقف للحريةِ معاً، مؤمنين بأننا يوماً سنكون أحراراً.

سيكون هذا هو اليوم الذي فيه يغني كل أبناء الربِ بمعنىً جديد:

وطني، إنها أرضك..

أرضُ الحريةِ الحبيبة..

لأجلك أغني:

الأرضُ التي مات فبها آبائي..

أرضُ فخر المهاجرين..

من كل انحدارات الجبال،

فليُقرع جرسُ الحرية..

وإن أرادت أمريكا أن تصبح دولةً عظيمة، فيجب أن يأتيَ هذا اليوم. لذا، فليُقرع جرسُ الحريةِ من قمم تلال "نيوهامبشاير" الضخمة. 

فليُقرع جرسُ الحريةِ من جبال "نيويورك" الجبّارة.

فليُقرعُ جرسُ الحريةِ من جبال "الغينيس" المتضاعفة في "بنسلفانيا".

فليُقرع جرسُ الحريةِ من جبال ال "روكيز" المكللةِ بالثلوجِ في "كولارادو".

فليُقرع جرسُ الحريةِ من القمم المنحنية في "كاليفورنيا".

ولكن ليس هذا فقط، فليُقرع جرسُ الحريةِ من جبل "الحجر" في "جورجيا".

فليُقرع جرسُ الحرية من جبل "لوكاوت" في "تينيسي".

فليُقرع جرسُ الحريةِ من كل تلٍّ، ومن كل تلّ خُلدٍ في "المسيسيبي".

عندما نقرع جرس الحرية، وعندما نقرعه من كل القرى الصغيرة والكبيرة، ومن كل ولاية ومدينة، سنستطيع أن نعجّل قدوم ذلك اليوم المنتظر الذي فيه أبناء الرب جميعهم، الرجال السود والرجال البيض، اليهود واللايهود، البروتستانت والكاثوليك، يشبكون أياديهم ويتغنّون بكلماتِ الأنشودة الدينية الزنجية: 

أحرارٌ أخيراً ..أحرارٌ اخيراً

لك الشكر يا ربنا…

أخيراً نحن أحرار "

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...