ما بين الألمان والإخوان.. محاولة للفهم
يمثل الإخوان بالنسبة للألمان كياناً ملغزاً ومحيراً، فهم مقتنعون فى قرارة نفوسهم بخطورة هذا الكيان على المجتمع الألمانى فكرياً وأيديولوجياً واجتماعياً وأمنياً، ويعلنون صراحة فى الكثير من وسائل الإعلام المختلفة أن جماعة الإخوان هى الأم التى ولدت منها كافة الجماعات والحركات التابعة للإسلام السياسي، ولكنهم فى الوقت ذاته يعلنون أنهم لا يستطيعون أن يتعاملوا معها باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحد من نفوذها داخل مجتمعهم أو استغلال نفوذهم السياسى ضدها على المستوى الدولى على النحو الذى يتناسب وخطورته كما يعلنون، لأنهم، بحسب قولهم، تنقصهم البراهين القانونية التى تدعم اتخاذ مثل هذا الموقف.
ولنقترب أكثر: الألمان شعب تكونت لديه مع تاريخه خبرات سلبية حول العنف والتحيز والعنصرية والأحكام المسبقة والمطلقة جعلته يتريث كثيراً قبل اتخاذ أى موقف تجاه الآخرين. يعتقد الألمان أنهم أذنبوا فى حق العالم وحق أنفسهم بالحروب الكثيرة التى تسببوا فيها عبر تاريخهم الحافل بالأمجاد والمآسى وعلى رأسها الحرب العالمية الأولى والثانية. الألمان أمة يحركها الفكر قبل الفعل، فهم شعوب عقيدة بالأساس وعندما حلت عصور الفكر محل عصور الدين، صاروا أشداء كذلك فى عقائدهم الفكرية والسياسية. لا يريد الألمان أن يقفوا مرة أخرى فى وضع »المتهم« بالاضطهاد أمام العالم. ومن الطبيعى فى هذا الإطار أن يأتى الحفاظ على الصورة الذهنية لهم كأمة منضبطة وملتزمة بالمواثيق الدولية والقانونية فى مرتبة متقدمة من أولوياتهم.من هذا المنطلق نريد أن نرى ونفهم معادلة الألمان والإخوان.
فى أواخر عام 2007 نشرت جريدة »دى فيلت« (أى: العالم) الألمانية مقالاً مثيراً بعنوان » الإخوان يدمرون ألمانيا من الداخل« تعرضت فيه للتكوين المتشابك والمنظم لجماعة الإخوان فى ألمانيا والكيانات الصورية التى يطلون منها على المجتمع الألمانى وعرفت الجماعة بأنها المنظمة الأم للإسلام السياسي. كما حذر العديد من الساسة الألمان على مدى سنوات طويلة من خطورة فكر جماعة الإخوان على المجتمع الألمانى والذى يلخص ببساطة مكمن الخوف الحقيقى لدى الألمان من جماعة الإخوان والمتمثل فى عدة نقاط محددة منها تكوين دولة إسلامية داخل المجتمع الألماني، واستقطاب قاعدة كبيرة من البسطاء والمهمشين عن طريق انتهاج سياسة اجتماعية مغرية، والتحالفات مع جماعات إسلامية أخرى بعضها يمارس العنف.
أما أخطر تحديات الجماعة بالنسبة للدولة الألمانية فهى الشبكة العنكبوتية المالية والاجتماعية القوية على المستوى المحلى والدولى التى يتحرك داخلها الإخوان ويحركون معهم أتباعهم والمتعاطفين معهم بأسلوب خفي، ظاهره الحياد وباطنه الولاء المطلق. والتى يوظفون من خلالها بذكاء كبير أبناء الجاليات الإسلامية بألمانيا مستغلين شوقهم لحياة دينية مفتقدة لا سيما أن أبناء هذه الجاليات يجيدون الألمانية كلغة الأم.
وتنص تقارير حماية الدستور والديمقراطية التى تصدرها الدولة الألمانية أن منظمة »الجماعة الإسلامية بألمانيا« (IGD) هى المنظمة المركزية الأهم التى يكونها أتباع جماعة الإخوان وأنها تمارس نشاطها من خلال ما يسمى بالمراكز الإسلامية الموزعة على عدد من أهم وأكبر المدن بألمانيا. وعلى الرغم من كل ما هو متوافر لدى الألمان من شواهد تكفى لاتخاذ مواقف أكثر وضوحاً إزاء هذه المنظمة، إلا أنهم لم يتخذوا منهم موقفاً قانونياً محدداَ، لأن القانون لابد له من دليل مادى ملموس، ومن هنا نفهم كيف أن هذه المنظمة هى الممثل الرسمى للمسلمين فى ألمانيا. فمن بين ما يزيد على مليار ونصف المليار مسلم على مستوى العالم لم يكون أحد كياناً له نشاط وحضور هذه المنظمة، والألمان يهمهم فى النهاية أن يتحدثوا مع كيان، لا سيما فى ظل ضعف التمثيل الرسمى للدول الإسلامية هناك وبخاصة على المستوى الثقافي.
أعتقد أننا فى هذا الإطار يمكننا أن نفهم الموقف الذى قد يبدو بالنسبة لنا متناقضاً مع نفسه لكل من رئيس البرلمان الألمانى والمستشارة الألمانية من زيارة مصرية رفيعة المستوى. الشئ الأكيد هو أن الشعب الألمانى هو آخر شعب يمكنه أن يتعاطف مع جماعة تهدد ما وصل له من حياة ديمقراطية حرة وتريد إقامة دولة على أساس ديني، ولكن من منا يتحدث مع الشعب الألماني؟