محمد صلاح الزهار يكتب عن جلسة له مع مبارك وحسن راتب ومحمد علي إبراهيم

كتب الصحفي محمد صلاح الزهار عن كواليس جلسة جمعته مع الرئيس الأسبق حسني مبارك ورجل الأعمال حسن راتب ورئيس تحرير صحيفة الجمهورية الأسبق محمد على إبراهيم قائلاً: 

مبارك وحسن راتب ومعتز الدمرداش وانا .. !!

[ .. بداية .. انوه الي اني اعتدت فيما اكتب هنا في هذه الصفحة الا اكتب حكايات اكون طرفا فاعلا فيها، تلافيا لان اذكر ماذا فعلت وماذا قولت، في حدث او واقعة ما، رغم كثرة ما شهدت وعاصرت من احداث وتطورات ، دافعي في هذا النهج هو انني لا اريد ان ابدو في صورة البطل الذي قال الكلمة الاصح او اتخذ التصرف الاحسن، ولا اريد ان اظهر في صورة المفتش الذي لديه سجلات شبه كاملة لتصرفات عديد من الرموز البارزة علي الساحة الاعلامية والسياسية، او ان اقول ان فلانا كان يفعل كذا او علانا كانت له اراء وانتماءات معينه، مخالفة لما يبدو عليه الان !

لقد عايشت تطورات ومواقف علي مدي يزيد علي خمس وثلاثين عام قضيتها صحفيا في بلاط صاحبة الجلالة ، مهنة البحث عن المتاعب ، وكنت اظن انه ربما سيأتي يوما – تزول فيه الحساسيات وادعاء البطولات – اروي فيه تجربتي كاملة.

ولكن ومع اختلاط الامور وتداخل واختلاف المصالح وتدني معدلات الاداء وخصوصا في مجال الاعلام، رأيت انه قد يكون من المفيد ان اروي بعضا من الحكايات، ليس بهدف التمجيد الشخصي او اداعاء البطولات ولكن بهدف تقديم عبرة او عظة قد تكون مفيدة.]

٣٠ سنة مبارك.

خلال الفترة ما بين اعوام ٢٠٠٩ ، ٢٠١١ كنت اعمل منتجا فنيا لبرنامج ٩٠ دقيقة الذي كان يقدمه الاعلاميان البارزان معتز الدمرداش وريهام السهلي علي قناة المحور التي يملكها رجل الاعمال المعروف الدكتور حسن راتب .. وبحكم مهمتي هذه فقد كنت مسئولا عن وضع الخط العام للبرنامج وشكل التناول والتغطيات الاعلامية المختلفة للاحداث والتطورات للجارية، كان هذا يتم بالتداول مع الزميلين العزيزين مقدمي البرنامج ومع الزميل سامي عبد الراضي رئيس تحرير البرنامج ، والزملاء اعضاء اسرة فريق الاعداد.

في اوائل شهر اكتوبر عام ٢٠١٠ هاتفني الدكتور حسن راتب وقال : يازهار .. يوم ١٣ اكتوبر هايتوافق مع نهاية ٢٩ عام علي حكم الرئيس حسني مبارك وبداية العام الثلاثين ، واضاف : عاوزين نعملوا حاجة في برنامج ٩٠ دقيقة .

قاطعت الدكتور حسن وقلت : احنا مش هانعملها احتفالية وتطبيل للرئيس مبارك .

رد الدكتور حسن : هاتعمل ايه يعني ؟

قلت : يا دكتور ان اتصور اننا وبعد ٢٩ من حكم الرئيس مبارك ، واجب علينا نقولوا يا فندم حضرتك عملت لنا حاجات كويسة هي كذا وكذا وكذا بنشكر سيادتك عليها ، وفي حاجات غلط اتعملت عاوزين سيادتك تصلحها ، وفيه حاجات ما اتعملتش نطلب من سيادتك تعملها عشان مستقبل البلد. 

اضفت وقلت : يا دكتور حضرتك تعرف الرئيس شخصيا وبتشوفوا ، انا ما اعرفوش ، بس انا متأكد ان الرئيس هايسعدوا جدا ان احنا نقولوا هو عملنا ايه وناقص ايه واحنا عاوزينوا يعمل ايه .. اضفت : اعتقد يا دكتور ان ده يسعدوا اكثر من نطبل وننافق ونعمل زفة بمناسبة مرور ٢٩ سنة علي توليه الحكم .

قال الدكتور حسن راتب : خلاص اعمل اللي انته شايفوا . واغلق السماعة .

تقييم موضوعي لفترة مبارك

هداني تفكيري الي ان برنامج ٩٠ دقيقة بمرور ٢٩ عام علي تولي الرئيس مبارك الحكم ترتيب حلقة نقاشية يشارك فيها مجموعة من اصحاب الخبرات والاراء والتوجهات المختلفة، نطرح عليهم السؤال بلا اية تحفظات او خطوط حمراء نتجنب الحديث حولها .

في البداية قوبلنا باستغراب وتخوف شديد من كثيرين مما دعوناهم للمشاركة في الحلقة التي تناقش وتضع تقييما موضوعيا لفترة حكم مبارك .

اتهمنا البعض بإننا سوف نقوم بالتطبيل لمبارك، وهناك من اتهمنا بالنفاق وهناك من اعتذر دون اعلان السبب في الاعتذار !

الي ان اتفقنا مع اربعة متحدثين رأيت انهم يمثلون اتجاهات ورؤي فكرية وسياسية مختلفة .

انتوا عاوزين تقفلوا المحطة !

الكاتب الصحفي محمد علي ابراهيم رئيس تحرير الجمهورية، انذاك، كان واحد ممن وقع عليهم الاختيار ليكون احد المتحدثين في الحلقة، بإعتباره يمثل رأيا مؤيدا وقريبا من الرئيس .

محمد علي ابراهيم عاجلني بإستغراب عندما توجهت الي صالون الانتظار لارحب به وبضيوف الحلقة قبل الدخول للاستديو بدقائق ، قال محمد علي ابراهيم بإبتسامة ملتبسه بين الاستغراب والتحذير : ايه يازهار تقييم موضوعي ايه لفترة حكم الرئيس مبارك ، انتوا عاوزين تقفلوا القناة ؟ 

رددت وبسرعه وقلت : يا استاذ محمد ، دعني اكرر كلامي امامكم جميعا ضيوف الحلقة، نحن بالفعل نريد منكم وضع تقييم موضوعي لفترة حكم الرئيس مبارك، ليس لدينا خطوط حمراء ، ليس لدينا موضوعات محظور الكلام عنها او فيها ، الكلام مسموح في التوريث والانتخابات والاحتكار والتعديلات الدستورية الاخيرة ، واسباب عدم تعيين نائب للرئيس … وغيره وغيره !

اضفت : التحفظ الوحيد فقط هو عدم استخدام عبارات او الفاظ خارجة عن المألوف وعن قيمنا التي نتعامل بها ، وخصوصا مع رئيس الدولة ، بما له من قيمة رمزية. 

وكان باقي الضيوف ، هم السيدة جورجيت قليني وكانت نائبة معينة بمجلس الشعب، وكانت تمثل المرأة والاقباط شركاء الوطن. ورغم انها كانت معينة لمجلس الشعب الا انها كانت تثير قضايا واراء مهمة مستقلة تحت القبة وخارج البرلمان .

بين الضيوف ايضا كان الكاتب الصحفي نبيل زكي المتحدث باسم حزب التجمع ، وكان معارضا ناضجا عف اللسان ، يقول ما يريد بكل الجرأة دونما تجاوز او استخدام لفظ خارج.

رابع الضيوف كان الاعلامي جمال عنايت احد الاعلاميين النابهين العاقلين، الملم بمتطلبات ووظائف مهنة الاعلام .

اكثر من ساعة ونصف !!

ودام وقت الحلقة، لاكثر من ساعة ونصف الساعة، ادارها معتز الدمرداش بإحترافية شديدة، قال الضيوف للرئيس مبارك كل ما ارادوه من نقد ومعارضة ، بدء من عدم الرضا عن تدخل الرئيس في كل شيئ حتي في نقل كوبري او شق طريق، وقال الضيوف ان هذا التدخل من الرئيس يعني انه لا توجد دولة مؤسسات، وتحدث الضيوف منتقدين الكثير والكثير من الامور في ادارة الدولة وما يتوجب علي الرئيس فعله كي تمضي الدولة في السنوات المقبلة بصورة اكثر استقرارا وتطورا .

ولا ابالغ اذ قلت ان المتحدثين في تلك الحلقة وعلي مدي اكثر من ساعة ونصف الساعة ، عددوا غالبية المطالب التي رفعها المتظاهرون في ثورة يناير التي اشتعلت احداثها بعد اسابيع قليلة، في ذلك الوقت، المطلب الوحيد الذي لم يطالب به الضيوف حهو رحيل مبارك .

عقب نهاية الحلقة التي كانت مذاعة علي الهواء مباشرة، هاتفني الدكتور حسن راتب صاحب القناة، وقال بعد ان وجه الشكر لفريق البرنامج : لقد فعلتم اكثر ما كنت اريده بالاف المرات !

الراجل الكبير عاوز معتز !

في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، تلقيت مكالمة من الدكتور حسن راتب ، بادرني قائلا : صاحبك فين ( يقصد معتز الدمرداش ).

قولت : اكيد نايم دلوقتي .. حضرتك عارف انوا بينام بعد الفجر وبيصحا الضهر او قبل العصر .

قال الدكتور حسن : لأ .. لازم تصحيه حالا ، الراجل الكبير عاوز بكلموا ( يقصد مبارك ).

قلت : خير ولا شر ؟

رد الرجل متهللا : خير اوي .

وكرر بحسم : شوف ازاي ممكن تصحيه من النوم دلوقتي ويفتح تليفونه ، الدنيا مقلوبة عليه .

كيف اوقظ معتز الان من نومه ، هو مقيم في السادس من اكتوبر وليس لديه هاتف ارضي في مسكنه، وانا في منزلي بمنطقة المعادي !

هداني تفكيري بسرعة الي الاتصال بحسام مدير اعمال معتز، الذي استجاب للاتصال بسرعة، اخبرته بالامر وطلبت منه ان يتصل بمديرة منزل معتز لايقاظه وابلاغه بضرورة فتح التليفون .

وكنا نحن فريق برنامج ٩٠ دقيقة نشير في محادثاتنا عن مكتب الرئيس بمصطلح النمرة اللي كلها تسعات ، فقد كان مكتب الرئيس يستخدم في الاتصال بمعتز ربما كوديا مكون من مجموعة كبيرة من رقم تسعة .. وبالفعل ايقظت مديرة المنزل معتز وقالت له : افتح التليفون .. النمرة اللي كلها تسعات عاوزين يكلموك .. وكان معتز يعرف معني مصطلح النمرة اللي كلها تسعات !

وبالمناسبة .. كان معتز الدمرداش يتلقي العديد من الاتصالات من مكتب الرئيس مبارك تعليقا او توضيحا لامور وردت في البرنامج ، وكنت وبحكم مسئوليتي عن الخط العام للبرنامج ، وبالتفاهم مع اسرة البرنامج كنا لا نعلن عن هذه الاتصالات ولا نباهي بها ، تفاديا لان يتم اتهامنا بمحاباة الرئيس او ان نحسب عليه ، كما كنا لا نريد ان نبدو في صورة المعارضين ، كنا نخدم الحقيقة فقط بصرف النظر عن الرضا او عدم الرضا من اي مسئول تنفيذي .. كان هدفنا الوحيد فقط هو المشاهد العادي .

٣٥ دقيقة !

اقل من ساعة مرت تلقيت اتصالا هاتفيا من معتز الدمرداش ، ليخبرني بإنه تلقي مكالمة من الرئيس مبارك دامت لاكثر من خمس وثلاثين دقيقة.

قال معتز انه اكتشف ان الرئيس شاهد الحلقة كاملة وانه استمع وبإمعان لمداخلات كل المتحدثين ، بل وحمل معتز رسائل لكل متحدث علي حدي ، رسائل كانت ما بين مراجعة لبعض الاراء التي قيلت او تصحيحا لاراء، واتفاقا في اراء اخري، وابدي مبارك بعض القفشات اذ قال لمعتز : قول لجمال عنايت انته مسكت العصاية من النص !

وقال معتز ان مبارك كان في المجمل سعيدا بالحلقة والنقاشات التي عرضت خلال الحلقة، واعترف مبارك انه يضيق علي الاخوان، خشية انقضاضهم علي السلطة. واعترف مبارك بأن الحزب الوطني يعاني من الترهل وعدم الكفاءة السياسية، وقال مبارك ان القوي السياسية الاخري لا تختلف عن الحزب الوطني.

وقال مبارك .. انه يتوقع سعي الاخوان المسلمين للقفز علي السلطة، وانهم يسعون لتسميم المجتمع واثارته لاحداث فوضي هم الوحيدون الذين سيستفيدون منها .

وختم مبارك كلامه لمعتز الدمرداش : لو حصل كده ، والاخوان سخنوا الناس ، هاسيبها للجيش وامشي !!

ملحوظة : كل اطراف هذه الحكاية وشهودها احياء يرزقون .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...