من يمول تنظيم داعش الإرهابي
يبدو أن لـ«داعش» سبل عديدة للتمويل، أبرزها على الإطلاق، السيطرة على المعابر الحدودية، وآبار النفط، ناهيك عن التمويل الذاتي لبعض مقاتليها. ولتنظيم «داعش» مصادر تمويل أخرى، منها: الأسواق السود، واستخبارات بعض الدول، وفرض الضرائب على رجال أعمال الموصل بالعراق، إضافة إلى تمويل بعض المتعاطفين معها من عموم الناس في الوطن العربي، كما أن أكبر دعم يأتي «داعش» هو من الأسواق السود من طريق تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والخطف والابتزاز. وتبلغ حصيلة «داعش» من الأموال من عمليات الابتزاز التي يقوم بها التنظيم في الموصل ما يقرب من ثمانية ملايين دولار سنوياً.
مصدر النفط
النفط هو ثاني أهم مصدر تمويل لـ«داعش» التي استولت على حقول النفط في شمال سوريا، وتقوم بنقل النفط عبر الحدود إلى تركيا. في الوقت نفسه صارت داعش في وضع يمكنها من تمويل نفسها بشكل مستقل كما يقول الخبير في مركز بروكينغز (الدوحة) تشارلز ليستر: «سعت داعش لتأسيس شبكات في المجتمع لضمان مصدر تمويل دائم. يظهر هذا من خلال أمثلة عدة من بينها عمليات الابتزاز الممنهجة التي تقوم بها عناصر داعش في مدينة الموصل، أما عن ضحايا عمليات الابتزاز فهم صغار رجال الأعمال، والشركات الكبرى، وشركات البناء، وبعض رجال الحكومة المحليين، إن صحت الشائعات، وثمة تخمينات حول قيام داعش بفرض ضرائب في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالكامل مثل محافظة الرقة في شمال شرق سوريا».
البحث عن مصادر عبر الإعلام
أخذ الإعلام الداعشي عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيزاً واسعاً، بل أشبه بكونه دولة إلكترونية ذات مساحة هائلة ومستقلة بذاتها، ومن خلال تلك الحسابات، تقوم مجموعة تحت معرفات نسائية بالدعم النفسي، والتسويق الإعلامي، وأيضاً البحث عن مصادر تمويلية بشتى الطرق، بل يتضح من خلال تلك المعرفات عامة، تصدير نوع من حالة رفع المعنويات، وبث تباشير الإقدام والانتصار، وإحلال تطبيق الشريعة الإسلامية على طريقتهم، والتي تنطلي على كثير من المتعاطفين الجاهلين بفهم الشريعة الإسلامية الحقة في المقام الأول، وبحقيقة التنظيم ثانياً، مما يستدعي سهولة التسلل إلى الجيوب واستنزاف التبرعات باسم دعم إرساء دعائم الخلافة الإسلامية، وعودة المجد التليد لهذه الأمة.
نقلاً عن مصادر لم تُحَدَّد، بعضها من الرسميين في حكومة الأسد، عن شبكة تحويل أموال تتولى تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية» «داعش»، في الرقة، عبر شركات للحوالات المالية، أبرزها، «شركة الهرم» بدمشق. وتمرّ شبكة تحويل الأموال تلك عبر العاصمة اللبنانية بيروت، وعاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل.
وتبدأ الجريدة اللبنانية تقريرها بالإشارة إلى خبر نشرته سلطات نظام الأسد مفاده أنه نتيجة عمليات التدقيق التي تقوم بها هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (السورية الرسمية) على «شركة الهرم» للحوالات المالية، تبين للهيئة قيام الشركة المذكورة بتنفيذ عمليات تحويل أموال من محافظة الرقة وإليها. وذلك يخالف القرارات الصادرة من الجهات المختصة. وتنقل الجريدة عن مصدر لبناني أن هذا الخبر هو فحوى «الكشف» الذي حققته سلطات الأسد المُختصة بدمشق، والتي كشفت بموجبه شبكة تحويل الأموال التي تموّل «داعش».
وحسب ما وصفته الجريدة بـ«أوساط سورية رسمية» فإن «عمليات نقل الأموال من (داعش) وإليها تمر عبر محطتين رئيستين: أربيل وبيروت».
وبتحليل تلك البيانات المضبوطة، كما بدراسة حركة سوق الصرافة بين دمشق وخارجها، تبين للسلطات السورية أن الشركة المشتبه في تورطها في تمويل «داعش» لديها عدد كبير من مكاتب الوكلاء المتعاملين معها في عدد من المناطق اللبنانية. واللافت أن الشركة المذكورة غير مرخص لها من قبل مصرف لبنان لممارسة تلك الأعمال المالية فوق الأراضي اللبنانية. ولذلك فهي تتحايل على لا قانونيتها باللجوء إلى مكاتب صرافة عميلة، تتولى تنفيذ عمليات التحويل المالية مباشرة مع «الزبائن» المفترضين.
عبر المزيد من التفاصيل، تنتهي الجريدة اللبنانية، نقلاً عما وصفته بـ«السلطات السورية» إلى أن أموالاً ضخمة تأتي من جهات خليجية إلى مصارف لبنانية في بيروت، وذلك لحساب أفراد غير معروفين. بعدها يتولى هؤلاء سحبها نقداً، وتحويلها بأسماء مستعارة، عبر مكاتب صرافة معينة، إلى عاصمة «داعش» في الرقة، عبر الشركة السورية المشتبه فيها، كما عبر شركة سورية أخرى يجري التدقيق في بياناتها حالياً. كذلك فإن بعضاً من التمويل الداعشي الذي يتم عبر أربيل، ينفذ من عاصمة كردستان العراقية بالطريقة نفسها، وعبر مصارف لبنانية هناك. كذلك باتت السلطات السورية نفسها متأكدة من أن القسم الأكبر من عائدات النفط السوري المسروق من قبل «داعش» في الرقة، والمقدر راهناً ـ يوليو (تموز) 2014 بنحو 50 ألف برميل يومياً، يجري تحويلها بواسطة سماسرة ماليين إلى بيروت، بمعنى أن تقوم «داعش» ببيع النفط عبر تركيا، وتتقاضى أموالها عبر لبنان، وذلك بواسطة شبكة تحويل الأموال نفسها.
وتحمّل الجريدة اللبنانية مسؤولية استخدام عملاء «داعش» للمصارف ومكاتب تحويل الأموال اللبنانية، إلى «غفلة» مصرف لبنان المركزي، الذي استنكف عن التعاون مع «السلطات الرسمية السورية المعنية»، حسب الجريدة نقلاً عن مسؤولين في حكومة الأسد.
خلاصة ما سبق: يبدو أن سلطات الأسد المُختصة بالتفاصيل المالية والمصرفية بدافعٍ من نظرتها السياسية والأمنية، أرادت إرسال عدة رسائل عبر التقرير: أولها: اتهام «مصرف لبنان المركزي» بالمسؤولية عن جعل بيروت عاصمة لتحويل أموال «داعش» نظراً لعدم تعاونه مع سلطات حكومة الأسد المُختصة في ملفات مالية ومصرفية خاصة بشخصيات سورية.
ثاني تلك الرسائل: أن حكومة الأسد تريد الإيحاء بأنها تقوم بتحركات جادة لقطع سبل تمويل «داعش»، وأنها حققت تقدماً ملحوظاً في هذا الملف، أدى إلى الكشف عن شبكة تحويل الأموال التي يعتمدها «داعش» في تمويله، وأنها في هذا الصدد، كشفت عن تورط شركات صرافة سورية في هذه الشبكة. وهي تُوحي الآن بأنها في طريقها للكشف عن تورط شخصيات سورية معارضة في تمويل «داعش» عبر أرصدتهم وحساباتهم المالية في بعض المصارف اللبنانية، بغية استخدام هذا الملف، في محاولة لتجميد حسابات هذه الشخصيات بتهمة «دعم الإرهاب»، عبر التعاون مع «مصرف لبنان المركزي»، الذي لم يتم حتى الآن.
مهما كانت مصداقية النظام السوري الذي يعتريه التدليس والتضليل وتضييع الحقائق في الغالب، إلا أن هذا السيناريو المتعلق بـ«تمويل داعش»، فيه من الاقتراب إلى الحقيقة أكثر، لأن هناك سيناريوات تقويه، لكن هناك إشارة واضحة إلى أن النظام السوري يتهم الحكومات لاعتبارات سياسية، وهنا من المنطقي أنه جانب الصواب، لذا فإن اتهام دول الخليج، فمن المؤكد أن الأموال القادمة عبارة عن تحويلات فردية، تجعل المتابع في حالة ربط بين الطُرق المتشابهة والمتقاربة، إضافة إلى كونها الطريقة اليتيمة لإرسال الأموال ودعم التنظيمات، ومنها «داعش».