هشام جنينة : الفساد في مصر اقوى من السيسي ونظامه

نقلا عن المصري اليوم

 

خروجه من رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات أثار جدلا كبيرا خلال الشهور الماضية، لاسيما وأنه جاء على خلفية كشف فساد فى مؤسسات الدولة قدر بمئات المليارات. طال جدل إزاحة جنينة من الجهاز المركزى للمحاسبات قطاعات واسعة من الجماهير، لاسيما وأن هذه الإزاحة لم تكتب الكلمة الأخيرة فى هذا الملف، بل تبعه حكم بسجنه عاما، بتهمة بث ونشر ادعاءات كاذبة. منذ تلك اللحظة، فرض «جنينة» على نفسه «عزلة إجبارية»، غير أن «المصرى اليوم» تمكنت من إقناعه بـ«كسر حاجز الصمت»، وكشف المسكوت عنه فى هذه الأزمة، وطبيعة التهديدات التى تلقاها عشية إزاحة الستار عن تقرير كشف الفساد. رغم حالة التفاؤل التى بدا عليها طوال مدة الحوار التى تجاوزت 4 ساعات كاملة، إلا أنه لم يخف قلقه، لاسيما حينما تطرق الحديث إلى أسماء أشخاص بأعينهم، قائلا: «ممكن أتحبس أنا وأنت»… وإلى نص الجزء الأول من الحوار:

 

■ فى البداية نرغب فى معرفة صحة الرقم الذى تم إعلانه منسوبا لتصريحاتكم الذى قدر حجم الفساد فى مصر بـ600 مليار جنيه؟

 

– رقم غير صحيح بالمرة، وما تم الإعلان عنه كان يهدف إلى إثارة مشكلة دون التأكد من صحة الرقم الحقيقى الذى يتعدى هذا المبلغ، وأحدث ذلك لغطا لدرجة أن الشارع أصبح يتحدث عن أرقام متضاربة لا ترقى أبدا للموجود بالأوراق، ويقولون إن هذا الرقم يمثل مقدار الفساد فى عام، وآخرون يقولون فى أربعة أعوام دون معرفة صحيح الأمر.

  – هذا من ضمن التشويهات والافتراءات التى لاحقتنى نظرا لبعض الأمور، أولها كما قلت لك أن البحث العلمى السليم لا يمكن معه إغفال آخر عام أثناء إعداد تقارير رقابية، خاصة إذا كانت بصدد تقدير فساد، لأن الأرقام تتغير شهريا، وبالتالى فلا يمكن بأى حال التغاضى عن عام 2015 لأن بدونه لا معنى للتقارير، ولا معنى أن تحدثنى عن وقائع قديمة دون أن تشمل الوقت الحالى الذى تعمل فيه وهذا إجراء معمول به فى جميع الدراسات العالمية ولم يكن رأيا خاصا لى، بل هو أسلوب العمل الذى سارت عليه اللجنة، وإذا كان هناك أحد يعترض على ذلك، يخبرنا بأن هذا الكلام غير علمى، كما أن القول بان السنة الأخيرة تم وضعها بهدف النيل من الرئيس أمر فيه جهل، فكشف الفساد فى عهد سيادته أمر يحسب له لا عليه واتخاذ الإجراءات الرادعة تضع النظام فى وضع جيد يليق بثورة المصريين.

 

[quote:4]

 

■ اذكر لنا الرقم النهائى لحجم الفساد فى المدة ما بين 2012 إلى 2015 وفقا لما انتهت إليه الدراسة الخاصة بكم؟

 

 

المصري اليوم تحاور«هشام جنينة»

– ليس أمامى الآن الأرقام كاملة ولكن ما أحب أن أوضحه أن التقارير وصلت إلى الجهات المذكورة ولم يجادلنى فيها أحد مطلقا ولم أتلق تعقيبا واحدا على ما جاء بها، وبعد مرور أكثر من شهر من إرسالها إلى تلك الجهات قام البعض باتهامى فى بلاغات ببث معلومات كاذبة ومحاولة عمل شائعات تعمل على تهديد المصالح العليا للبلاد، وكنت أتمنى أن يحدث ذلك من الحكومة المعنية بالأمر لأنها صاحبة الصفة فى تحريك دعوى جنائية ضدى، أما كونها تأتى من مواطنين شرفاء كما يقولون فإن الموضوع يصبح غريبا

 

■ لماذا قمتم بالإعلان عن حجم الفساد فى هذا التوقيت على وجه التحديد؟

 

– أولا الجهاز المركزى للمحاسبات جهاز رقابى مستقل وفقا للدستور والمادة 217 من الدستور، الخاصة بالأجهزة الرقابية التى أوجبت على تلك الأجهزة إعلان تقاريرها على الرأى العام مباشرة دون الحصول على موافقات من أى جهة، وأنا لم افعل أكثر أو أقل مما جاء فى الدستور والقانون، حيث قمت بإرسال نسخ من التقارير إلى الجهات المختصة ولم ينازعنى أحد فيها مطلقا، وبعد ذلك جاء التصريح المغلوط، وللعلم أنا كنت بصدد عقد مؤتمر صحفى لإعلان التقارير بالأرقام الصحيحة المثبتة فى الدراسة على الرأى العام، وليست هذه المرة الأولى، حيث قمت بعلم مؤتمر صحفى فى عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، وكان التقرير الأول لى، وأحدث ذلك الإعلان هجوما على شخصى، لأن التقارير المعلنة وقتها ضمت الحزام الأخضر بأكتوبر وجهاز تنظيم الاتصالات وبعض المؤسسات وضم عددا من المسؤولين، ما دعا أصحاب المصالح إلى مهاجمتى، ولم أكترث وقتها للتهديدات التى طالتنى، وهذه المرة الخاصة بالدراسة الأخيرة تصرفت فيها كما حدث قبلها تماما، ولم أقصد الإساءة فيها لأحد، ولا شىء من هذا القبيل، ما أفعله هو تنفيذ القانون والدستور، ولكن فكرة تغييب المؤسسات لا تبنى دولا، وكما قال سيادة الرئيس إننا فى شبه دولة، وهناك أسباب، لذلك أرى أن تغييب دور وعمل المؤسسات يجعلها أشباه مؤسسات ولابد من مصارحة أنفسنا بالأخطاء حتى نستطيع العبور إلى آفاق أوسع ومستقبل أفضل.

 

■ ذكرت لنا أن هناك تهديدات طالتكم بسبب إعلانك تقارير الجهاز السنوية.. فسر لنا ذلك؟

 

– التقرير الأول الذى أعلنته فى مؤتمر صحفى أثناء رئاسة المستشار عدلى منصور للدولة شمل بعض الشخصيات الهامة، كان من بينها وزراء ومسؤولون حاليون ومتقاعدون وعدد من الشخصيات التى تفاجأت بأن أسماءها موجودة بالتقرير، ما أدى إلى تحريك دعاوى ضدى بواسطة أشخاص ليس لديهم صفة أصلا، ووصل لحد تهديدى باستصدار أمر ضبط وإحضار، إضافة إلى انتقادات حادة وأحاديث عن إمكانية أن أصبح داخل السجن فى أى وقت، وأصبح هشام جنينة مادة خصبة لبعض الأبواق للإساءة والنيل منى، أيضا وصلتنى رسالة من رجل فى موقع مهم جدا وقتها، قال لى فيها مع وسيط «ابعد عن مسؤول كبير وبلاش تقاريركم تقترب من اسمه أحسن لك» ورديت على الوسيط بأن عليه تبليغ صاحب الرسالة شكرى إذا كان لم يقصد شيئا وقلت له أما إن كان هدفه تهديدى فاعتبرنى لم أسمع شيئا منكم، والوسيط مازال حيا يرزق، وتركت الأمر لله وكان الزملاء فى الجهاز بكل صراحة متضامنين معى جدا ويقولون لى نحن الذين نكتب أسماء الفاسدين، وأنت الذى تتم محاسبتك على أعمالنا وكنت أتمنى أن يساندنى المسؤولون بدلا من التحريض ضدى لأن هناك ضرورة لأن تساند الأجهزة بعضها فى مواجهة الفساد، ولم تتوقف التهديدات بالنسبة لى منذ تلك الفترة إلى الآن، وللعلم أنا كنت أنتوى أثناء فترة عملى إعلان تقارير الجهاز سنويا فى مؤتمر صحفى، تطبيقا للدستور وتفعيلا للقانون لأن ده حق الشعب وأنا مؤمن بأن الرقابة الشعبية على المال العام أهم وأقوى أنواع الرقابة لكنهم أبعدونى بعد أن علموا أننى أتجه لهذا الإجراء سنويا فكان الطريق الوحيد أمامهم إبعادى عن الجهاز تماما.

 

■ من هؤلاء الراغبون فى إزاحتك عن رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات؟

 

 

المصري اليوم تحاور«هشام جنينة»

– الذين طالتهم تقارير الجهاز، والمفروض أن يقدموا للعدالة على ما جنت أيديهم من استيلاء على المال العام وإهدار ثروات الوطن، فهم أسماء لامعة وأيضا شخصيات فى مواقع حساسة جدا، وهناك مجموعات فى موقع المسؤولية الكبرى يقومون بتخصيص الأراضى بالأمر المباشر، والاستيلاء عليها كما قلت، وهذا مخالف تماما للقانون وغيرهم ممن لهم سطوة فى المجتمع وقيادات بجهات نافذة، وكنت أعرف أنهم لن يصمتوا على ذلك، لكن كان لدى أمل فى أن يخيب رجاؤهم وتصبح الثورتان قادرتين على إنجاح تجربة محاربة الفساد وكشف أصحابه للرأى العام، لكن للأسف لم يحدث، وأصبحت أنا فى مرمى النيران واكتشفت من خلال هذا العمل أن الفساد فى مصر أكبر من الأجهزة الرقابية التى تحاربه وأقدر على السيطرة لأنه أخطبوط كبير ومتشعب.

 

■ إذا كنت تعلم بأن هناك من يحاولون مهاجمتك لماذا لم تتخذ ما يلزم لحماية نفسك والدفاع عن تقارير الجهاز من الهجوم عليها؟

 

– لا أخفى عليك سرا فأنا تحدثت إلى المستشار عدلى منصور من قبل وأبلغته بما يحاك لى من مؤامرات وأظهر الرجل استياءه وقتها قائلا «معقول الكلام ده أنا مش هتدخل بشكل مباشر لكن اشتغل ومش هيقدروا يعملوا معاك حاجة لأنك محل ثقة وتقدير»، وبعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الأمور حاولت لقاءه لكن لم أكن محظوظا، حيت طلبت من مكتب الرئاسة مرتين تنظيم مقابلة مع سيادته، ولم يحدث لأننى كنت مهتما جدا بشرح أجواء العمل داخل الجهاز له وما أستشعر به من حيل وألاعيب، كما أننى أحب أن أقول للرئيس بأن عملنا أكبر داعم للدولة وأن كشف الفاسدين يصب فى مصلحة المصريين جميعا وأولهم رئيس الجمهورية لكن ومازلت لدى الرغبة فى الجلوس مع الرئيس لشرح التفاصيل كاملة لأننى على ثقة بان هناك أمورا مغلوطة ربما تكون قد وصلته لأن أصحاب المصالح لهم القدرة على عمل أى شىء.

 

 

 

المصري اليوم تحاور«هشام جنينة»

– فى الواقع التقدير الصحيح لحجم الفساد فى البلاد يزيد عما تم الإعلان عنه فى بعض وسائل الإعلام التى لم تكلف نفسها الوقوف على الحقيقة، أما مبلغ الـ600 مليار جنيه فهو مجرد تقدير الفساد فى بند واحد من بين 14 بندا تم عمل دراسة مستفيضة لها جميعا فى مدة أربع سنوات من عام 2012 إلى 2015 وانتهت إلى أرقام نحن على يقين تام بأنها صائبة نظرا لما تحت أيدينا من مستندات وأدلة تؤكدها.

 

أبعدونى حينما علموا أننى قررت إعلان تقارير الجهاز سنوياً فى مؤتمر صحفى

■ اشرح لنا القصة الكاملة الخاصة بالتقارير التى أعددتموها فى هذا الشأن؟

 

– فى بداية عام 2015 أراد الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط إعداد دراسة عن الفساد فى البلاد بناء على بروتوكول بين الوزارة والمركز الإنمائى للأمم المتحدة، وطلب منى بصفتى رئيسا للجهاز الاستعانة بإثنين من أعضائه لضمهما للجنة، وقال لى إنها لجنة لتحليل تكلفة الفساد فى الفترة من عام 2008 إلى عام 2012 وبالفعل وافقنا على طلبه، وتم ضم كل من الدكتور محمد على والدكتور سامر، عضوى الجهاز، إلى اللجنة المذكورة التى عكفت بدورها على العمل بعيدا عن ولاية الجهاز، وقد انتهت إلى رصد قيمة الفساد فى السنة الواحدة بمقدار 247.7 مليار جنيه، وفوجئت بأن وزير التخطيط قد أرسل لى الدراسة، طالبا اعتمادها من قبل الجهاز، معللا ذلك بأننا الجهة الفنية الخاصة بذلك وبعد بحثها من قبل الأعضاء فى الجهاز قالوا إنها غير موثقة ولا يوجد بها مستندات تدل على الأرقام الموجودة بها، وبالتالى قمنا برفض اعتمادها، وبررت ذلك بأن الجهاز ليس مطمئنا إلى ما جاء بتلك التقارير، وأوضحنا له أنها مستندة على تصريحات إعلامية دون أدلة تؤكدها وأننا هنا فى الجهاز لدينا آلية لهذا العمل، فطلب سيادته أن تحضر اللجنة التى شكلها إلى الجهاز للاضطلاع على التقارير الخاصة بالجهاز وتوثيق ما جاء فى التقرير الذى يرغب فى أن نعتمده فرفضت لأن تقارير الجهاز سرية ولا يجب أن يراها من هم خارجه، وأوضحت له أن هذا ما نص عليه القانون ولا أستطيع مخالفته وعندما سألنى: «طيب إيه الحل؟»، قلت له نستطيع عمل ذلك داخل الجهاز باعتباره المنوط بمثل هذا الإجراء عن طريق تشكيل لجنة لتقدير حجم الفساد، لكن لابد من أن تشمل الدراسة السنة الحالية، وقتها كانت 2015، وشرحت له سبب ذلك فى أن المتعارف عليه دوليا لا يمكن إجراء دراسة أو بحث حالة فساد فى دولة دون النظر للعام الأخير، نظرا لوجود متغيرات فى الأحداث باستمرار، وهى أمور فنية يقف عليها المتخصصون، وأوضحت له أن الجهاز سيقوم بعمل الدراسة لمدة أربعة أعوام كما تريد الدولة ولكن من عام 2012 إلى عام 2015 لأن عام 2008 أصبح قديما جدا ولا يمكن حصر تلك المدة، وشرحت لوزير التخطيط أن هذا أسلوب جيد لإيجاد تقارير صحيحة موثقة واقتنع وبدأنا العمل بعد اختيار 14 زميلا من خيرة أعضاء الجهاز، وكان المطلوب فحص 14 قطاعا من قطاعات الدولة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...