صادق إسماعيل يكشف “مستقبل الأمن الجماعي العربي في ضوء الثورات العربية”
من خلال تعرضه لماهية الأمن الجماعي العالمي والعربي وتطوراته المختلفة كشف د. محمد صادق إسماعيل في كتابه “مستقبل الأمن الجماعي العربي في ضوء الثورات العربية” الصادر عن مكتبة الإسكندرية أن مفهوم الأمن الجماعي تم استخدامه على المستوى الدولي منذ إنشاء عصبة الأمم في العام 1921 وهو يقوم على فكرة محورية قوامها السماح بالإخلال بالوضع القائم بطريقة غير مشروعة، من خلال تكوين قوى دولية متفوقة تتمكن من إحباط العدوان أو ردعه، ويقوم هذا الترتيب على مجموعة من الافتراضات أبرزها ضرورة اتفاق دولي، لتحديد الطرف المعتدي في حال نشوب صراع مسلح حتى يتسنى تصفية العدوان قبل أن يتسع نطاقه، ويصبح من المتعذر احتواؤه وإلغاء آثاره الدولية. وأن يجمع كل الدول هدف واحد وهو مقاومة العدوان أيا كان مصدره، حيث تغدو تلك المقاومة واجبا محتما على كل الدول بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وأن تتمتع كل دولة بذات القدر من الحرية والمرونة لتشارك في التدابير الدولية الجماعية التي تنفذ في مواجهة المعتدي، وأن تتاح الإمكانات الجماعية للدول التي تشارك في تحمل مسئولية تنفيذ هذه التدابير المشتركة، وأن تكون من الضخامة إلى الحد الذي يجعلها قادرة على رد العدوان وإحباطه.
وتطرق د. إسماعيل للميثاق الأممي للأمن الجماعي ومهام الأمم المتحدة، ورأى أن الحديث عن نظام للأمن الجماعي العربي يكتسي أهمية خاصة وذلك لارتباطه بالأمن القومي العربي الجماعي وبجامعة الدول العربية التي شكلت منذ نشأتها في مارس/آذار 1954 أحد أبرز ملامح النظام العربي الجماعي بصفتها إطارا للعمل العربي المشترك يهدف إلى توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية وتحقيق التعاون بينها وصيانة سيادتها واستقلالها.
وبعد أن يستعرض إسماعيل التصورات والرؤى المطروحة من جانب القوى السياسية المسيطرة على المشهد السياسي في بلاد الثورات العربية، يطرح عددا من التساؤلات المهمة حول مستقبل العلاقات العربية ـ العربية، وهل يمكن أن تدخل في حرب باردة جديدة تكرارا لحالها إبان عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين؟ وما يرتبط به من تساؤلات أخرى حول طبيعة النظام العربي؟ هل نشهد نظاما عربيا جديدا ومصالحات عربية ـ عربية أم إعادة إنتاج لمنظومة الخلافات العربية العربية؟
وفي إطار الإجابة أبرز إسماعيل مشهدين رأى أنهما الأبرز في الواقع، الأول: يرى أن البيت العربي يعاني من تصدع ووهن بما ينذر بمزيد من الخلافات والانقسامات والتصدعات في النظام العربي، فلم تنه هذه الثورات سياسة المحاور العربية، بل خلقت محورا صراعيا جديدا بين الثوريين والمحافظين من الدول العربية على غرار خبرة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ويؤكد ذلك أن النظام العربي لم يخل في أية مرحلة من مراحل تطوره من ظاهرة الخلافات بين وحداته التي وصلت في بعض الأحيان إلى مستوى الصراع المسلح، وهو ما تنذر به هذه الأحداث، فخبرة التاريخ تؤكد أن هذه الموجات لن تحقق نجاحا في كل البلدان العربية نظرا لخصوصية كل بلد طبقا لظروفه الداخلية التي تحدد مصير حركات التغيير فيه، بما يخلق مجددا حالة من الانقسام في النظام العربي بين معسكر التغيير ومعسكر المحافظة على الوضع الراهن.
ويعطي إسماعيل لهذا المشهد مؤشراته منها الموقف المعادي من قبل بعض الدول العربية للثورة المصرية وتراجع فكرة الخارج في أجندات البلدان التي شهدت ثورات مع سيطرة المهام الداخلية على قياداتها، والموقف الأميركي الساعي لنظام إقليمي جديد يحمي مصالحه ومصالح اسرائيل.
ثم يعرض للمشهد الثاني الذي يرى أن الخلافات العربية ـ العربية ليست قدرا مقدورا وإنما عوامل التقارب أكثر من عوامل الخلاف والتباين، وأن النظام مقبل على مصالحات عربية وتراجع لمستوى الخلافات البينية، بما يوحي بإعادة تشكيل النظام العربي، وفي القلب منه الأمن الجماعي العربي، حيث تتحرر السياسات من قيود الماضي لتصبح أكثر قربا من المصالح العربية وتفاعلا مع قضاياها، بما ينعكس بدوره في النهاية على دور جامعة الدول العربية وأجهزتها المختلفة في تحقيق أعلى مستويات الأمن الجماعي للدول الأعضاء.
ويدلل على ذلك بالدعم الخليجي للثورتين المصرية والسورية، وأن التغير في مصر يمكن أن يفتح الأبواب لاستعادتها علاقاتها الطبيعية مع بقية البلدان العربية.
ويطالب إسماعيل بتفعيل مؤسسات العمل العربي وتحديث هياكلها وتطوير برامج عملها وفي مقدمتها جامعة الدول العربية بمختلف أجهزتها، وضرورة الإسراع في معالجة القضايا الخلافية العربية العربية بروية وحكمة، حتى لا تتجذر بصورة أكثر عمقا ويصبح من الصعوبة بمكان التفاعل معها ومعالجتها.
وطالب أيضا بضرورة إصلاح الإعلام العربي بمختلف صوره وأشكاله المقروء والمسموع مع إيلاء أهمية أكثر إلى أدوات التواصل الاجتماعي بما يعني التأكيد على مهنيته وتحسين وتطوير قدرات العاملين فيه. وكذا التأكيد على أهمية الدبلوماسية الشعبية في حل الخلافات العربية ـ العربية حيث أثبت هذا النمط من الدبلوماسية نجاحا في عدد من الملفات الخارجية.