الرابحون من الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا
كثيرون الذين استفادوا من لاانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في تركيا خلال الفترة الأخيرة، لكن ما هي الأطراف المستفيدة من الانقلاب هو ما سوف نناقشه في التقرير التالي.
الاخوان:
تعتبر الاخوان أكثر جماعة استفادت من الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا، وذلك لأن الانقلاب قوى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يدعم جماعة الاخوان، وأصبح وجوده مؤثرا في المجتمع التركي، كما أنه لن يتم طردهم من تركيا طالما كان حزب أردوغان هو الذي يحكم البلاد.
تسعى جماعات الإسلام السياسي، بما فيها جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الوصول إلى الحكم، من أجل تحقيق برامجها، وتنفيذ أهدافها، وهي تتبنَّى وسائل مختلفة من أجل تحقيق هذا الهدف، وقد أظهرت التطوُّرات الأخيرة أن هذه الجماعات تعمل بشكل حثيث على التغلغل في مختلف مفاصل الدولة، حيث فعل ذلك «الإخوان المسلمون» في جمهورية مصر العربية.
فقد بدأ حسن البنا حركته بتأسيس المدارس والمعاهد العلمية والجمعيات الخيرية، وشجَّع أتباعه على الانخراط في مؤسسات الدولة المختلفة، وكذلك فعلت الجماعة في تونس، وحاولت في الكويت، ومن قبل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك من أجل انتهاز الفرصة المناسبة للاستيلاء على السلطة، سواء كان ذلك عبر صناديق الاقتراع أو غيرها، بما في ذلك القيام بالانقلابات العسكرية الدموية وغير الدموية، وحينما سنحت لها الفرصة استولت على السلطة مباشرة.
وهذا ما فعلته تماماً حركة «الخدمة» بزعامة فتح الله غولن في تركيا، فقد أعلنت، منذ تأسيسها قبل أكثر من أربعة عقود، أن أهدافها دَعَوية واجتماعية في الأساس، وأنها لا تمارس السياسة، وكرَّرت ذلك مراراً، ولكنها فعلت كما فعل «الإخوان»، واستخدمت التكتيك نفسه -وكأن المنبع واحد- الذي يقوم على التغلغل في المجتمع، والانخراط في مؤسسات الدولة، فحثت المنتسبين إليها على الالتحاق بالعمل في مؤسسات الدولة التركية، بداية من الجيش والشرطة والاستخبارات، مروراً بالوزارات، خاصة التعليم والمؤسسات الدستورية المختلفة، وانتهاءً بالقضاء، حتى أصبحت تشكل بالفعل «كياناً موازياً» داخل الدولة التركية يملك من الأدوات والقدرات ما يجعله قادراً على الاستيلاء على السلطة.
إن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، واتهام حركة «فتح الله» غولن بالوقوف وراءها، يؤكدان مجدَّداً خطورة الجماعات التي تستخدم الدين ستاراً لتحقيق أهدافها السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب أمن الدول التي تعيش فيها واستقرارها، ما يجعل الدعوة والدين لدى هذه الجماعات وسيلة للتغلغل، ومن ثم التحكُّم في مؤسسات الدولة، فحينما وصلت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في مصر كان همها الرئيسي هو العمل على «أخونة» مؤسسات الدولة المصرية، والدفع بعناصرها في مختلف المؤسسات السياسية والدستورية والعسكرية، لكي تستخدمهم في الدفاع عنها وقت الضرورة، بل إنها لم تكتفِ بذلك، فعملت على تهميش معارضيها وإقصائهم من الحياة السياسية، كما ضربت عرض الحائط بمفاهيم أساسية، مثل: المواطنة، والمساواة، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة وتحمُّل مسؤولياتها، وحقوق المرأة، وهي المفاهيم التي كانت ترفعها لاستمالة الجماهير إلى صفها.
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي انتقدت فيه جماعة «الإخوان المسلمين» حركة فتح الله غولن، لاتهامها بالتورُّط في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، تناست أن هذه الحركة كرَّرت ما فعلته الجماعة نفسها في دول كثيرة، فقد استخدمت الدعوة مدخلاً للتغلغل في مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة الجيش والشرطة والقضاء، انتظاراً للفرصة المناسبة للانقضاض على السلطة، وهدم مؤسسات الدولة الشرعية والدستورية.
لقد كشفت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عن مدى براجماتية جماعة «الإخوان المسلمين»، وتيارات الإسلام السياسي بوجه عام، وانتهازيَّتها، فقد تريثت ولم تعلن موقفها إلا بعد أن تأكد فشل المحاولة الانقلابية، فقامت بإدانتها بقوَّة!