حلم تخليق كائن بشري.. هل الأمر ممكن علميًّا؟
بين الاستنساخ والتلاعب في الحمض النووي ما يزال العلماء يحلمون باليوم الذي يمكنهم فيه إعادة تخليق كائن بشري كامل في المختبر، بعيدًا عن الطريقة التقليدية المتعلقة بالإنجاب والولادة.
بين الاستنساخ والتلاعب في الحمض النووي ما يزال العلماء يحلمون باليوم الذي يمكنهم فيه إعادة تخليق كائن بشري كامل في المختبر، بعيدًا عن الطريقة التقليدية المتعلقة بالإنجاب والولادة.
تعدّ فكرة التلاعب باللبنة الأساسية للحياة، أي الجينات والحمض النووي، واحدة من أكبر الجدالات الأخلاقية في العلوم حاليًا، والتي دائمًا ما تشتعل في كل مرة يقوم فيها باحثون بعرض فكرةٍ أو إنجازٍ أو دراسةٍ جديدة. ووفقًا للعلماء الذين يقفون وراء خطة طموحة ومثيرة للجدل لكتابة الجينوم البشري من الألف إلى الياء، فإن «توليف الحمض النووي ودمجه في الثدييات وحتى الخلايا البشرية يمكن أن يحدث خلال فترة قد لا تتجاوز أربع إلى خمس سنوات».
تخليق حمض نووي صناعي
خلال الأيام القادمة، من المتوقع أن يحضر ما يقرب من 200 باحث بارز في مجال علم الوراثة والهندسة الحيوية اجتماعًا في مدينة نيويورك، لمناقشة المراحل التالية لما يسمى الآن «مشروع خطة كتابة الجينوم البشري»، وهو مشروع أمريكي بقيمة 100 مليون دولار يهدف إلى البحث وهندسة واختبار نظم المعيشة للكائنات، بما في ذلك الجينوم البشري.
وقد جرى التوصل إلى هذا المشروع كمتابعة لـ «مشروع الجينوم البشري» الرائد الذي توج في عام 2003 – بعد 13 عامًا من البحث- بيتمكَّن العلماء من رسم خريطة للكود الجيني البشري، وقد وصف مشروع كتابة الجينوم البشري بأنه الخطوة المنطقية التالية لمشروع الجينوم البشري، إذ سيتعلّم العلماء كيفية تخليق النباتات والحيوانات على نحوٍ فعال، وفي نهاية المطاف تخليق الحمض النووي البشري.
مثل هذا المشروع يثير الكثير من الجدل والنقاشات الأخلاقية، وهو ما تطلَّب أن يجري عرض تفاصيله على المجتمع العلمي أولًا بأوّل؛ كي يشارك الكل فيه برأيه. وكان كل من لوري زولوث من جامعة نورث وسترن، ودرو إندي عالم الأحياء الاصطناعية من جامعة ستانفورد، قد كتبا في وقتٍ سابق «بالنظر إلى أنّ تخليق الجينوم البشري هو تقنية يمكن أن تعيد تعريف جوهر ما يربط البشرية جمعاء ببعضها البعض كأنواع، فإننا نقول إنّ المناقشات حول جعل هذه القدرات حقيقية لا ينبغي أن يتم دون النظر المفتوح والمتقدم في ما إذا كان من الناحية الأخلاقية لنا الحق في المضي قدمًا فيه». ومنذ ذلك الحين، كان الباحثون وراء مبادرة أكثر صراحة، معلنين تفاصيل المشروع في ورقةٍ بحثية.
أوَّل كائن بشري جديد!
فكرة تخليق الحمض النووي بدأت تُشاهد في الساحة العلمية بالفعل، خصوصًا بعدما تمكَّن علماء من هندسة أول كائن حي شبه مخلّق – شبه صناعي- على الإطلاق، وذلك من خلال تربية بكتيريا «إيشيريشيا كولاي» بعد وضع شفرة وراثية من ستة أحرف ممتدة بداخلها.
وفي حين أن كلّ كائن حيّ على الأرض يجري تشكيله وفقًا لشفرة الحمض النووي التي تتكوَّن من أربع قواعد (تمثلها أحرف G, T, C ,A) وتسمى النيوكليوتيدات، فإنّ هذه البكتيريا المعدلة وراثيًّا تحمل نوعًا جديدًا تمامًا من الحمض النووي، مع اثنين من قواعد الحمض النووي الإضافية وهما (X وY)، المختبأة داخل الحمض النووي للبكتيريا.
قاد الفريق البحثي فلويد رومسبرج، الباحث في معهد سكريبس للأبحاث في ولاية كاليفورنيا، وقام الفريق بهندسة النيوكليوتيدات الاصطناعية – الجزيئات التي تُشكِّل لبنات بناء (DNA وRNA)- لخلق زوجٍ من القواعد الإضافية، ثم جرى إدراجها بنجاح في الشفرة الجينية لبكتيريا إيشيريشيا كولاي.
الآن أصبح لدينا أوَّل كائن حي في العالم شبه مخلَّق أو «شبه مصنّع»، مع شفرة وراثية تتكوَّن من زوجين من القواعد الطبيعية، وزوج من القواعد الإضافية الغريبة، ويظنّ روسمبرج وفريقه أن هذا هو مجرَّد البداية لهذا الشكل الجديد من أشكال الحياة. هذه التجربة المثيرة للاهتمام تعطينا نظرة عن مقدار القدرات التي يمكن أن يكتسبها العلماء في المستقبل، وقيامهم بالفعل بتخليق حمض نووي بشري مصنّع في المعمل لإدراجه في خلايا وتحويله لاحقًا إلى كائن بشري.
استنساخ البشر
تمكَّنَ العلماءُ بالفعل – لكن في سينما هوليوود- من استنساخ البشر، فالكثير من أفلام السينما تناولت هذه القضية باعتبارها حدثًا واقعًا سيحدث لا محالة. ورغم عدم حدوث الأمر في الواقع حتى الآن، لكن تتصاعد الكثير من المناقشات حول مدى أخلاقية هذه الخطوة، وفكرة هل ستكون النسخة تابعة للأصل أم لها حقوقها المستقلة.
في فيلم «the island»، شاهدنا كيف أن الشركات بدأت تستنسخ صورة طبق الأصل من بعض الأفراد من البشر الذين يريدون استخدام نسختهم كقطع غيار لهم حتى يعيشوا لفترةٍ أطول، وبصحَّةٍ أفضل. الفكرة في حدّ ذاتها تبدو مرعبة، وإن لم تكن مستبعدة في عالم تسيطر عليه الشركات العملاقة الخاصة التي تهدف للربح فقط.
ويقصد علميًّا بالاستنساخ البشري خلق نسخة متطابقة وراثيًّا مع الإنسان. ويستخدم المصطلح عادة للإشارة إلى الاستنساخ البشري الاصطناعي، وهو استنساخ الخلايا والأنسجة البشرية، وهو ما يحدث بشكل ما الآن. وقد أثارت إمكانية الاستنساخ البشري خلافات كبيرة، حتى دفعت هذه المخاوف الأخلاقية العديد من الدول إلى سن قوانين تتعلق باستنساخ البشر، ومدى شرعيته.
واستنساخ البشر يشمل نوعين: النوع الأول هو الاستنساخ العلاجي، فيتم استنساخ خلايا جديدة للاستخدام في الدراسات الطبية وعمليات زرع الأعضاء عبر فقط استنساخ عضو مماثل لأحد أعضائك، والقيام بزرعِهِ بدلًا من العضو التالف. ويتميز هذا الاستنساخ بعدم حدوث رفض للعضو الجديد من قبل الجسم؛ لأن العضو الجديد هو عضوك بالفعل، وليس جسمًا غريبًا عنك.
النوع الثاني من الاستنساخ هو الاستنساخ الإنجابي أو التكاثري. هذا النوع هو الذي يشمل استنساخ نسخة بشرية كاملة جديدة، وليس مجرد نسيج أو عضو معين. وهذا الاستنساخ تعارضه تقريبًا جميع الدول والحكومات بعكس النوع الأول الذي تجيزه بعض الدول. هذا الأمر هو ما جعل إعلان الأمم المتحدة إعلانًا غير إجباري.
اقرأ أيضًا: هجينٌ بشري حيواني.. علماء يجمعون بين الإنسان والخنزير في كائن حي واحد
وفي نهاية عام 2015، أعلن الرئيس التنفيذي والعالم الرئيسي بمجموعة بويالايف (BOYALIFE group) الصينية، أن أول مصنع أصبح جاهزًا من أجل استنساخ البشر. المصنع الجديد في الصين والأول من نوعه في العالم أصبح جاهزًا للافتتاح خلال 7 شهور، ويخطط لاستنساخ مليون بقرة بحلول عام 2020.
المصنع يخطِّط أيضًا لاستنساخ حيواناتٍ أخرى مثل الكلاب البوليسية، وأحصنة السباق. ويقول المدير التنفيذي للمصنع الجديد «زو زياوشون» إن البضائع الموجودة في «السوبر ماركت» تبدو جيدة ومتناسقة جدًّا، لكن بالنسبة للحيوانات، فالأمر مختلف. المدير التنفيذي أوضح أن المصنع سيجعل من الأمر السابق شيئًا ممكنًا بالنسبة للحيوانات.
ولا يوجد في الصين قانون يمنع تكنولوجيا استنساخ البشر، ومعها دول قليلة جدًّا ككوريا الجنوبية أيضًا.
السؤال الذي ربما يثير القلق هنا، إذا كان من حقك أن تطلب استنساخ نفسك، فهل سيكون من حق نسختك أن تطلب استنساخها أيضًا؟ هل سيكون لك الحق في الرفض؟ هل سيكون لك في الحقيقة أي سيطرة على نسختك أم أنها ستكون فردًا آخر مستقلًا؟ عليك أن تتوقع أنه في الوقت الذي ستطلب عمل نسخة منك فإنها بالتأكيد قد لا تكون النسخة الوحيدة المتوفرة لك، فأنت لا تعلم كم نسخة لك سيتمّ تخليقها دون علمك وبموافقة نسختك أو نسخك الأخرى.
ليس هذا فحسب، فهل يمكن أن يتمّ استنساخك دون علمك؟ هل يمكن أن يتم جمع أي خلايا من جسدك دون علمك كبعض خلايا جلدك أو شعرك أو غيرها، ثم الذهاب بها لمختبر استنساخ لتفاجأ بنسخةٍ مِنكَ تظهر على شاشة التلفاز دون سابق معرفةٍ منك؟ بالطبع سيكون هذا الأمر غير أخلاقي بكلّ الأشكال والأعراف الإنسانية، لكن ما الذي سيجعلك تضمن ألا يقوم البعض باستغلال ذكائك الحاد، أو قوتك الجسمانية للحصول على جيشٍ كامل منك؟
الخلايا الجذعية.. مستقبل التخليق
يبدو أن فكرة إنشاء حياة بشرية اصطناعية من الصفر في المختبر أصبحت قريبة جدًّا، بعد أن نجح العلماء في إنشاء جنين ثديي باستخدام الخلايا الجذعية فقط. في شهر مارس (آذار) 2017، قام الباحثون في جامعة كامبريدج بخلط نوعين من الخلايا الجذعية للفئران وتركها للنمو في ظروف معينة. بعد أربعة أيام من النمو في وعاء من المواد الكيميائية التي صممت لتقليد الظروف داخل الرحم، شكلت الخلايا بنية جنين لفأر حقيقي حي.
اقرأ أيضًا: حيواناتٌ غريبة: أجنّة حيوانية بخلايا جذعية بشرية.. وخطوات جديدة في الطب الحيوي
وصف هذا الإنجاز بأنه «تحفة» فى الهندسة الحيوية، الأمر الذي قد يسمح للعلماء – في نهاية المطاف- بتنمية أجنة بشرية اصطناعية فى المختبر دون الحاجة إلى الحيوانات المنوية أو البويضة.
حاليًا يمكن للعلماء القيام بتجارب على الأجنة المتبقية من علاجات التلقيح الصناعي، ولكن المشكلة التي تواجههم تتمثَّل في نقص المعروض، إذ يجب تدمير هذه الأجنة بعد مرور 14 يومًا. يقول العلماء إن القدرة على خلق أعداد غير محدودة من الأجنة الاصطناعية في المختبر يمكن أن تسرع البحث، لكنها أيضًا تتعدى بوضوح بعض الحدود الأخلاقية.
وقال البروفيسور ماجدالينا زيرنيكا غويتز من قسم علم وظائف الأعضاء والتنمية وعلم الأعصاب في جامعة كامبريدج، والذي قاد البحث، «نحن نعتقد أنه سيكون من الممكن محاكاة الكثير من الأحداث المتعلقة بالنمو التي تحدث قبل مرور 14 يومًا باستخدام الخلايا الجذعية البشرية، باستخدام طرق مشابهة لطريقتنا». هذا التصريح ربما يمثل خطوة كبيرة نحو إنتاج الأجنة البشرية في المختبر، وإمكانية استخدامها لأغراضٍ تعويضية أو علاجية مختلفة.
الذكاء الصناعي.. النسخة الأخرى للإنسان
مستوى آخر يتعلق بفكرة تخليق الإنسان يتمثل في فكرة الذكاء الاصطناعي. فيلم «the bicentennial man» قدم لنا مثالًا رائعًا على فكرة تحوُّل الذكاء الاصطناعي إلى إنسان بالكامل تقريبًا. الفكرة بدأت بحدوث شذوذ في تصرفات أحد الروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي، نتيجة وجود هذه الخلايا الحية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي به ليكتسب قدرات بشرية جدًّا، مثل الإرادة والعواطف.
هناك مصطلح آخر للذكاء الاصطناعي يسمى بـ «الذكاء الاصطناعي العام – Artificial general intelligence»، وهو الذكاء الخاص بآلة يمكن أن تؤدي بنجاح أي مهمة فكرية، والتي يمكن للإنسان القيام بها. ويمثل هذا الهدف الأساسي لبعض بحوث الذكاء الاصطناعي وموضوعًا مشتركًا في الخيال العلمي والدراسات المستقبلية. ويشار إلى الذكاء العام الاصطناعي أيضًا باسم «الذكاء الاصطناعي القوي» و«الذكاء الاصطناعي الكامل»، أو قدرة الآلة على أداء «العمل الذكي العام».
هذه الفكرة ذكرت بشكلٍ «مرعب» في إحدى حلقات مسلسل Black Mirror التي تروي قصة مارثا، وهي امرأة شابة يقتل حبيبها في حادث سيارة. وخلال فترة الحداد والحزن عليه، تكتشف أن التكنولوجيا تسمح لها الآن بالتواصل مع الذكاء الاصطناعي الشبيه بصديقها، لذلك قررت أن تخوض تجربة استعادة صديقها عبر ذكاء اصطناعي متطابق.
باستخدام كل ما تملكه من اتصالات عبر الإنترنت عن صديقها ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به، أمكن إنشاء الحبيب من جديد تقريبًا. وبالفعل تمكَّن الذكاء الاصطناعي من توليد نفس صوت ومواصفات الحبيب الميت. لكن بعد أن فقدت مارثا الخدمة نتيجة عطل في الهاتف، فوجئت بوجود مرحلة جديدة من هذه التقنية: جسم مصنوع من اللحم الاصطناعي يمكن أن يكون بديلًا متطابقًا لحبيبها الميت.
وتؤكد بعض المراجع التمييز بين الذكاء الاصطناعي القوي و«الذكاء الاصطناعى التطبيقى»، والأخير يقصد به استخدام البرامج لدراسة أو إنجاز مهام محددة لحل المشكلات، أو التفكير في مواضيع بعينها. هذا النوع لا يمكنه أداء مجموعة كاملة من القدرات المعرفية البشرية.
قدم مصطلح «الذكاء الاصطناعي العام» مارك غوبرود لأول مرة في عام 1997، في مناقشة للآثار المترتبة على الإنتاج والعمليات العسكرية الأوتوماتيكية بالكامل. لكن هذا الموضوع البحثي كان في الواقع أقدم من ذلك بكثير، على سبيل المثال، مشروع سيغ دوج لينات (الذي بدأ في عام 1984)، ويعتبر مشروع ألين نيويل سوار ضمن نطاق هذه الفكرة أيضًا.
وقد وصف «بي وانغ» و«بن غورتزل» نشاط البحوث في عام 2006 بأنه «إنتاج منشورات ونتائج أولية لهذا النوع من الذكاء». وحتى الآن، فإن معظم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي لم يكرسوا اهتمامًا كبيرًا لفكرة الذكاء الاصطناعي العام، إذ يدعي البعض أن هذا الذكاء معقد للغاية بحيث لا يمكن الحصول عليه في المدى القريب.
ومع ذلك، فإن عددًا صغيرًا من علماء الحاسوب نشطون في بحوث هذا النوع من الذكاء الاصطناعي. البحث في هذا المجال متنوع للغاية، وغالبًا ما سيكون رائدًا. في مقدمة كتابه، يقول بن غورتزل، رئيس العلماء في إحدى الشركات التكنولوجية المتخصصة، إن تقديرات الوقت اللازم قبل بناء هذا النوع من الذكاء قرابة قرن من الزمان، مع العلم أن الكتاب نشر منذ 10 أعوام تقريبًا.
بعض العلماء يرون احتمالية أن يظهر لنا هذا النوع من الذكاء قبل عام 2045 أيضًا. لكن على الجانب الآخر، يشكك معظم الباحثين بمجال الذكاء الاصطناعي في أن التقدم سيكون بهذا المعدل السريع.