الاقتصاد القطري أمام الاختبار الأصعب.. هل يصمد أمام المقاطعة؟

استيقظت المنطقة العربية صباح اليوم الاثنين، على موجة مفاجأة من قطع عدة دول للعلاقات مع دولة قطر، إذ بدأت هذه الموجة بالبحرين، ثم السعودية ومصر ولحقت بهم الإمارات، ثم جاءت ليبيا واليمن بعد ذلك، وأخيرًا المالديف، ومازال القوس مفتوحًا، وهو الأمر الذي يضع البلاد أمام اختبار اقتصادي حقيقي، إذ إن الدول المذكورة من أهم الشركاء التجاريين للدوحة.

لم يقتصر الأمر على قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر، بل إن السعودية بالإضافة إلى باقي الدول التي اتخذت نفس الموقف، قررت إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور من الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، كما أن المملكة أكدت أنها بدأت التفاهم مع الشركات الدولية لتطبيق ذات الإجراء بأسرع وقت ممكن لكافة وسائل النقل من وإلى دولة قطر.

كيف ستتأثر القطاعات الاقتصادية القطرية بالأزمة؟

لا شك أن الاقتصاد القطري بشكل عام سيتأثر بقوة بهذه الأزمة، إذ يقول خبير أسواق المال، محمد عبد الحكيم، إن الغاز القطري أحد أهم مصادر الدخل لدولة قطر أول ما سيتأثر سلبيًّا، إذ يتوقع أن ترتفع تكلفة تصديره، بالإضافة إلى أن اضطرار قطر لاستيراد السلع عن طريق طرق بديلة ستكون له آثار سلبية في الأسعار، ناهيك عن الضرر الذي قد يصيب الاستثمارات القطرية في البلدان المقاطعة.

وتابع عبد الحكيم، خلال حديثه لـ«ساسة بوست»، قائلًا: «إن التأثير لا يقتصر على الغاز والسلع فقط، بل إن معظم قطاعات الاقتصاد القطري ستتأثر، إذ إن زيادة المخاطر السياسية تدفع المستثمرين للتحوط سريعًا، وهو ما نتوقع أن يستمر خلال الفترة القصيرة القادمة».

ويرصد «ساسة بوست» التأثير في بعض القطاعات الاقتصادية بالاقتصاد القطري:

قطاع الطاقة

يعد قاطع الطاقة من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، إذ إن الدوحة هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، ومع إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية من ناحية الدول التي قطعت العلاقات مع قطر، من المتوقع أن تضرر إمدادات الغاز، إلا أن شركة جيرا اليابانية أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي المسال، قالت إن قطر غاز أبلغتها بأنه لن يكون هناك تأثير على إمدادات الغاز المسال بعد قطع دول عربية علاقاتها مع قطر، مضيفة أنه «ليس هناك تأثير محتمل على إمدادات الغاز الطبيعي المسال» بسبب الأزمة، لكنها قضية جيوسياسية في الشرق الأوسط، وثمة احتمال أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسوق الطاقة؛ لذا سنواصل متابعة التحركات، فيما يشار إلى أن اليابان أكبر مستورد للغاز في العالم، إذ تستقبل نحو ثلث الشحنات العالمية.

على الجانب الآخر، تخلت أسعار النفط عن مكاسبها التي حققتها صباح اليوم، وتحولت للانخفاض وسط مخاوف من أن قطع السعودية، أكبر مصدر للخام، قد يعرقل الاتفاق العالمي على خفض الإنتاج، إذ دفعت هذه الخطوة خام القياس العالمي للصعود بنسبة 1% قبل أن يبدد مكاسبه ليتراجع 30 سنتًا إلى 49.65 دولار للبرميل بحلول الساعة 10:46 بتوقيت جرينتش، في المقابل هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في العقود الآجلة 26 سنتًا إلى 47.40 دولار للبرميل.

وتعد قطر عضوًا فاعلًا في «أوبك» إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية لقطر نحو 600 ألف برميل يوميًّا، وبالرغم من أن إنتاجها من أصغر معدلات الإنتاج بالمنظمة، إلا أن التوتر في المنظمة قد يقوض اتفاق خفض الإمدادات الذي يهدف لتعزيز الأسعار، وذلك في وقت تتزايد فيه الشكوك من أن الجهود الرامية لخفض الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا تكبح الصادرات الفعلية كثيرًا.

قطاع التجارة الخارجية

تشير بيانات وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية إلى أن 80% من صادرات قطر إلى الدول العربية خلال عام 2016، موجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تبلغ قيمة هذه الصادرات 19.1 مليار ريال قطري، في حين وارداتها من الدول العربية تبلغ 23.9 مليار ريال، فيما يذهب 82% من الصادرات القطرية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما أنهما تستحوذان أيضًا على 65% من إجمالي صادراتها للدول العربية، فيما تمثل صادرات قطر إلى البحرين نحو 4%، من إجمالي الصادرات القطرية لدول الخليج.

وتكشف البيانات عن مدى عمق العلاقات التجارية القطرية مع هذه الدول، إذ إن البلاد استوردت عام 2016 ما قيمته 19 مليار ريال قطري من البضائع الخليجية، لا سيما من السعودية والإمارات التي شكلت صادراتها إلى قطر 83% من واردات قطر الخليجية، يضاف إليها 6% من البحرين، لتشكل صادرات الدول الثلاث إلى قطر 89% من إجمالي واردات قطر من الدول الخليجية، بحسب وزارة التخطيط التنموي والإحصاء.

وتأتي السعودية والإمارات في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر، بينما تحل السعودية بالمرتبة الأولى للمصدرين في تجارة المواشي، والإمارات في الخامسة، وفي تجارة الخضروات تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة، ومن ناحية تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية، أما في المعادن، فتأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر.

وفي خطوة سريعة، حظر ميناء الفجيرة الإماراتي رسو جميع السفن التي ترفع علم قطر، أو تلك المتجهة إلى المواني القطرية، أو القادمة منها.

جدير بالذكر، أن معبر أبو سمرة الحدودي بين قطر والسعودية استقبل أكثر من 326 ألف زائر فقط خلال الفترة من 10 يناير (كانون الثاني) إلى 5 فبراير (شباط) الماضي، كما يشهد المعبر يوميًّا عبور ما بين 600 إلى 800 شاحنة.

في المقابل، أكدت وزارة الخارجية القطرية خلال بيان لها، أن هذه الإجراءات التي اتخذت ضد دولة قطر لن تؤثر في سير الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين في الدولة، وأن الحكومة القطرية ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان ذلك، ولإفشال محاولات التأثير في المجتمع والاقتصاد القطريين والمساس بهما، إلا أن خبراء أكدوا أنه لا مفر من التأثيرات الاقتصادية السلبية.

في سياق متصل، أفادت وكالة «فارس» الإيرانية بأن إيران تبدي استعدادها لشحن المواد الغذائية إلى قطر، وذلك بعد أنباء عن تكدس في متاجر المواد الغذائية في قطر بعد قرار السعودية إغلاق الحدود البرية، إذ أبدى رئيس نقابة مصدري المحاصيل الزراعية في إيران رضا نوراني، استعداده لتصدير مختلف المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية إلى قطر عبر ثلاثة مواني في جنوب إيران، وهو ما يعد بديلًا سريعًا يمكن أن تلجأ إليه الدوحة.

قطاع الطيران

بعد ساعات من قرار قطع العلاقات، قالت شركة الخطوط الجوية القطرية (حكومية)، إنها قررت تعليق جميع رحلاتها المتجهة إلى السعودية، ويعتبر الخليج من أهم أسواق شركة الطيران الوطنية في البلاد، التي تتخذ من مطار حمد الدولي مركزًا لعملياتها، وتقدم خدماتها لأكثر من 150 وجهة في الشرق الأوسط، وآسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا، إذ تخرج 19 رحلة يوميًّا من مطار دبي الدولي، و6 من مطار أبوظبي، ومثلها من مطار الكويت، و5 من المنامة، و3 أو 5 من جدة و4 من الرياض للدوحة، فيما استقبل مطار الدوحة 37.3 مليون مسافر عام 2016، بزيادة نحو 7 ملايين مسافر عن عام 2015.

وقالت الهيئة العامة للطيران المدني السعودية، إنها قررت منع جميع الطائرات القطرية من الهبوط في مطارات المملكة، إذ أوضحت أن القرار يسري بشكل فوري، ويشمل جميع الطائرات الخاصة والتجارية القطرية، فيما قالت شركة الاتحاد للطيران الإماراتية إنها ستعلق رحلاتها الجوية من وإلى قطر، ابتداءً من صباح الثلاثاء إلى حين إشعار آخر، ومن جانبها أيضًا قالت شركة فلاي دبي للطيران الاقتصادي ومقرها دبي إنها ستعلق الرحلات من وإلى الدوحة اعتبارًا من يوم الثلاثاء، بعد أن قطعت الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع قطر.

السندات السيادية والتصنيف الائتماني

سجلت السندات الدولارية السيادية لقطر استحقاق 2026 أقل مستوى منذ مارس (آذار) الماضي، صباح اليوم، وذلك بواقع 1.8 سنت وفقًا لبيانات (تريدويب) إلى 99 سنتًا للدولار، كما نزلت السندات الأقصر أجلًا استحقاق 2019، وسجلت أقل مستوى لها منذ أواخر 2013 على الأقل.

جاء ذلك بعد أن قال ماتياس أنجونين في دبي، أحد كبيري المحللين لدى وكالة (موديز) للتصنيفات الائتمانية، إن الوكالة قلقة من أن الخلاف بين قطر ودول أخرى في المنطقة، قد يؤثر في التصنيف الائتماني للدوحة، إذا تعطلت التجارة وتدفقات رؤوس الأموال، مضيفًا أن «هناك درجة كبيرة من الضبابية، ليس هناك الكثير من الوضوح بشأن ما يمكن أن يحل هذا الخلاف بين قطر ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي».

وقارن أنجونين بين ما حدث اليوم، والتوتر الأخير الذي انتهى بدون تداعيات ائتمانية، في إشارة إلى خلاف 2014 عندما سحبت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءهم من قطر، إذ قال إن «هذه المرة في ظل إغلاق (الطرق) البرية والجوية والبحرية يظهر تصعيدًا سلبيًّا على الناحية الائتمانية، ونحن قلقون من أن يكون لذلك أثر ائتماني إذا عطل التجارة وتدفقات رأس المال».

وكانت «موديز» خفضت بنهاية الشهر الماضي تصنيف قطر الائتماني إلى Aa3 من Aa2 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وأرجعت ذلك إلى زيادة الدين الخارجي والضبابية بشأن استدامة نموذج النمو في البلاد خلال السنوات القليلة القادمة.

القطاع المالي

وعلى مستوى أسواق المالي، كان لبورصة قطر نصيب الأسد اليوم من الخسائر، إذ أغلق المؤشر على تراجع حاد بنسبة 7.27%، أو 720 نقطة، إلى مستوى 9202 نقطة، وبذلك تصبح بورصة قطر صاحبة أسوأ أداء بين أسواق الأسهم العالمية للعام الحالي، ويعد هذا الهبوط الأكبر للبورصة القطرية منذ سبع سنوات، فيما ارتفع معدل التداول اليومي للأسهم إلى 4 أضعاف، نظرًا للقلق الشديد لدى المتداولين، بحسب بلومبرج.

وتصدرت الأسهم القيادية الخسائر، إذ هبط كلا من سهم ناقلات، والسلام العالمية، وقطر وعمان، وأعمال، والخليج الدولية، ودلالة القابضة، والعامة للتأمين، بواقع 10% وهو الحد الأقصى المسموح به يوميًّا، كما هوت أسهم السينما، والخليج للمخازن، ومزايا قطر بنفس النسبة.

وتشير بيانات البورصة، إلى أن السعودية ودول الخليج الأخرى تشكل عادةً ما بين خمسة وعشرة بالمائة فقط من التعاملات اليومية في بورصة قطر، فيما يقول طلال طوقان، رئيس بحوث الأسهم لدى الرمز للأوراق المالية، إن من غير الواضح إلى أي مدى سيستمر الخلاف، وإن الأسواق قد تتعافى بسرعة إذا هدأت التوترات.

هل سيصمد الاقتصاد القطري كثيرًا؟

قالت وكالة «رويترز» في تقرير لها إن قطر قادرة على تجنب أزمة اقتصادية خانقة، إذ يقدر حجم الأصول في صندوق الثروة السيادي بها بنحو 335 مليار دولار، ولديها فائض تجاري بلغ 2.7 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي وحده، بالإضافة إلى منشآت مواني واسعة يمكنها أن تستخدمها بدلاً من حدودها البرية مع السعودية، التي أغلقت.

لكن تقرير «رويترز» أكد أن قطر ستواجه تكاليف أعلى في بعض المجالات، فواردات قطر من الغذاء البالغة 1.05 مليار دولار في 2015 كانت نحو 309 ملايين دولار منها من السعودية والإمارات، وجزء كبير منها، وبخاصة منتجات الألبان، كان يأتي برًّا عبر الحدود السعودية، وسيكون على قطر أن توفر ترتيبات بديلة، كما أن تكاليف الإنشاءات في قطر قد ترتفع؛ مما سيغذي التضخم بسبب عدم إمكانية استيراد الألومنيوم ومواد البناء برًّا.

ومن جانبه يرى مصطفى عبد السلام، الكاتب والصحافي المصري، رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة العربي الجديد، أن الاقتصاد القطري سيتمكن من الصمود أمام قطع العلاقات، قائلًا لـ«ساسة بوست» إن هناك أسباب عدة تدعم موقف قطر، ومنها امتلاك قطر نقد أجنبي يقترب من 400 مليار دولار، سواء من خلال الاحتياطي الأجنبي المباشر أو الصندوق السيادي، ومع امتلاك موارد النقد الأجنبي يمكنك شراء أي شيء من أي مكان كما أن قطر لديها مواني بحرية وجوية قادرة على استيعاب أي سلع مستوردة، موضحًا أن السلع التي يتم استيرادها من السعودية والإمارات لديها بدائل خاصة من تركيا وإيران والكويت ولبنان، وقد أبدت دول عديدة اليوم استعدادها لتزويد قطر بالسلع التي تحتاجها.

استيقظت المنطقة العربية صباح اليوم الاثنين، على موجة مفاجأة من قطع عدة دول للعلاقات مع دولة قطر، إذ بدأت هذه الموجة بالبحرين، ثم السعودية ومصر ولحقت بهم الإمارات، ثم جاءت ليبيا واليمن بعد ذلك، وأخيرًا المالديف، ومازال القوس مفتوحًا، وهو الأمر الذي يضع البلاد أمام اختبار اقتصادي حقيقي، إذ إن الدول المذكورة من أهم الشركاء التجاريين للدوحة.

لم يقتصر الأمر على قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر، بل إن السعودية بالإضافة إلى باقي الدول التي اتخذت نفس الموقف، قررت إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور من الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، كما أن المملكة أكدت أنها بدأت التفاهم مع الشركات الدولية لتطبيق ذات الإجراء بأسرع وقت ممكن لكافة وسائل النقل من وإلى دولة قطر.

كيف ستتأثر القطاعات الاقتصادية القطرية بالأزمة؟

لا شك أن الاقتصاد القطري بشكل عام سيتأثر بقوة بهذه الأزمة، إذ يقول خبير أسواق المال، محمد عبد الحكيم، إن الغاز القطري أحد أهم مصادر الدخل لدولة قطر أول ما سيتأثر سلبيًّا، إذ يتوقع أن ترتفع تكلفة تصديره، بالإضافة إلى أن اضطرار قطر لاستيراد السلع عن طريق طرق بديلة ستكون له آثار سلبية في الأسعار، ناهيك عن الضرر الذي قد يصيب الاستثمارات القطرية في البلدان المقاطعة.

وتابع عبد الحكيم، خلال حديثه لـ«ساسة بوست»، قائلًا: «إن التأثير لا يقتصر على الغاز والسلع فقط، بل إن معظم قطاعات الاقتصاد القطري ستتأثر، إذ إن زيادة المخاطر السياسية تدفع المستثمرين للتحوط سريعًا، وهو ما نتوقع أن يستمر خلال الفترة القصيرة القادمة».

ويرصد «ساسة بوست» التأثير في بعض القطاعات الاقتصادية بالاقتصاد القطري:

قطاع الطاقة

يعد قاطع الطاقة من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، إذ إن الدوحة هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، ومع إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية من ناحية الدول التي قطعت العلاقات مع قطر، من المتوقع أن تضرر إمدادات الغاز، إلا أن شركة جيرا اليابانية أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي المسال، قالت إن قطر غاز أبلغتها بأنه لن يكون هناك تأثير على إمدادات الغاز المسال بعد قطع دول عربية علاقاتها مع قطر، مضيفة أنه «ليس هناك تأثير محتمل على إمدادات الغاز الطبيعي المسال» بسبب الأزمة، لكنها قضية جيوسياسية في الشرق الأوسط، وثمة احتمال أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسوق الطاقة؛ لذا سنواصل متابعة التحركات، فيما يشار إلى أن اليابان أكبر مستورد للغاز في العالم، إذ تستقبل نحو ثلث الشحنات العالمية.

على الجانب الآخر، تخلت أسعار النفط عن مكاسبها التي حققتها صباح اليوم، وتحولت للانخفاض وسط مخاوف من أن قطع السعودية، أكبر مصدر للخام، قد يعرقل الاتفاق العالمي على خفض الإنتاج، إذ دفعت هذه الخطوة خام القياس العالمي للصعود بنسبة 1% قبل أن يبدد مكاسبه ليتراجع 30 سنتًا إلى 49.65 دولار للبرميل بحلول الساعة 10:46 بتوقيت جرينتش، في المقابل هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في العقود الآجلة 26 سنتًا إلى 47.40 دولار للبرميل.

وتعد قطر عضوًا فاعلًا في «أوبك» إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية لقطر نحو 600 ألف برميل يوميًّا، وبالرغم من أن إنتاجها من أصغر معدلات الإنتاج بالمنظمة، إلا أن التوتر في المنظمة قد يقوض اتفاق خفض الإمدادات الذي يهدف لتعزيز الأسعار، وذلك في وقت تتزايد فيه الشكوك من أن الجهود الرامية لخفض الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا تكبح الصادرات الفعلية كثيرًا.

قطاع التجارة الخارجية

تشير بيانات وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية إلى أن 80% من صادرات قطر إلى الدول العربية خلال عام 2016، موجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تبلغ قيمة هذه الصادرات 19.1 مليار ريال قطري، في حين وارداتها من الدول العربية تبلغ 23.9 مليار ريال، فيما يذهب 82% من الصادرات القطرية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما أنهما تستحوذان أيضًا على 65% من إجمالي صادراتها للدول العربية، فيما تمثل صادرات قطر إلى البحرين نحو 4%، من إجمالي الصادرات القطرية لدول الخليج.

وتكشف البيانات عن مدى عمق العلاقات التجارية القطرية مع هذه الدول، إذ إن البلاد استوردت عام 2016 ما قيمته 19 مليار ريال قطري من البضائع الخليجية، لا سيما من السعودية والإمارات التي شكلت صادراتها إلى قطر 83% من واردات قطر الخليجية، يضاف إليها 6% من البحرين، لتشكل صادرات الدول الثلاث إلى قطر 89% من إجمالي واردات قطر من الدول الخليجية، بحسب وزارة التخطيط التنموي والإحصاء.

وتأتي السعودية والإمارات في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر، بينما تحل السعودية بالمرتبة الأولى للمصدرين في تجارة المواشي، والإمارات في الخامسة، وفي تجارة الخضروات تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة، ومن ناحية تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية، أما في المعادن، فتأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر.

وفي خطوة سريعة، حظر ميناء الفجيرة الإماراتي رسو جميع السفن التي ترفع علم قطر، أو تلك المتجهة إلى المواني القطرية، أو القادمة منها.

جدير بالذكر، أن معبر أبو سمرة الحدودي بين قطر والسعودية استقبل أكثر من 326 ألف زائر فقط خلال الفترة من 10 يناير (كانون الثاني) إلى 5 فبراير (شباط) الماضي، كما يشهد المعبر يوميًّا عبور ما بين 600 إلى 800 شاحنة.

في المقابل، أكدت وزارة الخارجية القطرية خلال بيان لها، أن هذه الإجراءات التي اتخذت ضد دولة قطر لن تؤثر في سير الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين في الدولة، وأن الحكومة القطرية ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان ذلك، ولإفشال محاولات التأثير في المجتمع والاقتصاد القطريين والمساس بهما، إلا أن خبراء أكدوا أنه لا مفر من التأثيرات الاقتصادية السلبية.

في سياق متصل، أفادت وكالة «فارس» الإيرانية بأن إيران تبدي استعدادها لشحن المواد الغذائية إلى قطر، وذلك بعد أنباء عن تكدس في متاجر المواد الغذائية في قطر بعد قرار السعودية إغلاق الحدود البرية، إذ أبدى رئيس نقابة مصدري المحاصيل الزراعية في إيران رضا نوراني، استعداده لتصدير مختلف المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية إلى قطر عبر ثلاثة مواني في جنوب إيران، وهو ما يعد بديلًا سريعًا يمكن أن تلجأ إليه الدوحة.

قطاع الطيران

بعد ساعات من قرار قطع العلاقات، قالت شركة الخطوط الجوية القطرية (حكومية)، إنها قررت تعليق جميع رحلاتها المتجهة إلى السعودية، ويعتبر الخليج من أهم أسواق شركة الطيران الوطنية في البلاد، التي تتخذ من مطار حمد الدولي مركزًا لعملياتها، وتقدم خدماتها لأكثر من 150 وجهة في الشرق الأوسط، وآسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا، إذ تخرج 19 رحلة يوميًّا من مطار دبي الدولي، و6 من مطار أبوظبي، ومثلها من مطار الكويت، و5 من المنامة، و3 أو 5 من جدة و4 من الرياض للدوحة، فيما استقبل مطار الدوحة 37.3 مليون مسافر عام 2016، بزيادة نحو 7 ملايين مسافر عن عام 2015.

وقالت الهيئة العامة للطيران المدني السعودية، إنها قررت منع جميع الطائرات القطرية من الهبوط في مطارات المملكة، إذ أوضحت أن القرار يسري بشكل فوري، ويشمل جميع الطائرات الخاصة والتجارية القطرية، فيما قالت شركة الاتحاد للطيران الإماراتية إنها ستعلق رحلاتها الجوية من وإلى قطر، ابتداءً من صباح الثلاثاء إلى حين إشعار آخر، ومن جانبها أيضًا قالت شركة فلاي دبي للطيران الاقتصادي ومقرها دبي إنها ستعلق الرحلات من وإلى الدوحة اعتبارًا من يوم الثلاثاء، بعد أن قطعت الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع قطر.

السندات السيادية والتصنيف الائتماني

سجلت السندات الدولارية السيادية لقطر استحقاق 2026 أقل مستوى منذ مارس (آذار) الماضي، صباح اليوم، وذلك بواقع 1.8 سنت وفقًا لبيانات (تريدويب) إلى 99 سنتًا للدولار، كما نزلت السندات الأقصر أجلًا استحقاق 2019، وسجلت أقل مستوى لها منذ أواخر 2013 على الأقل.

جاء ذلك بعد أن قال ماتياس أنجونين في دبي، أحد كبيري المحللين لدى وكالة (موديز) للتصنيفات الائتمانية، إن الوكالة قلقة من أن الخلاف بين قطر ودول أخرى في المنطقة، قد يؤثر في التصنيف الائتماني للدوحة، إذا تعطلت التجارة وتدفقات رؤوس الأموال، مضيفًا أن «هناك درجة كبيرة من الضبابية، ليس هناك الكثير من الوضوح بشأن ما يمكن أن يحل هذا الخلاف بين قطر ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي».

وقارن أنجونين بين ما حدث اليوم، والتوتر الأخير الذي انتهى بدون تداعيات ائتمانية، في إشارة إلى خلاف 2014 عندما سحبت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءهم من قطر، إذ قال إن «هذه المرة في ظل إغلاق (الطرق) البرية والجوية والبحرية يظهر تصعيدًا سلبيًّا على الناحية الائتمانية، ونحن قلقون من أن يكون لذلك أثر ائتماني إذا عطل التجارة وتدفقات رأس المال».

وكانت «موديز» خفضت بنهاية الشهر الماضي تصنيف قطر الائتماني إلى Aa3 من Aa2 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وأرجعت ذلك إلى زيادة الدين الخارجي والضبابية بشأن استدامة نموذج النمو في البلاد خلال السنوات القليلة القادمة.

القطاع المالي

وعلى مستوى أسواق المالي، كان لبورصة قطر نصيب الأسد اليوم من الخسائر، إذ أغلق المؤشر على تراجع حاد بنسبة 7.27%، أو 720 نقطة، إلى مستوى 9202 نقطة، وبذلك تصبح بورصة قطر صاحبة أسوأ أداء بين أسواق الأسهم العالمية للعام الحالي، ويعد هذا الهبوط الأكبر للبورصة القطرية منذ سبع سنوات، فيما ارتفع معدل التداول اليومي للأسهم إلى 4 أضعاف، نظرًا للقلق الشديد لدى المتداولين، بحسب بلومبرج.

وتصدرت الأسهم القيادية الخسائر، إذ هبط كلا من سهم ناقلات، والسلام العالمية، وقطر وعمان، وأعمال، والخليج الدولية، ودلالة القابضة، والعامة للتأمين، بواقع 10% وهو الحد الأقصى المسموح به يوميًّا، كما هوت أسهم السينما، والخليج للمخازن، ومزايا قطر بنفس النسبة.

وتشير بيانات البورصة، إلى أن السعودية ودول الخليج الأخرى تشكل عادةً ما بين خمسة وعشرة بالمائة فقط من التعاملات اليومية في بورصة قطر، فيما يقول طلال طوقان، رئيس بحوث الأسهم لدى الرمز للأوراق المالية، إن من غير الواضح إلى أي مدى سيستمر الخلاف، وإن الأسواق قد تتعافى بسرعة إذا هدأت التوترات.

هل سيصمد الاقتصاد القطري كثيرًا؟

قالت وكالة «رويترز» في تقرير لها إن قطر قادرة على تجنب أزمة اقتصادية خانقة، إذ يقدر حجم الأصول في صندوق الثروة السيادي بها بنحو 335 مليار دولار، ولديها فائض تجاري بلغ 2.7 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي وحده، بالإضافة إلى منشآت مواني واسعة يمكنها أن تستخدمها بدلاً من حدودها البرية مع السعودية، التي أغلقت.

لكن تقرير «رويترز» أكد أن قطر ستواجه تكاليف أعلى في بعض المجالات، فواردات قطر من الغذاء البالغة 1.05 مليار دولار في 2015 كانت نحو 309 ملايين دولار منها من السعودية والإمارات، وجزء كبير منها، وبخاصة منتجات الألبان، كان يأتي برًّا عبر الحدود السعودية، وسيكون على قطر أن توفر ترتيبات بديلة، كما أن تكاليف الإنشاءات في قطر قد ترتفع؛ مما سيغذي التضخم بسبب عدم إمكانية استيراد الألومنيوم ومواد البناء برًّا.

ومن جانبه يرى مصطفى عبد السلام، الكاتب والصحافي المصري، رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة العربي الجديد، أن الاقتصاد القطري سيتمكن من الصمود أمام قطع العلاقات، قائلًا لـ«ساسة بوست» إن هناك أسباب عدة تدعم موقف قطر، ومنها امتلاك قطر نقد أجنبي يقترب من 400 مليار دولار، سواء من خلال الاحتياطي الأجنبي المباشر أو الصندوق السيادي، ومع امتلاك موارد النقد الأجنبي يمكنك شراء أي شيء من أي مكان كما أن قطر لديها مواني بحرية وجوية قادرة على استيعاب أي سلع مستوردة، موضحًا أن السلع التي يتم استيرادها من السعودية والإمارات لديها بدائل خاصة من تركيا وإيران والكويت ولبنان، وقد أبدت دول عديدة اليوم استعدادها لتزويد قطر بالسلع التي تحتاجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...