web analytics

كيف كون “كولن ثروته” وهل ينجح في القضاء على نفوذ أردوغان؟

 

عندما كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءً من ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز، سمع رئيس الأركان التركي الجنرال خلوصي آكار، صوت طرق على باب مكتبه الواقع في العاصمة أنقرة، لقد كان الطارق أحد رؤسائه وهو الجنرال محمد ديشليأتى ليخبره ببداية الانقلاب العسكري وقد قال "سنعتقل الجميع" وتابع "الكتائب والفرق في طريقهم إلينا، سترى ذلك بأم عينك"، أصيب الجنرال آكار بالذعر مما سمعه وسأله: "ماذا تقول بحق الجحيم؟".

 

في مدن تركية أخرى، أمر ثلة من الضباط المتورطين في الانقلاب وحداتهم العسكرية باحتجاز كبار القادة العسكريين وإغلاق منافذ الطرق الرئيسية والاستيلاء على المنشآت الحيوية مثل مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، وقد أقلعت مقاتلات "إف-16" وفقًا لأوامر هؤلاء القادة، ووفقًا لأقوال أحد المسؤولين المتورطين في الانقلاب، فإن المتآمرين قد حاولوا إقناع رئيس الأركان بالانضمام إليهم لكنه عندما أعرب عن رفضه قيّدوا يديه ونقلوه بالمروحية إلى قاعدة جوية أين تم احتجاز بقية الجنرالات الآخرين وفي تلك اللحظة وجه أحد المتمردين سلاحه في وجه الجنرال آكار مهددًا بقتله.

 

وبعد حلول منتصف الليل، اضطرت مذيعة في التلفزيون التركي الرسمي إلى بث بيان المتآمرين في أثناء الانقلاب، حيث أطلقوا على أنفسهم اسم اللجنة الرئيسية للسلام تيمنًا بالمثل التي تقوم عليها الدولة، وقد ورد في البيان أن مجلس السلام قد نسف مؤسسات الدولة المشاركة في الفساد ودعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان وأنه "قد تم القضاء على الحكم العلماني والقانون الديمقراطي" ولم تتم الإشارة إلى ما آلت إليه رئاسة الدولة.

 

لقد بدا مجلس السلام، المتمثل في الهيئة التنفيذية التي أُعلن المتآمرون عن تشكيلها في 15يوليو/ تموز، ممسكًا بزمام الأمور لهنيهة من الزمن، في تلك الأثناء، انضم بعض حكام الأقاليم وقادة المجتمع المدني إلى الانقلاب بينما أُجبر آخرون على الاستسلام والأمر سيان مع فرق الشرطة، وبعد انتهاء أحداث الانقلاب الفاشل، عثرت المخابرات التركية على مجموعة من الرسائل النصية التي تضمنت محادثات بين الرائد مراد شيليبي أوغلو والفرق التي تحت إمرته قال فيها إنه "لقد تم استدعاء نائب رئيس شرطة إسطنبول وإبلاغه بخبر الانقلاب ودعوة بقية المسؤولين للاجتماع"،  وكانت إحدى الإجابات للكولونيل أوزان شاهين قال فيها "أخبر زملائي في الشرطة أنني أقبل رؤوسهم".

 

لكن على ما يبدو لقد كان مخطط الانقلاب عشوائيًا، فشل فريق المروحيات في القبض على الرئيس أردوغان الذي كان يقضي عطلته في منتجع بمارماريس وقد حدث تبادل نار بينهم وبين الحراس في الفندق الذي كان يقيم فيه، لقد استطاع منفذو الانقلاب أن يحكموا السيطرة على قناة تلفزيونية واحدة ولم يتمكنوا من قطع شبكة الخطوط الخلوية للهاتف.

 

في تلك الأثناء، كان الرئيس أردوغان قادرًا على تسجيل شريط فيديو ليتم بثه على قناة سي-إن-إن الإخبارية التركية، وقد دعا من خلاله المواطنين الأتراك إلى "الخروج للشوارع ورد الانقلاب"، وقد هب المواطنون بأعداد غفيرة إلى تلبية طلب رئيسهم، وفي ظل مقاومة الشعب التركي، الذي خرج إلى الشوارع على الرغم من تعميم حظر التجوال في البلاد، مشكلاً ضغطًا هائلاً على القوات الجيش التي كان عليها أن تختار بين الاستسلام أو إطلاق النار على تلك الجماهير الغاضبة، ومع انبلاج الصبح، نجح الشعب التركي في إفشال هذه المؤامرة.

 

أعلن أردوغان عن حالة الطوارئ وفي الأسابيع التي تلت الانقلاب، ظهر الرئيس في جملة من القنوات ليذكر المواطنين بتكلفة الانقلاب الغالية، وعلى خلفية الانقلاب، أطلق بعض المتآمرين النار دون شفقة على المتظاهرين وعلى رفاقهم الذين أعربوا عن معارضتهم للانقلاب، وقد أمر أحد القادة المتمردين، الجنود في رسالة نصية أن "يسحقوا المتظاهرين ويحرقوهم دون ترك أي مجال للتفاهم"، لقد لقي أكثر من 260 شخصًا حتفهم إثر عمليات إطلاق النار بينما جرح آلاف آخرون، علاوة على الخسائر البشرية، قصفت مقاتلات "إف-16" مبنى البرلمان مخلفة ثقوبًا في واجهته وقطع من الخرسانة متناثرة في الممرات.

 

وكما ورد في تصريحات أردوغان، فإن الانقلاب لم يكتسب أي صبغة شرعية ولم يكن علامة من علامات العصيان المدني أو الحراك الاجتماعي، في الحقيقة، لم تنبع القرارات المتخذة بشأن الانقلاب من مقر سيادي تركي بل صدرت الأوامر من بنسلفانيا، لقد كانت رسالة أردوغان المشفرة واضحة للشعب التركي، فقد قصد بها أن العقل المدبر لهذا الانقلاب كان فتح الله غولن، رجل الدين البالغ من العمر 78 عامًا الذي يعيش في المنفى منذ عقدين ليتخذ من بوكونو (في ولاية بنسلفانيا – الولايات المتحدة الأمريكية) ملجأً له.

 

فر المفكر الإسلامي والداعية التركي فتح الله غولن، من تركيا سنة 1999 خشية أن يتم اعتقاله من طرف السلطات التركية، وعلى الرغم من بعده عن تركيا، إلا أنه كان بمثابة المرشد الروحي للملايين والمشرف على شبكة من المدارس الخيرية، وقد عرف عنه أيضًا توفير منح دراسية للفقراء، وقد أكدت خُطب غولن وكتاباته على فكرة التوفيق بين تعاليم الشريعة الإسلامية والعلم المعاصر والتشجيع على الأعمال الخيرية، وقد أطلق على الحركة التي أسسها اسم "حركة الخدمة".

 

ولقد مثل توجه غولن الفكري أملاً للعديد من القيادات في الغرب الذين أرادوا تطبيق مثل هذا المنظور الإسلامي في تركيا، وقد التقى فتح الله غولن بالعديد من القيادات المهمة في الغرب كالبابا جون بول الثاني وأهم القيادات في مختلف المنظمات اليهودية وتكريمه من قبل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي أثنى على "أفكار التسامح وحوار الأديان" التي يحملها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Ask AI to edit or generate...